ارتباطا بوثيقة ملكية الدولة، وفي ظل سعي؛ لجمع حصيلة دولارية، أعلنت الحكومة عزمها طرح إدارة، وتشغيل المطارات أمام القطاع الخاص، دون نقل ملكية أو بيع حصص بها، باعتبارها “بنية تحتية حساسة”.

تعتبر هذه الخطوة، غير المسبوقة محل معارضة شديدة، محليا ضمن ملف الطروحات الحكومية، يرجع ذلك، لما تشكله المطارات والمواني من ممتلكات بالغة الأهمية، تتجاوز قيمتها الاقتصادية، بجانب ذلك، فإن إدارة المطارات والتي تبلغ 27 مطارا، تعتبر صيدا ثمينا، بما تمتلكه المطارات المصرية من طاقة استيعابية تبلغ 30 مليون شخص سنويا.

ليست الآراء المعارضة لخصخصة المطارات محلية وحسب، بل أن هناك جهات دولية تتحفظ على خطوة الخصخصة، وتطالب بتغليب المصالح الاقتصادية على المدى البعيد.

تشير الرابطة الدولية للنقل الجوي، إلى أن خصخصة المطارات قد تأتي بآثار اقتصادية سلبية، وهناك منظمات أخرى، ترى احتمالية إساءة استغلال الشركات الخاصة لسلطتها حال الخصخصة، وبين ذلك رفع الرسوم، وعدم قدرة الحكومات على التدخل والرقابة.

مبررات حكومية

خلال مائدة مستديرة، جمعته مع ممثلي 20 شركة عالمية على هامش فعاليات “المعرض والمؤتمر الدولي للنقل الذكي”، قال مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إن القطاع الخاص هو الأجدر بإدارة وتشغيل المشروعات والمرافق المختلفة، سواء المواني البحرية، أوالمواني الجافة.

بحسب بعض الخبراء، فإن الخطوة الجديدة هدفها الحد من الأعباء المالية التي تتحملها الموازنة العامة للدولة، والقضاء على الروتين في تقديم الخدمات، وتحقيق معدلات أعلى للنمو الاقتصادي في الدولة، والاستغلال الأمثل للمؤسسات التابعة للقطاع العام التي لا تعود بالربح على الدولة.

تقول الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس، إنه منذ إعلان وثيقة ملكية الدولة، اتضح أن الحكومة ترى، أن القطاع الخاص لديه القدرة الأكبر على الإدارة، ما ينعكس على تخفيض النفقات وتعزيز الإيرادات.

تعني “خصخصة الإدارة” نقل إدارة المؤسسات التابعة للقطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، مع إبقاء ملكية هذه المؤسسات للقطاع الحكومي، ويمكن أن يكون قصير الأجل، أو طويل الأجل.

لكن لم يتضح بعد طبيعة العقود التي ستوقعها الحكومة، لكن الأرجح أن تتضمن عقود التأجير التي تسمح للقطاع الخاص بالإدارة لفترة زمنية محددة، مقابل مبالغ يتم تحديدها من قبل الدولة، وهو الأقرب في ظل الرغبة الحكومية بتوليد إيرادات مع إبقاء السيطرة على الأصل.

ويبلغ عدد المطارات المصرية 27 مطاراً دولياً، ومحلياً منهم مطاران بنظام الشراكة مع القطاع الخاص الـB.O.T  هما: مرسى علم، ومطار العلمين، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمطارات المصرية حوالي 30 مليون راكب سنويًا.

لكن رمسيس ترجح أن يكون لكل عقد طبيعته الخاصة وفقًا لحجم المطار المطروح، ومعدل التشغيل، وفيما يتعلق بتوزع العوائد، مثلما حدث في قطاع المواني حيث تم طرح بعض المواني بنظام حق الانتفاع بشروط مختلفة.

 رهان على القطاع الخاص

تضيف رمسيس، أن الدولة تسعى؛ لأن تزيح عن كاهلها بعض الخدمات، وتقديمها بشمل أفضل، خاصة قطاع المطارات، الذي شهد منافسة كبيرة من قبل الدول العربية التي أصبحت تتصدر قوائم الأفضل على مستوى المطارات، وشركات الطيران عالميا حاليًا.

خرجت “الشركة القابضة لمصر للطيران” من قائمة أفضل 100 شركة طيران حول العالم، بعدما كانت تحتل المركز 95 في تصنيف شركة “سكاي تراكس” البريطانية لشركات الطيران التجارية حول العالم لعام 2023، رغم أنها شركة الطيران الأولى في الشرق الأوسط وإفريقيا والسابعة على مستوى العالم، وتمتد خطوطها إلى 52 دولة بجانب 13 خطاً داخليًا.

وفق تصريحات وزير الطيران محمد عباس حلمي، بلغت خسائر شركة “مصر للطيران” 30 مليار جنيه حتى 30 يونيو/ حزيران 2022، وبرر الوزير الخسائر بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، منذ تحرير سعر الصرف في 2016، وما ترتب عليه من زيادة أسعار وقود الطائرات، ضمن مصاريف التشغيل.

مخاطر خصخصة المطارات

رغم مرور 30 عامًا على بدء أول تجربة لخصخصة المطارات بالعالم في مطار “هيثرو” بلندن، وخصخصة 14% من مطارات العالم، تزايدت الانتقادات للخصخصة من قبل جميع الجهات المسئولة عن الطيران، وحركة السفر عالميًا، خاصة فيما يتعلق بمصالح المسافرين.

من جانبها، دعت الرابطة الدولية للنقل الجوي “إياتا” الحكومات؛ لتغليب المصالح الاقتصادية والاجتماعية على المدى البعيد، وعدم السعي وراء المكاسب المادية التي تتحقق على المدى القصير، التي يتم تحقيقها خلال عملية خصخصة غير مخطط لها بإحكام.

وتقول رمسيس، إن الحكومة تعي طبيعة قطاع المطارات، ولذلك فضلت عدم البيع والاكتفاء بخصخصة الإدارة، مرجحة أن تكون العروض بالدولار الأمريكي؛ من أجل تعزيز الاحتياطي النقدي، فضلاً عن التعاون مع جهات لها رصيد قوي، وسمعة عالمية طيبة، بما ينعكس على كفاءة المطارات المصرية.

وقبل خمس سنوات، قال رئيس الرابطة ألكسندر دو جونياك: “الاعتقاد بأن القطاع الخاص بيده جميع الحلول خطأ، فالمطارات بنية تحتية حساسة جدًا، وعلى الحكومات، تبني خططًا استراتيجية تحقق قدرًا أكبر من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية”.

يضيف دو جونياك، إن بيع المطارات؛ من أجل ضخ أموال على المدى القصير في خزينة الدولة، يعد خطأ كبيراً؛ فأبحاث “إياتا” تثبت أن المطارات التابعة للقطاع الخاص أكثر غلاءً، رغم أن التنافس القوي يفترض أن يخلق تراجعًا بالأسعار”.

رقابة الدولة ضرورية

شددت العديد من مؤتمرات منظمة الطيران المدني الدولي “إيكوا” أيضًا، على ضرورة حضور دور الدولة كرقيب في حالة منح القطاع الخاص إدارة المطارات أو بيعها له، لضمان عدم قيام أحد مقدمي الخدمات بإساءة استغلال سلطته، وضمان عدم التمييز، والشفافية في تطبيق الرسوم.

ويجب أن تقوم أيضًا بالتدخلات التنظيمية عند أدنى حد لها وحسب الطلب؛ من أجل تحقيق التوازن في المنافسة والتكاليف، والتأكد من أن الطاقة الاستيعابية للمطارات تلبي الطلب مستقبلاً، وحماية المصالح العامة بحد أدنى من التكلفة التنظيمية.

عبد الرحمن السلمان، مدير عام التميز المؤسسي في الهيئة العامة للطيران المدني السعودي، يقول إن المعارضين لخصخصة المطارات يخشون مخاطر الإساءة الاحتكارية، وتكديس المسافرين لتعظيم الإيرادات، ما يؤدي إلى تدهور نوعية الخدمة. وزيادات غير معقولة في رسوم مستخدمي المطار.

كما يخشى المعارضون أيضًا، مخاطر مرتبطة بفقدان سيطرة الحكومة على المطارات، فقد يتم تخفيف معايير الأمن السلامة، والتنويع في الأنشطة التجارية بعيداً عن الأعمال الأساسية للمطار، وهذا قد يفقدها مرونتها، وسرعة الاستجابة للمتغيرات في النشاط الأساسي.

لكن من ناحية أخرى، وحسب مؤيدين لعمليات الخصخصة، فإنها تتيح مزايا من بينها، إيجاد التمويل الكافي؛ لتطوير المطارات، وتخفيف العبء على الميزانية، وجلب استثمارات وخبرات أجنبية، وخلق فرص جديدة للعمل، وتنويع مصادر الدخل في ظل المشاكل المالية التي تواجهها الدول في تطوير المطارات مع استمرار تزايد الطلب على النقل الجوي.

وتوصي المنظمة الدولية للطيران المدني بعدة توصيات؛ لنجاح التعامل الحكومي حال خصخصة إدارتها، منها، التعزيز المؤسسي لسلطة الطيران، وأن يتم تحديد الرسوم بطريقة، يتحمل فيها المستخدمون في نهاية المطاف حصتهم الكاملة، والعادلة من تكلفة استخدام المطار، وتطبيق نظام لإدارة الأداء؛ لمراقبة الكفاءة الاقتصادية والفعالية التشغيلية.