في استطلاع للرأي، هو الأول من نوعه منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، في السابع من أكتوبر الماضي، أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ظهرت متغيرات في اتجاهات الرأي العام العربي،  ولكنها جميعا مجرد متغيرات في الدرجة والكم، لتظل تدور في إطار الثوابت التي تشكل الرأي العام العربي منذ عقود مديدة، وفي الصدارة “الثابت التاريخي” لدى  الجمهور العربي من موريتانيا وحتى الخليج العربي: “فلسطين قضيتنا”.

الاستطلاع المعنون “اتجاهات الرأي العام العربي نحو الحرب الإسرائيلية على غزة”، نُفّذ ميدانيًا في الفترة 12 ديسمبر 2023- 5 يناير 2024 في 16 مجتمعًا عربيًا، هي: موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان واليمن وعُمان وقطر والكويت والسعودية والعراق والأردن ولبنان والضفة الغربية، وهي المجتمعات التي تمثل 95% من سكان المنطقة العربية، ومن كل دولة أو مجتمع، بلغت عينة من استطلعت آراؤهم 500 شخص؛ ليبلغ إجمالي عينة استطلاع الرأي 8000 مواطن عربي.

الاستطلاع يضيء على متغيرات، حدثت وتحدث في اتجاهات الرأي العام العربي، ويكمل “الصورة الكبرى” حال وضعه، مقارنة، وتناغماً مع استطلاعات أخرى قليلة، تم تنفيذها خلال أشهر العدوان على قطاع غزة.

النتيجة الأهم للاستطلاع، كانت الإجماعات الثلاثة، اعتبار أن قضية فلسطين هي قضية كل العرب، أن الحرب تمسهم شخصياً، والتضامن مع الشعب الفلسطيني.

نقطة أخرى جديرة بالأخذ في الاعتبار، هي تنامي نسبة الرافضين لشيطنة حركة المقاومة الاسلامية “حماس” من خلال تشبيهها بداعش، وهو ما يذكرنا باستطلاع سابق نشرته “مصر 360”، وجاءت نتائجه؛ لتؤكد تنامي الثقة بحماس سياسيا ووطنياً، وكذا في مشروعية هجوم السابع من أكتوبر، والتأكيد أن أسبابه انتهاك المقدسات، واستمرار حصار القطاع.

كيف تمسنا الحرب؟

في استطلاع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قال: 97% من أفراد العينة، إنهم يشعرون بضغط نفسي؛ نتيجة الحرب على غزة، كونها تمسهم مباشرة، وقال 84% منهم، إنهم يشعرون بـ “ضغط شديد”.

في دلالة واضحة، لكيف تمس الحرب كل عربي، بشكل شخصي، وليس كمتفرج أو مراقب محايد، أو حتى متعاطف.

متضامنون.. متضامنون

إجماع آخر على التضامن مع ما بات يعرف في الأدبيات السياسية العربية بـ”قضية العرب المركزية” التي كاد، أو اعتقد البعض، أن الالتفاف حولها كادت تطويه شحوب الهموم القومية وأفولها، واتفاقيات التطبيع المنسوب لإبراهام، حيث توافق 92% من المستطلعين على التضامن مع شعب فلسطين أغلبيتهم 69%، متضامنون مع فلسطين وحماس، و23% متضامنون مع فلسطين، مختلفون مع حماس، أما من قالوا، إنهم ليسوا متضامنين مع فلسطين، فنسبة شديدة الضآلة: 1% فقط.

قضية كل العرب.. إجماع

ربما هي ليست مفاجأة، أن يجمع المستطلعون، على أن فلسطين هي قضية كل العرب، كما أجمعوا على التضامن مع شعبها، وكونها تمسهم شخصياً، وربما هي مفاجأة كبرى، لمن راهن على إبعاد الرأي العام في بلده عن مركزية القضية لصالح هوية مغايرة، يحاول خلقها وترسيخها.

أجمع 92% من المشاركين في الاستطلاع، على أن فلسطين قضية كل العرب، في قفزة لافتة عن النسبة في العام قبل الماضي 2022، والتي كانت 76%، وكانت في أدنى أوقاتها 75% عام 2016.

حماس.. حركة مقاومة وليست داعش

رفض 67% من المستطلعين مقولة: “حماس مثل داعش” التي روجت لها إسرائيل وأمريكا في محاولة يائسة؛ لاستقطاب الزخم العالمي الرافض للإرهاب، وتراوحت نسب من يرون خلافاً كبيرا، أو جزئيا بينهما بين 15%، يرون الفارق كبيرا و5%، يرونه محدودا، بينما قال: 3% فقط، إن حماس تشبه داعش.

هذا عن حماس، أما عن عمليتها التاريخية “طوفان الأقصى” فقال: 67%، إنها مشروعة، باعتبارها جزءا من كفاح الشعب الفلسطيني، بينما وصفها 5% فقط، بأنها غير مشروعة، وقال: 19%، أنها مشروعة، لكن شابها بعض الأخطاء، وقال: 5% مشروعة شابها أعمال مدانة.

ورفض المستطلعون مزاعم وقوف جهات خارجية، وراء تنفيذ حماس لعمليتها، واعتبر 35% منهم، أن السبب الأهم للعملية هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في حين عزاها 24% إلى الدفاع عن المسجد الأقصى، ورأى 8%، أنها نتيجة لاستمرار حصار قطاع غزة.

كيف يرى العرب مواقف الغرب والشرق؟

احتل البحث عن رؤية العرب للموقف الأمريكي والغربي والعالمي، إجمالا في أكثر من تجل له،  مساحة من استطلاع الرأي محل القراءة، فوصف 94% من المشاركين الموقف الأمريكي، بأنه “سيئ وسيئ  جدا”، وتوافق 79% و78% و75% على التوالي، على أن مواقف كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا على التوالي، سلبية.

بالنسبة لقوى الإقليم، تركيا وإيران وقوى الشرق، روسيا والصين، جاء موقف المستطلعين متأرجحاً، وربما منقسما، حيث انقسم الرأي العام العربي، بخصوص مواقف إيران وتركيا وروسيا والصين، بين من رآها إيجابية (48%، 47%، 41%، 40%، على التوالي)، ومن عدَّها سلبية (37%، 40%، 42%، 38%) على التوالي.

أمريكا.. نظرة سلبية ومصداقية مفقودة

تبقى أمريكا المتضرر الأكبر من سلوكها تجاه الأحداث، حيث فقدت، وإعلامها، الكثير من مصداقيتها لدى الرأي العام العربي.

قال 76%، إن نظرتهم إلى الولايات المتحدة أصبحت أكثر سلبية، نتاج مواقفها من الحرب، واعتبر 81% من المستجيبين، أنها غير جادة في العمل على “حل الدولتين” الذي طالما بشرت به.

وتَوافق نحو 77% من الرأي العام العربي، على أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما الأكثر تهديدًا لأمن المنطقة واستقرارها؛ فرأى 51%، أن الولايات المتحدة الأكثر تهديدًا، ورأى 26%، أن إسرائيل تشكل التهديد الأكبر. أما عن تغطية الإعلام الأمريكي لمجريات الحرب، فقد أفاد 82% من المستجيبين، أنه منحاز إلى إسرائيل في حين عدّه 7% فقط محايدًا.

 

التطبيع.. رهان فاشل

يبقى خيار التطبيع، سؤالا، ومحكا ومتغيرا جديرا بالدراسة، حيث ارتفعت نسبة الذين يرفضون الاعتراف بإسرائيل من 84% في استطلاع 2022، إلى 89% في هذا الاستطلاع. علماً أن نسبة الذين يعارضون الاعتراف بإسرائيل في الرأي العام السعودي، ارتفعت من 38% في 2022، إلى 68%، وكذلك الأمر في السودان من 72% في 2022، إلى 81%، وفي المغرب من 67% في 2022، إلى 78%.