مع طول أمد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومواصلة جيش الاحتلال عمليات تدمير المباني التي بلغت نسبتها نحو70 % من الوحدات السكنية، وسط قصف جنوني، لا يميز بين حجر وبشر، وتجاوز أعداد الشهداء والمصابين المائة ألف فلسطيني، يتساءل مراقبون عن إمكانية تقييم، ما جرى خلال 75 يوما من العدوان، وإدارة المشهد من جانب المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، باعتبارها “المسيطرة” على إدارة القطاع.
فأمام حالة الدمار الواسعة التي خلفها العدوان، واحتلال الجيش الإسرائيلي لبعض المناطق في القطاع الذي انسحب منه بشكل أحادي عام 2005، يتساءل البعض عن موقف سكان القطاع، ونظرتهم إلى المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس؛ كونها مفجرة عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
ففي الوقت الذي يرى فيه بعض، ممن أنهكتهم الحرب والنزوح المتكرر، وفقد الأحبة والأهل، أنه “بيكفي” ما حدث، وأن على المقاومة أن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين لديها، ليس من باب الاستسلام، ولكن من أجل وقف العدوان، في ظل حالة من التحالف الغربي الأمريكي، ضد سكان هذا الشريط الضيق المحاصر طيلة سبعة عشر عاما، يرى قطاع آخر، أن ضريبة الحرية وثمنها غال، وأنه قدر هذا الشعب، أن يدفع من دمائه ودماء أبنائه؛ للذود عن المقدسات، واسترداد أرضه وحقوقه وحريته.
هنية فقد 50 من أسرته
في هذا الإطار، يجيب قيادي في حركة حماس لـ ” مصر 360 ” على مجموعة من التساؤلات المرتبطة بالمشهد الراهن، موضحا أن أي حديث عن حركة حماس بشكل خاص، والمقاومة بشكل عام، وتقييم نتائج ما حدث، منذ السابع من أكتوبر، لا بد أن يكون على أرضية واضحة، وهي أن الحركة جزء أصيل من الشعب الفلسطيني، ومكون رئيسي في قطاع غزة.
وقال القيادي الذي رفض ذكر اسمه كونه غير مخول له الحديث للإعلام، إن قيادات الصف الأول بالحركة، وأبنائهم وأسرهم، يتواجدون داخل القطاع ويسري عليهم، ما يسري على أبناء غزة، فرئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية المتواجد في العاصمة القطرية الدوحة بحكم ما يقتضيه دوره في تلك المرحلة، استشهد من أسرته، حتى الآن ما يزيد على الـ 50 فردا، بينهم حفيده الأكبر وحفيدته، كما استشهد حتى الآن 3 من أعضاء المكتب السياسي للحركة في غزة.
وحول عدم تعديل حماس استراتيجيتها بالشكل الذي يمكن معه، أن تتجاوب مع مطالب البعض بوضع حد للحرب عبر إطلاق سراح أسرى الاحتلال، قال القيادي الحمساوي، إن التاريخ يثبت دائما، أنه حتى الآن لا يوجد محتل، ترك الأراضي التي يحتلها بالمفاوضات، أو بالمقاومة السلمية، التي يطالب بها البعض، في إشارة إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وتابع “الجميع شاهد كيف تعامل جيش الاحتلال عقب إطلاق سراح مجموعة من الأسرى، وتحرره من بعض الضغوط التي كانت عليه، حيث عاد بمنتهى الشراسة، يقصف، ويدمر كل شيء”، مشددا ” الاحتلال لا يعرف إلا لغة القوة، وأن من يتساءل عن وضع القطاع، لا بد أن يعرف طبيعة، ما كانت عليه غزة قبل العدوان الأخير، فعلى مدار 17 عاما، تحولت غزة لسجن كبير، لا يمكن الخروج منه، وتفتقد لمقومات الحياة، فالكهرباء لا تأت إلا 4 ساعات في اليوم؛ بسبب التحكمات الإسرائيلية، وحركة الدخول والخروج من القطاع مقيدة “.
أما عما يثار بشأن كون حماس، أقدمت على خطوة طوفان الأقصى، ضمن مخطط أو تصور إيراني في إدارة صراعها مع الإدارة الأمريكية إسرائيل، قال القيادي في الحركة، إن علاقة حماس بطهران غير مخفية، والجميع يعلم بها، ولا تنكر الحركة الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه طهران لحماس، وبعض فصائل المقاومة، مشددا في الوقت ذاته، أن هناك خطوطا واضحة حددتها الحركة، وقبلت بها طهران وهي عدم التدخل في شأن الداخل، متابعا: “هناك توافق على الخط العام، وهو العداء لإسرائيل، وتَفهُم لإدارة كل طرف للمشهد وفقا لما يلائم حالته “.
ارتفاع شعبية المقاومة
في غضون ذلك أظهر استطلاع للرأي بين الفلسطينيين ارتفاعًا في تأييد “حماس” في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان، بينما أظهر رفضا كبيرا لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع ما يقرب من 90 % يقولون، إنه يجب أن يستقيل.
وحسب نتائج الاستطلاع الذي أجراه “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” بالتعاون مع مؤسسة “كونراد أديناور” في رام الله “، ارتفعت نسب دعم حماس في الضفة الغربية 3 أضعاف، ما كانت عليه قبل الحرب”.
ووفقا للاستطلاع الذي جرى على مدار ثلاثة أشهر بينها نحو 50 يوما من العدوان، وأعلنت نتائجه في الثالث عشر من ديسمبر الجاري، فإن ما يقرب من 70 % من الفلسطينيين، طالبوا بحل السلطة الفلسطينية، كما رأى 90 % من الفلسطينيين، أن الرئيس عباس، يجب أن يستقيل.
وأظهر المسح، أن 44 بالمئة من المستطلعة آرائهم في الضفة الغربية يؤيدون حماس، ارتفاعا من 12 بالمئة في سبتمبر، بينما أيد 42 بالمئة في غزة الحركة، ارتفاعا من 38 بالمئة.
كما أظهر الاستطلاع الذي شمل 1,231شخص ارتفاع نسبة تأييد المقاومة المسلحة؛ لمواجهة الاحتلال، حيث يرى أكثر من 60 % من الفلسطينيين الذين شملهم، أن “المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال”.
وبشأن عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس في 7 أكتوبر، أعربت الأغلبية العظمى من المستطلعة آرائهم في الضفة، وغزة أن قرار الهجوم كان صحيحا، وقال 72 % ممن شملهم الاستطلاع، إنهم يؤيدون طوفان الأقصى.
وعارض 64 % من المستطلعة آرائهم مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاءات مع الولايات المتحدة ودول عربية أخرى؛ لبحث مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، وقال 60 % منهم إنهم يفضلون بقاء حكم حماس في قطاع غزة بعد الحرب.
تباين لا يتخلله تخوين “بيكفي”
من جانبها دعت الصحفية يافا أبو عقار المقاومة لإطلاق سراح أسرى الاحتلال؛ لحقن دماء أبناء القطاع قائلة “طلعوهم بيكفي، فهم ليسوا أغلى من دم ولادنا وأهالينا ولا بيوتنا” متابعة: “وقفوا الحرب بأي ثمن”.
وترى أبو عقار التي فقدت بعضا من أفراد أسرتها، أن غزة تركت بمفردها، بعد أن خذلها الجميع قريبهم، وغريبهم بحد تعبيرها، مشيرة إلى صعوبة استمرار الوضع على ما هو عليه.
في المقابل، تقول السيدة الخمسينية فايزة السماحي، والتي فقدت اثنين من أبنائها، وشقيقها، وثلاثة من أبنائه، إضافة إلى شقيقتها في قصفين مختلفين لطيران الاحتلال، إن هذا هو قدر الشعب الفلسطيني، وأنهم ماضون في تحرير أرضهم، مضيفة “إما نعيش في حرية، وبكرامة، أو أن نلقى الله شهداء رافعين رؤوسنا “.
وتضيف السماحي، التي لا تزال تتمسك، بالبقاء في منطقة بيت لاهيا رغم التهديدات المتوالية من جيش الاحتلال لسكان الشمال بترك منازلهم، والنزوح إلى الجنوب، لـ ” مصر 360″، “لدينا مقولة معروفة عنا، وهي أننا ننجب الكثير من الأطفال بعضهم لنا، ويعضهم فداء لفلسطين وقضيتها”، مؤكدة: ولكن هذه الحرب، نقول، إننا جميعا بأبنائنا، وما نملك فداء لفلسطين وأرضها “.
وترى السماحي، أن تمسكهم بأرضهم، ومقاومة الاحتلال، هو جزء لا يتجزأ من العقيدة، بحد تعبيرها، متابعة: “في الوقت نفسه نحن لا نلوم على من تعب، ومن أرهقته الحرب، فهم بشر، وما يحدث فوق طاقة البشر، ولا يجب، أن نخونهم، أو نقلل من آلامهم، فلكل منا قدرة على التحمل”، مضيفة: “أننا وراء المقاومة، فهم منا، ونحن منهم”.
رؤية “السلطة”
في المقابل، يرى حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنه لا يوجد أحد فوق المحاسبة، سواء كانت المقاومة أو السلطة، مشددا في حوار متلفز مع فضائية الجزيرة، أنه “يجب أن يكون صندوق الانتخابات هو الفيصل بين مشروعي التسوية والمقاومة”، مشيرا إلى أنه من حق السلطة الفلسطينية، أن يكون لها رؤيتها بشأن طريقة التحرر من الاحتلال، ملمحا إلى أنهم في السلطة الفلسطينية، يرون أن عدم التناسب في القوى يجعل من خيار المقاومة المسلحة غير صالح للوقت الراهن، قائلا: “لا نريد أن نرى في الضفة مشهد القتل، والتهجير الذي يحدث بغزة “.
وفي إشارة لتشابك علاقات بعض حركات المقاومة ومنها حماس والجهاد، وارتباطهما بإيران، يقول الشيخ، إن القرار الفلسطيني لا يجب، أن يكون رهنا لأي من العواصم “.
تطهير عرقي وليس حماس
من جانبه أكد الدكتور مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، على أن إسرائيل لا تفهم، سوى لغة القوة، وأنه كان لا بد من دعم عربي أكبر، بدلا من الحديث عن إلحاق الخطأ بالمقاومة، مضيفا أنه كان على الدول العربية كسر الحصار على غزة، ومنع إسرائيل من فرض سيطرتها على معبر رفح عبر تسيير قافلة ،تشارك بها كافة الدول العربية، وتوضع إسرائيل في اختبار، ما إذا كانت ستجرؤ على قصفها أم لا ؟”، متابعا في حديث لـ ” مصر360″: ” أيضا كما أنه كان لا بد أن يتم وقف الوقود العربي عن الولايات المتحدة، وغلق أسواقنا العربية في مواجهة أمريكا، وأي دولة غربية، تدعم إسرائيل في مجازرها، هذه هي اللغة التي تفهمها تل أبيب”.
وشدد على أن إسرائيل لا تحارب حماس كما تدعي، هي تقود حرب تطهير عرقي بالأساس، ضد الفلسطينيين في غزة، وإذا نجحت فيها ستنتقل إلى الضفة الغربية؛ لتصفية القضية بالكامل”.