لم تزل نقابة المحامين، تدور في فلك أزماتها الداخلية، والتي باتت تقوض دورها الوطني والقومي، فبعد أن كان لنقابة المحامين دورها البارز في القضايا الوطنية وقضايا العروبة، إلا أنها في سنواتها الأخيرة، انكفأت على نفسها في ظل المزيد من الأزمات الداخلية التي أثرت بشكل كبير، ليس على قيمتها السياسية فقط، بل امتد ذلك الأثر، إلى أن كان له الدور البارز في مسيرة الحق في الدفاع ذاته، حتى باتت نقابة المحامين ككيان نقابي قوي، لا تخرج من أزمة داخلية إلا للدخول في أزمة نقابية داخلية جديدة، وباتت الصراعات هي السمة الأساسية والمميِزة لوضع نقابة المحامين الآن.

منذ فترة ليست بالبعيدة، خرجت أحاديث أعقبها دعوة لعقد جمعية عمومية؛ بغرض زيادة قيمة معاشات المحامين، كما روجت كذلك؛ لمناقشة أو عرض، ما أسمته بمدونة السلوك المهني للمحامين، وهذه المدونة السلوكية، قد صاغها مجلس النقابة العامة ووافق عليها، ويقال كذلك، إن هناك العديد من النقابات الفرعية قد وافقت عليها، ثم أعقب ذلك، أن دعت النقابة العامة لعقد جمعيتها العمومية؛ بغرض التصويت على هذين القرارين، وفي ذات الوقت تعالت الصيحات من جموع مغايرة من المحامين، بأن هذه المدونة لم يتم مناقشتها، أو أن ما بها من نصوص لا يتوافق مع إرادة المحامين، ويتعارض مع رغباتهم وتطلعاتهم، وفي المجمل، أن بها العديد من العيوب التي لا تليق بالمحامين أو بنقابتهم، كما انطلقت سهام النقد إلى مشروع مدونة السلوك المهني، ولم يقف الأمر عن حد الاعتراضات، والمناقشات الفرعية أو الجانبية، بل امتد الأمر إلى إقامة طعنين أمام محكمة القضاء الإداري، حملتا رقمي 18235 و18676 لسنة 78 قضائية، وقد قضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 19 / 12 / 2023، وذلك بغرض وقف تنفيذ قرار دعوة الجمعية العمومية للانعقاد يوم الأربعاء الموافق 20 / 12 / 2023، وقد قضت المحكمة بوقف تنفيذ ذلك القرار، وبالتالي عدم انعقاد الجمعية العمومية.

والجدير بالأمر في ذلك الحكم، ما أثاره من مخالفة دعوة الجمعية العمومية للانعقاد للقانون، وهو الأمر الذي عبرت عنه المحكمة بقولها، أن الجمعية العمومية بإرادتها الحرة التعبير عما أناطه بها القانون من اختصاصات، وبسط رقابتها على مجلس نقابتها، وذلك عن طريق اجتماع دوري للجمعية العمومية للنقابة، يعقد سنويا، ورغبة من المشرع في ضمان انعقاد الجمعية العمومية للنقابة العامة لمباشرة اختصاصاتها المنصوص عليها قانونا؛ لأهميتها، لم يترك ميعاد انعقاد اجتماعها السنوي سدى بلا تحديد، وإنما حدد شهر يونيو من كل عام ميعادا؛ لانعقاد هذا الاجتماع، والذي تشترك فيه جموع المحامين المقبولين أمام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف، والمحاكم الابتدائية، ممن سددوا رسوم الاشتراكات المستحقة على كل منهم حتى آخر السنة السابقة على موعد انعقاد الجمعية، وقبل اجتماعها بشهر على الأقل، أو يكونوا قد أعفوا منها، وأجاز المشرع لمجلس النقابة تأجيل انعقاد الجمعية العمومية إلى ما بعد انتهاء العطلة القضائية.

فهل يعقل، أن يكون أعضاء مجلس النقابة العامة للمحامين بشكل مبدئي ليسوا على دراية بقانون المحاماة، وقواعد انعقاد الجمعية العمومية؟ أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام على أهل القانون، وخاصة نقابته، هذا من ناحية، ومن ناحية مغايرة بمناقشة وعرض أوجه اعتراض المعترضين على مدونة السلوك، وزيادة المعاشات المقررة، أليس كان الأجدر أن يكون ذلك الشأن الداخلي يقتضي المزيد من العرض، والنقاش داخل أروقة النقابات الفرعية، قبل أن يتم صياغتها على ذلك النحو الذي أدى إلى المزيد من الاعتراضات، انصبت على طريقة الصياغة اللغوية، وكذلك على العديد من النقاط الموضوعية للعديد من نصوص المدونة، بخلاف الاعتراضات التي قيلت على زيادة المعاشات من كونها، قد خالفت تقرير الخبير الاكتواري.

فهل يتدنى المستوى النقابي إلى هذه الدرجات الدنيا، وهل يصير الخلاف هو العنوان الرئيسي لنقابة المحامين، بما يفرغها من أهدافها الرئيسية، ودورها الوطني والقومي؟

نحن حيال أزمة، تكاد أن تفتك بالعمل النقابي بأسره؛ لكون يضرب عصب النقابة الأهم في التاريخ النقابي المصري، ويجعل منها داراً؛ للخلافات بين الفصائل المختلفة الساعية؛ للاستحواذ على مقاعد مجلس النقابة أو مقعد النقيب، أم أن ذلك يعبر بشكل واضح عن حال الوضع السياسي المصر بأكمله.

وإن كنت أرى، أن السبب الرئيس في تهاوي دور نقابة المحامين هو استحواذ السلطة على مقعد النقيب بشكل أو بآخر، أو انحياز النقيب للحفاظ على كرسي النقابة أكثر من انحيازه للقضايا الوطنية، أو الحقوقية او النقابية ذات الشأن المهني، فمنذ ما يزيد عن عشرين عامًا، بدأ يقل أو يهفت ذلك الدور في القضايا السياسية والوطنية، ومنذ أن سعت السلطة إلى تقويض ذلك الدور لأهم نقابة شعبية مصرية، وبعد ذلك بدأ دورها حتى في حدود الدفاع عن مصالح المهنة يقل، ويخفت رويدًا رويدًا. كما أن الوضع الآني لنقابة المحامين لا يوحي بالقدرة على استعادة رونقها، وبريقها أو قدرتها الحقيقية في تحسين دور المحامين، والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، فهي لا تسعى في ذلك سعيًا، لا يقف عند حدود معينة؛ لاستعادة دورها القديم على نحو، يسهل إجراءات التقاضي من ناحية على المحامين، وييسر أو يُفعل مفهوم الحق في الدفاع على نحوه الحقيقي، بحسبه الدور الأساسي للمحامين.

فهل من حلول في الأفق؛ لتدارك الأمر داخل نقابة المحامين، أم أنه سيبقى الوضع كما هو قائم صراعات بين أجنحة مختلفة ورؤى متباينة، وتوجهات ما بين مؤيدة ومعارضة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون له أي أثر إيجابي على العمل النقابي بشكل رئيسي، وأيضا أثره البالغ على قيمة نقابة المحامين بشكل أخص، وهو ما يؤثر على مهنة المحاماة بشكل عام، وبالتالي يؤثر على استقلالية النقابة، كما يؤثر على قيمة الحق في الدفاع الذي يمثل ركنا ركينا في العمل القضائي بشكل عام، تلك الحقوق جميعا قد أقرها الدستور، وأكدتها اتفاقيات حقوقية عديدة، لكن كل هذه النصوص لم تمثل حد الكفاية؛ للحفاظ على قيمة نقابة المحامين وتاريخها النضالي الطويل، ودورها الوطني في حياة الوطن.

ومن هنا، فإنني أوجه الدعوة لكافة الأطياف السياسية داخل نقابة المحامين؛ للسعي الدؤوب؛ لتطوير النقابة، وألا يقف أمر التطوير فقط عند حد أعضاء مجلس النقابة العامة أو النقابات الفرعية، بل يجب أن تكون الأمور مشاركة بشكل ديمقراطي مع أعضاء الجمعية العمومية للنقابة، حتى تتم الأمور بشكل تداولي حقيقي، ولا يكون هناك سيطرة ممنهجة على العمل النقابي، حتى ولو كان في صياغة مدونة السلوك المهني؛ لكونها أمر يخص كافة المحامين.