اغتيال القيادي بحركة حماس ونائب رئيس المكتب السياسي المقيم في لبنان، صالح العاروري، بالتزامن مع الاستهدافات الإسرائيلية التي طاولت البنية التحتية العسكرية لإيران في سوريا، وقتلت قيادياً مهماً في صفوف الحرس الثوري، هو رضي موسوي، يكشف عن تموضع جديد في الصراع المحتدم، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي.

وفيما يبدو، فإن الاستهداف الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو استكمال لدائرة الاستهدافات الإسرائيلية لإيران ومناطق نفوذها، السياسي والميداني، سواء ببيروت أو دمشق. وتبعث تلك العمليات برسائل خشنة لطهران ووكلائها، مفادها أن أفق، أو بالأحرى مدى الصراع، يبدو مفتوحا. خطوة إسرائيل الأخيرة التي سعت الولايات المتحدة للتأكيد على عدم علمها بتفاصيلها، تعني، لدى حزب الله، أن قواعد الاشتباك وضوابطه المعمول بها، منذ نهاية حرب تموز/ يوليو 2006، انتهت.

بات الحزب المدعوم من إيران أمام قواعد مغايرة حتماً، ليس فيها هذا الانضباط والحذر بين الطرفين بعد تخلى أحدهما، وهو إسرائيل، عنه.

وثمة إشارة لافتة في اغتيال العاروري، أن استهدافه الذي تم أثناء اجتماعه مع قادة الحركة، بصواريخ ذي رؤوس صغيرة، يؤشر إلى وجود خرق أمني في مناطق نفوذ حزب الله. ونجم عن تحديد توقيت، ومكان اللقاء بدقة نفاذ الصواريخ لأهدافها، من دون تعثر!.

يقع صالح العاروري، في سجل أهداف إسرائيل. وقد هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع من عملية “طوفان الأقصى” باغتياله. وبعدها جاء رد صالح العاروري سريعاً، ورمزياً إلى حد كبير من خلال صورة، التقطت له، بينما كان يرتدي الزي العسكري وعلى طاولة أمامه سلاحه الشخصي. كما سبق وصرح اللواء إيتان دانجوت، الذي تولى موقع السكرتير العسكري لـثلاثة وزراء في الجيش الإسرائيل: “أعتقد أنه الشخصية الأكثر خطراً داخل (حماس) اليوم، وأرى أن دمه مهدور، فهو الشخصية الأكثر تطرفاً، والذي يسعى لقتل أكبر عدد من الإسرائيليين”.

على القوائم الأمريكية

ويمكن ملاحظة، أن الولايات المتحدة التي وضعت العاروري على قوائم الإرهاب، منذ عام 2015، قد صنفت صالح العاروري، بأنه أحد الشخصيات المحورية المنخرطة في الفضاء السياسي الإيراني. وقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير سابق لها، أن صالح العاروري المقيم في لبنان يتحرك “بمنتهى الحرية، وله عمل مشترك مع قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني” والأخير كان قائد فيلق القدس، حتى اغتالته مسيرة أمريكية بمطار بغداد في ذروة الصراع بين طهران، وواشنطن نهاية فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

من هنا، تبرز طبيعة الاستهداف الإسرائيلي الذي يسعى إلى تقويض دوائر الاتصال المؤدية إلى انفتاح حماس على حزب الله وإيران، وضرورة غلق هذه القنوات التي تساهم في تجسير الصلات بين التكتلات السنية، والشيعية في “جبهة مقاومة”؛ لتحتشد ضد إسرائيل.

لماذا العروري؟

وذكرت صحيفة “يو إس أيه توداي” الأمريكية، أن صالح العاروري “كان على صلة قوية تمكنه من المشاركة في اجتماعات مع قيادي في الحرس الثوري الإيراني المسئول عن “فرع فلسطين” سعيد إزادي”. ولمحت الصحيفة الأمريكية إلى تصريح عضو لجنة الشؤون الخارجية، والأمن في الكنيست “البرلمان الإسرائيلي” داني دانون والذي قال، إن “إيران متورطة بشكل كبير في كل ما يحدث في غزة، من التدريب والمعدات والتمويل، وحتى أسلوب القتال”. وقال: “لدينا معرفة بالتعاون بين طهران وبيروت وغزة.. نحن قلقون، من أن التكنولوجيا جاءت من طهران إلى بيروت، ومن ثم غزة”.

عضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الذي سبق، وتولى منصب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، ألمح أيضاً إلى الأهداف الخفية؛ لاستهداف العاروري. وتتمثل في التخلص من الشخصيات التي تتمدد ميدانياً في مناطق نفوذ إيران، وتبدو وكأنها تطوق المنطقة بميلشياتها، ومن خلال دعم هؤلاء. بالتالي، فالمطلوب هو تخفيض تلك المخاطر التي تهدد مصالح الطاقة والأمن لإسرائيل، وتطال شركاءها في الخليج، وبنفس الدرجة أوروبا وواشنطن.

قواسم

قواسم متشابهة، تفرض نفسها في استهداف صالح العاروري ورضي موسوي. كل منهما يشتركان في كونهما ضمن الأهداف الإسرائيلية، وفق ما هو معلن رسمياً على لسان المسئولين بإسرائيل، وفي الصحف الرسمية. أيضاً كل طرف له وزن عسكري استراتيجي مؤثر، وحيوي في أجندة طهران الإقليمية. بالتالي، إسقاط هذه الأوزان بحمولاتها الثقيلة الأمنية والعسكرية والسياسية، وقدراتها المختلفة من قمة “جبهة المقاومة”، وصفوفها يؤدي إلى حالة ارتباك قصوى ومطلوبة، بما يؤثر على تماسكها.

الرغبة الملحة في توتير ساحة “المقاومة”، وتشتيت اصطفافاتها العسكرية، هي إحدى وسائل إسرائيل العنيفة؛ لإنهاء التصعيد في جبهة لبنان؛ لكونها تضغط على مناطقها الشمالية. فيما تشير تقارير داخل إسرائيل، بأن غالبية سكان هذه المناطق تشعر بامتعاض؛ نتيجة وقوعهم في دائرة الخطر، وتخلي الحكومة عن توفير الحماية لهم من القصف. وهناك “آلاف الإسرائيليين قد فروا من أماكن إقامتهم للمنطقة المحاذية لقطاع غزة”، وفق القناة 13 الإسرائيلية. موضحة: “أصبح الآن هناك آلاف اللاجئين في إسرائيل، ليس لديهم شيء، وتساعدهم فقط جمعيات خاصة، وليس الحكومة”. ووصلت نسبة الفرار الإسرائيلي من المناطق الشمالية 50 %، وفق المصدر ذاته.

إيران ثم إيران

وفي حديثه لـ “مصر 360″، يشير الدكتور سامح مهدي الباحث المختص في الشؤون السياسية، إلى أن الهدف الرئيسي من استهداف العاروري في لبنان هو شل “الحراك الإيراني”، وضبط نشاط “وحدة الساحات” الذي تروج له المجموعات الموالية لإيران. ويوضح أن المطلوب خروج أو “تفكك” الميلشيات الإيرانية من المعادلة، وتحديداً حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن.

وتابع: “لم يعد مسموحاً في إسرائيل، كما بالولايات المتحدة، أن تطوق إيران المنطقة بهذا الحد، فتبدو الطرق والممرات بين العواصم العربية الثلاث كـ “هلال شيعي”، وامتداد لـ “الولي الفقيه” في بيروت، وبغداد ودمشق آمنة من الناحية اللوجستية. وتنتقل بينهم المسيرات الإيرانية وغيرها الأسلحة، بل ويجري تصنيع وتركيب بعضها ومنها الطائرات من دون طيار، بعدما تصل عبر طائرات مدنية في هيئة قطع. وتتطور الأمور راهناً لغرفة مشتركة، تدير عمليات السابع من أكتوبر بجنوب لبنان، وأخيراً عسكرة البحر الأحمر، وتهديد الملاحة الدولية والسفن النفطية التي اضطرت مؤخراً؛ البحث عن طرق أخرى بعيدة، وتكبدها خسائر هائلة”.

في المحصلة، الرسالة واضحة، هي أن “حزب الله إما يقبل بالاتفاق والتفاوض، وإما ستخسر إيران تباعاً، ما راكمته من نفوذ خلال العقد الماضي”.

مخاوف إسرائيلية

ووفق مسئولين إسرائيليين، فإن العاروري كان هدفا لإسرائيل لسنوات. لكنها ترددت في محاولة قتله في إسطنبول، ولاحقا في بيروت، حتى لا تتضرر العلاقات مع تركيا، وتتجنب استفزاز حزب الله، وفق موقع أكسيوس الأمريكي. الأمر الذي اختلف بعد عملية “طوفان الأقصى”. وقال مسئولون إسرائيليون للموقع الأمريكي، إنهم يشعرون بالقلق، من أن حزب الله سيصعد هجماته، ضد إسرائيل ويطلق صواريخ طويلة المدى موجهة بدقة، بما في ذلك على المدن الكبرى مثل، حيفا وتل أبيب. إذ يمكن أن يؤدي مثل هذا الهجوم إلى رد فعل أقوى بكثير من جانب إسرائيل، ما قد يفضي بدوره إلى أن يتدهور الموقف بسرعة إلى حرب إقليمية.

قبل استهداف العاروري، كان من المقرر أن يسافر مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن عاموس هوشستين إلى إسرائيل في وقت لاحق من هذا الأسبوع؛ لإجراء محادثات حول حل دبلوماسي، يمكن أن يقلل التوترات على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. لكن يبدو هذا الأمر سيعلق مؤقتاً. وتابع الموقع الأمريكي: “ومما لا شك فيه، أن مقتل العاروري سيجعل مثل هذه المبادرة- أو أي مفاوضات، تتعلق بحرب غزة- أكثر صعوبة. وتدرس إسرائيل منذ أسابيع القيام بعملية واسعة النطاق في لبنان؛ بهدف إقامة “منطقة أمنية” جنوب نهر الليطاني. ومع ذلك، فإن هذه الخطة تشكل مخاطر كبيرة على إسرائيل، نظراً لقدرات حزب الله الهائلة، وإحجام واشنطن عن دعم مثل هذا المشروع العسكري”.

ويقول الباحث المصري المختص في الشؤون السياسية وفلسفة التاريخ، الدكتور سامح محمد إسماعيل، إنه من غير المتوقع، أن يرد حزب الله بشكل “يقلب الأمور لدرجة حرب مباشرة، يصطدم فيها الطرفان، وبما يؤدي إلى تنفيذ إسرائيل خططها بشن حرب برية في لبنان، وتصل لبيروت”. هذا ما لا تتحمله الأوضاع الإقليمية، فضلا عن إشارة من أطراف أوروبية مثل، فرنسا وكذا الولايات المتحدة، تحذر وتضغط، بأنها لا تدعم مثل هذا التصعيد.

الحسابات وتفلت الأعصاب

ويعطي إسماعيل لـ “مصر 360” أمثلة على فداحة خسائر الطرف الإيراني لممثليه المباشرين وغير المباشرين، من دون أن يترتب على ذلك أي تصعيد غير مدروس، وأبرزها رضي موسوي قبل أيام وجيزة، ناهيك عن قاسم سليماني،  وآخرين. إلا أن إسماعيل في ذات الوقت يلاحظ أن قرار الدخول لحرب له حسابات استراتيجية، وكلفة، تتجاوز منطق “تفلت الأعصاب”.