رغم أن القاهرة، أحد الأطراف المتضررة من تراجع حركة السفن في البحر الأحمر، نظرا إلى احتمالات تقليل عوائد قناة السويس، والتي تمثل أحد الموارد الرئيسية للنقد الأجنبي. إلا أن مصر، رفضت الانضمام لعملية “حارس الازدهار” المكونة من 9 دول، بقيادة الولايات المتحدة والهادفة؛ لتأمين حركة السفن بالبحر الأحمر، ضد عمليات الحوثيين التي تستهدف السفن المارة إلى إسرائيل.

يثير هذا الموقف التساؤلات، حول تقيم مصر للموقف، بما في ذلك، حجم الأضرار والمكاسب، التي قد تلحق بالقاهرة، إذ انضمت للعملية، ذلك في ضوء علاقة مصر بالأطراف الإقليمية والدولية.

مكونات التحالف

انضمت للعملية، المملكة المتحدة، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا وهولندا، والنرويج، وسيشيل، وإسبانيا، والبحرين.

أما مهمتها، فتتلخص في القيام بدوريات مشتركة في البحر الأحمر، مع تقديم دعم استخباراتي بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ما يوقف استهداف الحوثيين المستمر للسفن في باب المندب.

الإحجام المصري، جاء رغم أن مصر عضو في قوة العمل المشتركة 153، وتولت قيادتها للمرة الأولى لمدة ستة أشهر العام الماضي، ساهم مرور السفن بقناة السويس بأكثر من 9.4 مليارات دولار في السنة المالية الأخيرة، مع مراهنات بزيادة عائداتها خلال السنة المالية الجارية.

لم تنضم مصر إلى التحالف البحري، كما لم تعلق على هجمات الحوثيين حتى الآن، بسبب قربها من الصراع “الفلسطيني ــ الإسرائيلي”، وحساسية تلك القضية في العالم العربي بشكل عام، فالحوثيون حاليا أكبر القوى المناوشة لتل أبيب بالمنطقة.

حرب غزة تزيد من شعبية الحوثيين عربيًا

فارع المسلمي، أحد المحللين من مركز أبحاث تشاتام هاوس، يتوقع استمرار هجمات الحوثيين في الوقت الحالي، رغم تشكيل التحالف البحري، بعدما وجد الحوثيون في تلك العمليات جذبا للإعلام، واكتسابهم شعبية في العالم العربي.

مثلت الحرب فرصة للحوثيين؛ لمواجهة المشكلات الاقتصادية في المناطق التي يديرونها، خاصة في صنعاء، والتي تحولت لتظاهرات ضخمة في الاحتفالات بذكرى ثورة 26 سبتمبر قبل أشهر.

نمت شعبية الحوثيين مع تصويرهم من البعض كأبطال، كما استفادوا من المشاعر الشعبية، ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، وأيضا التعاطف مع حركة حماس، حيث قامت بدور ملموس، بدلاً من مجرد الاستمرار في ترديد شعار “الموت لإسرائيل”، حيث يقومون بإطلاق صواريخ على إيلات، ويستهدفون السفن المارة إليها.

يقول المسلمي، إن مشاعر الغضب متزايدة في العالم العربي؛ بشأن القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، ودعم واشنطن لإسرائيل، وذلك السبب وراء موقف دول عربية برفض الانضمام للتحالف، باستثناء البحرين.

حسابات متباينة للدول العربية إزاء الحوثيين

للسعوديين حسابات أخرى غير حرب غزة، فإحجامهم مرتبط بالحفاظ على محادثات السلام مع الحوثيين؛ لوقف حربهم الطويلة الأمد على اليمن، وكان يفترض إجراء جولة جديدة منها بواسطةسلطنة عمان، لكن حرب غزة أجلت الأمور.

اكتسبت جهود السلام زخماً في إبريل/ نيسان 2022، عندما قام الحوثيون، وقوات التحالف بتنسيق أول وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد منذ سنوات، مما سمح باستئناف الرحلات الجوية التجارية من صنعاء، وبعض سفن الوقود بالرسو في ميناء  الحديدة. ومدد الطرفان الهدنة عدة مرات.

يخشى السعوديون من مناوشات الحوثيين، واستهداف مستودعات النفط السعودية مرة أخرى، كما فعلوا عام 2019، وكان له تأثير مدمر، فضلاً عن تهديد الخطط التي أنفقت عليها مليارات؛ من أجل وضعها على خريطة السياحة العالمية.

في الشهر الماضي فقط، قال زعيم الحوثيين، إنه تم تجنيد 10 آلاف جندي إضافي، بينما قال وزير إعلامه ضيف الله لشامي، إن أي دولة تنضم إلى التحالف البحري الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ستصبح دولة مهددة.

لدى الإمارات حسابات أخرى، فعدم مشاركتها بالتحالف نابع من عدم الثقة بدوره في ظل سعي أمريكا لعدم الاحتكاك بإيران، فأبو ظبي تريد موقفا أكثر تشدداً، ضد الحوثيين الذين كانت الحرب على غزة لهم بمثابة إعلان انتصار على القوى الأخرى في اليمن، التي لن تستطيع أي منها منافسة مجموعة، تخوض حربا ضد إسرائيل.

جيمس ستافريدي، الأميرال المتقاعد في البحرية الأمريكية، يقول إن الإمارات تدعو إلى عمل عسكري قوي، ضد المتمردين الحوثيين في حين تريد الرياض نهجا أكثر اعتدالاً.

الأمر ذاته، تؤكده ليونورا أرديماني، الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، حيث تقول، إن الإمارات “غير راضية عن الرد الأمني لواشنطن في الشرق الأوسط، والذي اعتبر ضعيفا للغاية في السنوات الأخيرة”.

لكن يجمع بين الدول العربية كلها رغبة في عدم الظهور في موقف، يحمي إسرائيل، فقضية الدولة الفلسطينية، لا تزال بالمرتبة الأولى بين الشعوب العربية في جميع الاستطلاعات، مهما كانت أوضاعهم.

مسار بديل للسياسة المصرية

في خضم الأزمة بالبحر الأحمر، بدأت مصر والأردن تنفيذ أعمال خط التجارة العربي؛ لنقل البضائع بين مصر والأردن والعراق والدول الخليجية برياً، ويمتد من الأردن، مرورا بمينائي طابا ونويبع جنوبا، ثم الاتجاه برا في الاتجاه الشمالي الغربي، حتى محافظة بورسعيد، وأعلنت العراق الانضمام إليه.

ويأتي الطريق الجديد؛ لنقل البضائع عبر السكك الحديدية، بفوائد في مقدمتها؛ تعميق التعاون بين مصر والأردن والعراق؛ فمنذ عام 2019، عقدت الدول الثلاث اجتماعات قمة متعددة؛ لمناقشة الاتفاقيات الثلاثية؛ لإضفاء الطابع الرسمي على التكامل الاقتصادي وتعميقه.

فالطريق البري، يمكنه نقل إمدادات ثابتة من النفط من العراق والأسمدة والمواد الكيميائية الزراعية الأخرى من الأردن، ويمكن لمصر العمل بقوة في مجال مصافي النفط ومشروعات البتروكيماويات، ما يخدم سعيها؛ للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

من شأن المشروع الجديد، أن يصبح ردًا قويًا على مشروع القطار الإسرائيلي السريع؛ لربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر ميناء إيلات، وغيرها من المشروعات التي تم الإعلان عنها للربط بين دول الخليج وإسرائيل بريًا.

مدير عام شركة الجسر العربي للملاحة عدنان العبادلة، قال إن الطريق الجديد يمثل مسارا بديلا للصادرات الأردنية، خاصة الصادرات من المناطق الصناعية والمنتجات الزراعية، كما يعمل على تحييد التجارة عبر المواني الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، والاستفادة من المزايا التي يقدمها الجانب المصري؛ لتقليل تكلفة نقل الصادرات الأردنية، وتسهيل وصولها إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

مقاربات

في تعليقه على تشكيل القوة، قال وزير الخارجية سامح شكري، إن مصر مستمرة بالتنسيق مع “الشركاء”؛ لتوفير حرية الملاحة، وتشترك في مبادئ خاصة بِحُرية الملاحة، وضرورة الحفاظ عليها وحماية البحر الأحمر، والدول المشاطئة للبحر الأحمر، تضطلع بمسؤولية دائمة في إطار تأمينه “.

الخبير العسكري اللواء محمد الشهاوي، مستشار كلية القادة والأركان، يرى أن مصر مشاركة بالفعل في القوة 153، وهناك بعض دول أوروبية، وأخرى من المنطقة مشاركة في نفس القوة، وحارس الازدهار هو تطوير لتلك القوة.

يرى الشهاوي، أن العالم كله له مصلحة في أمن في البحر الأحمر، وحركة الملاحة البحرية به، فهو مسار تجاري بين أوروبا والشرق الأقصى والخليج، والعملة الجديدة هدفها القيام بعمليات دفاعية؛ لإسقاط الطائرات والصواريخ اليمنية.

لكن حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، يقول إن مصر لا تريد زيادة تعقيد تداعيات الحرب في غزة، بعد تشكيل عملية “حارس الازدهار”.

يتساءل هريدي: هل تشكيل هذه القوة يساهم في حل المشكلة أم يزيد تفاقمها؟ وهذا مصدر القلق لدى مصر، متوقعا أن تفضي تلك العملية إلى تعقيد أكبر في الأزمة وتصعيد الوضع.

تواصل مصري إيراني.. التحسب لمتغيرات

شهدت الأيام القليلة الماضية اتصالات متكررة بين القاهرة وطهران، بينها اتصال بين رئيسي البلدين، تناول عودة العلاقات الدبلوماسية، ومنع اتساع دائرة الصراع في المنطقة، وتأكيد البلدين على ضرورة وقف الحرب وإدخال المساعدات، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية.

وبالتأكيد فإذا كانت عملية “حارس الازدهار” هدفها المباشر والمعلن هو التصدي للحوثيين، وبالتالي فإن الهدف غير المباشر يستهدف إيران بحكم الروابط الوثيقة التي تربط الحوثي بطهران. ومن هنا فإن دخول مصر في هذه العملية في ظل المعطيات الراهنة سينظر إليه باعتباره إشارة غير ودية تجاه إيران، لا تنسجم مع محاولات الأخيرة الدؤوبة لتحسين علاقاتها مع القاهرة، وهو ما لا تمانع فيه مصر، خاصة في ظل الأجواء الملبدة بالمنطقة واحتمالات بزوغ أوضاع جيوسياسية جديدة بالمنطقة قد تنذر بما لا يحمد عقباه.