منذ مطلع العام الحالي، يواصل العائد على أدوات الدين الحكومية قصيرة الأجل (أقل من عام) الارتفاع في عطاءات الأوراق المالية الحكومية.
يأتي ذلك مع تزايد احتياج وزارة المالية للتمويل الداخلي، وارتفاع الإنفاق الحكومي، والذي تزامن مع تأخر صرف شرائح جديدة من صندوق النقد الدولي.
في آخر عطاءات الأوراق المالية الحكومية، الأحد الماضي، بلغ متوسط العائد على الأذون استحقاق 91 يومًا 25.66 %، مقابل 20.52 % كمتوسط في يناير الماضي، تمثل نسبة الزيادة 5.1 % خلال 11 شهرًا.
ووصل العائد على الأذون استحقاق 273 يومًا إلى 27.12 %، في جلسة الأحد أيضًا، مقابل 21.48 % كمتوسط في يناير الماضي، بزيادة، تناهز 6 % خلال الفترة المقارنة ذاتها.
أما على المستوى السنوي (مقارنة طروحات ديسمبر 2022 مع ديسمبر 2023)، فقد ارتفع العائد على أذون استحقاق 91 يومًا بنسبة 7.5 %، وكذلك استحقاق 273 يومًا بنسبة 8.03 %.
نسب الارتفاع السابقة، يمكن أن تفسر تصريح وزير المالية، محمد معيط، بأن أذون الخزانة تمثل ضغطًا كبيرًا حاليًا؛ بشأن التكلفة والسيولة المالية، وهي عبء، تكلفته سريعة؛ نظرًا لسداده في ذات العام المالي.
قال معيط: الالتزامات المالية والفوائد المستحقة، تجعل الإدارة وكل المعنيين في مواقعهم تحت ضغط، وتحديات طوال الوقت.
وأضاف: “نعمل تحت ضغط رهيب؛ بسبب التحديات الخارجية من حروب، والتوترات الجيوسياسية التي تفوق نظيرتها الداخلية”.
عجز الموازنة
ارتفع عجز الموازنة خلال الربع الأول من العام المالي الحالي إلى 3.85 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 2.05 % خلال الربع ذاته من العام السابق؛ ليسجل 455.9 مليار جنيه، بحسب التقرير المالي الشهري لوزارة المالية عن أكتوبر الماضي.
تغطي وزارة المالية، العجز عن طريق طروحات أدوات الدين، سواء قصيرة الأجل “أذون خزانة” التي يقل أجلها عن عام، أو طويلة الأجل “سندات خزانة” التي تزيد مدتها الزمنية عن عام، وحتى سبع سنوات.
وارتفعت فوائد الديون بمعدل 120 % خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2023/2024؛ لتصل إلى 477.5 مليار جنيه، مقابل 216.9 مليار جنيه في الربع ذاته من العام 2022/2023، لتستحوذ على 60 % من الإنفاق الحكومي.
الدين المحلي
بحسب مسئول بوزارة المالية، فإن الموازنة العامة للدولة 2023/2024 تستهدف خفض عجز الموازنة إلى مستوى 5 %، والهبوط بمعدل المديونية الحكومية لأقل من 80 % من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية 2027.
لكن من شأن الاحتياجات التمويلية الضخمة للموازنة، أن تزيد من شهية وزارة المالية على الاقتراض الداخلي، وذلك رغم ارتفاع رصيد الدين العام إلى 96 % من الناتج المحلي الإجمالي بزيادة أكثر عن 8 % في عام واحد.
وغالبا ما تعتمد وزارة المالية في سد الفجوة التمويلية محليا، وقد يبلغ الدين العام الحالي 1.9 تريليون جنيه، وغالبيته من أذون وسندات الخزانة، مقابل 1.5 تريليون جنيه في العام السابق بارتفاع قدره 400 مليار جنيه.
ارتفاع الفائدة
تتبع وزارة المالية أسعار الفائدة السائدة المقررة من لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي، والتي يتم إقرارها لوضع الاقتصاد، إما في مسار توسعي أو انكماشي.
زيادة الفائدة تفضي؛ لانكماش الاقتصاد بتقليل الاقتراض البنكي من قبل البنوك، وتوسع القطاع الخاص، لكنها في الوقت ذاته تساهم في استهداف التضخم، والعكس صحيح.
وفي اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي “الخميس”، ثبتت اللجنة أسعار الفائدة، بخلاف التوقعات برفعها ما بين 1 و2 % لمواجهة التضخم، خاصة مع حلول صرف الشهادات مرتفعة العائد التي أصدرتها بنوك حكومية قبل عام.
بحسب مسئولي وزارة المالية، فإن كل زيادة 1 % بسعر الفائدة يكبد الموازنة العامة للدولة ما بين 30 و32 مليار جنيه عبء دين، ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الفائدة في الموازنة العامة الدولة، وبالتالي يؤثر على الدين وعجز الموازنة.
معالجة أزمة الموازنة
تركز وزارة المالية على تحسين إدارة الدين، وتقليل المخاطر المتعلقة بإعادة التمويل بتطوير سوق الأوراق المالية، بجانب مد آجال أدوات الدين؛ لمساعدة الموازنة في تخفيف عبء توفير السيولة، وتخفيض تكلفة تدبير تمويل الموازنة العامة للدولة.
ووفق الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد، فإن سداد الفوائد وأقساط الديون يُشكل عبئًا على الموازنة العامة للدولة، خاصة مع ارتفاع اسعار الفائدة، وانخفاض قيمة الجنيه، لكن الاقتصاد المصري لم يتخلف يومًا عن السداد.
يضيف فهمي، أن رفع الفائدة يشكل ضغط كبير على المالية، خاصة أن الحكومة هي أكبر مقترض من البنوك التجارية، وبالتالي فإن زيادة أسعار الفائدة على الأذون، والسندات يضغط على عجز الموازنة العامة للدولة.
يري فهمي، أن معالجة عجز الموازنة المستمر، يجب أن يكون عبر بعدين: الأول، طويل الأجل بزيادة الإيرادات، والثاني، قصير الأجل، يتعلق بترشيد النفقات.
خطة تقشفية جديدة لوزارة المالية
من ناحية ترشيد النفقات، كشفت بيانات وزارة المالية الأخيرة عن منحى تقشفي مع إصدار كتابين دوريين، يتضمنان توصيات برفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وترشيد المصروفات، وعدم تجاوز الاعتمادات المالية المقررة، وحظر إنشاء صناديق وحسابات خاصة إلا بقانون.
في بيان لوزارة المالية قبل يومين، تم التأكيد على تقليص الاقتراض الخارجي، بإعطاء الأولوية في التعاقدات الحكومية للمنتجات المصرية، وإن زاد سعرها على نظيرتها الأجنبية في حدود ١٥ ٪.
ويقصد بإجراءات التقشف، تنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تتضمن عادةً تخفيضات في الإنفاق الحكومي؛ لتقليل عجز الميزانية، وتجنّب أزمة الديون.
وسبق أن تبنت الحكومة المصرية إجراءات تقشفية آخرها مارس 2020، حينما قررت إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، في محاولة؛ لاحتواء انعكاسات الأزمة الروسية– الأوكرانية على الاقتصاد المصري حينها.
لكن بعض الدراسات تطالب، بأن يتزامن الإنفاق الحكومي، وتوجيهه إلى المجالات المحفزة للاستثمار، أو النشاطات الإنتاجية؛ لخلق أثر تعويضي، عما يخلفه الإنفاق الحكومي من آثار تضخمية.
رهان على الطروحات لسد الفجوة التمويلية
يقول الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، إن هناك مصادر تمويلية تسهم في توفير العملة الأجنبية، خلال الفترة المقبلة من أهمها برنامج الطروحات الحكومية بالتخارج من 35 شركة في 18 نشاطًا.
يتضمن التخارج، طرح أسهم الشركات في البورصة، أو لمستثمر استراتيجي، وبدأ منذ الربع الأول من عام 2023، ويستمر حتى يونيو 2024.
وفق البيانات الحكومية نجحت الدولة في جمع 5 مليارات دولار، حتى الآن من الطروحات، وتستهدف جمع 5 مليارات أخرى من البرنامج، حتى يونيو 2024.
أوضح غراب، أن الدولة تستهدف الإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات؛ بهدف زيادة الحصيلة والسيولة من العملة الصعبة، وزيادة حجم وتدفق الاستثمارات الأجنبية، إضافة لإعلان الاتحاد الأوروبي لضخ استثمارات بنحو 9 مليارات يورو في السوق المصري، وعودة معدلات ضخ الغاز لمستواه الطبيعي؛ لتسييله في مصر، ثم إعادة تصديره لأوروبا، وأيضا زيادة صادرات الغاز المصري.
يشير أيضًا إلى خطة بيع العقارات بالدولار للأجانب والمصريين بالخارج، إضافة لعودة السياحة، وزيادة نسبة الحجوزات، ومبادرات مبادلة العملة، وبدء تفعيل انضمام مصر رسميا لتجمع بريكس في يناير القادم، والذي يتضمن بدء المعاملات التجارية مع دول التجمع بالعملات المحلية، ما يسهم في تخفيف الضغط على الدولار.