غداة استهداف نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في الضاحية الجنوبية لبيروت مع آخرين، وقبلها استهداف قيادي بالحرس الثوري في دمشق، بدا أن ملف الاغتيالات الإسرائيلية قد دخل حيز التنفيذ. فإشارة رئيس الموساد بعد اغتيال العاورري إلى تعقب قادة حماس، وكل من هو مرتبط بهجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، على نفس طريقة الانتقام من هجمات ميونيخ في السبعينات، كانت مقصودة ولافتة. وهي الهجمات التي نفذها أعضاء بمنظمة التحرير الفلسطينية، ضد إسرائيليين في دورة الألعاب الأولمبية.
وبغض النظر عن عملية اغتيال القيادي الفلسطيني بمناطق نفوذ حزب الله، وقبل أيام استهداف قياديين بتنظيم آخر مدعوم من إيران في العراق، بعد وصولهما من سوريا ضمن مهام عسكرية ولوجيستية، تتعلق بـ “الاستراتيجية الدفاعية” لقوى ما يعرف بـ “محور المقاومة”؛ لمواجهة التصعيد الإسرائيلي، والأخيرة نفذتها المسيرات الأمريكية بعد استهداف قواعدها في العراق، فإن عملية اغتيال القيادي بالحرس الثوري الإيراني، رضي موسوي، في منطقة السيدة زينب بريف دمشق، والتي تخضع لنفوذ الميلشيات التابعة لـ “فيلق القدس”، لا تعدو كونها أمراً عادياً أو سهلاً.
أهمية موسوي
موسوي، الذي يتواجد في العاصمة السورية، منذ عقد تقريباً، في أحد أهم مناطق النفوذ العسكري والميداني لإيران بسوريا، يفاقم مقتله بصواريخ إسرائيلية من التوترات القائمة في ظل الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة. بل ويضاعف أثرها على طهران. وقد كشفت ردود الفعل الإيرانية المباشرة إثر الحادث حجم الارتباك الرسمي، والذي عبر عنه الناطق بلسان الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، في تصريحات تراجع عنها لاحقاً. فقال شريف، إن “طوفان الأقصى” كان جزءًا من “الانتقام لدم قاسم سليماني”.
فيما نقل موقع “سباه نيوز”، عن الناطق بلسان الحرس الثوري الإيراني: “كما ذكر قادة حماس، فإن إهانة المسجد الأقصى، وقتل الشعب الفلسطيني المظلوم والأعزل.. هي من أسباب ودوافع العملية الفلسطينية بالكامل، طوفان الأقصى”. وتابع: “لا شك أن جزءًا من النصر التاريخي الكبير لطوفان الأقصى يعود إلى جهود، ومساعي الشهيد قاسم سليماني، الأمر الذي يضع إنجازات العملية ضمن عمليات انتقام المقاومة لاغتيال شهيد القدس”.
هذه التصريحات، التي تم التراجع عنها، تؤشر إلى تداعيات، وأثر هذه الضربة على طهران في توقيت، لا يحتمل تصعيداً بهذا الحجم. فتجاهل تماماً القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، الإشارات التي ألمح لها الناطق بلسانه، وقال: “لم ننتقم بعد” لمقتل قاسم سليماني. وأضاف كما هي العادة في الحوادث المماثلة: “سنفعل ذلك في الوقت والمكان المناسبين”.
فبالتزامن مع تصعيد الحوثي في اليمن وعسكرة ممرات الملاحة الدولية، وكذا استهداف السفن النفطية، تبعث إسرائيل برسالة خشنة لطهران؛ لإعادة ضبط قواعد الصراع بينهما، حتى لا تتجاوز الدرجات المحتملة، أو بما يؤدي إلى تفلت يلامس الأسقف والضوابط المعهودة بين الطرفين، بينما تقف القوى كافة على أطرافها في مشهد إقليمي معقد.
ويقول الباحث المختص بالشأن الإيراني، محمود حمدي أبو القاسم، إن هذه الضربة كانت موجعة لطهران. فالاستهداف طاول شخصاً “وزنه العسكري مؤثر في استراتيجيتها الإقليمية، حتى لو كان، ربما، ليس بمكانة قاسم سليماني. لكن بعد أن وزعت إيران المهام التي كان يقوم بها على عدد من الأشخاص، ورضي موسوي أحدهم، فقدت عنصراً، سيجعل المعادلات، الميدانية والعسكرية والإقليمية، تتغير”.
عملية مختلفة
فالعملية الأخيرة، تختلف عن العمليات التي تنفذها إسرائيل في سوريا، وتستهدف من خلالها مواقع النفوذ الأمني لإيران، وتضرب بنيتها العسكرية ومستودعات الأسلحة والمسيرات. يشير حمدي أبو القاسم لـ “مصر 360” إلى أن “العملية الأخيرة تشي، بأن الصراع بين إيران وإسرائيل يتسع نطاقه، وأصبح يمتد إلى كافة أرجاء المنطقة، بل خرج عنها، بعد إتهام إيران باستهداف سفينة إيرانية قرب حدود الهند”.
من ثم، يبدو مرجحاً أن تتزايد مثل هذه “الاغتيالات الاسرائيلية” لقادة، وأذرع فيلق القدس بالحرس الثوري، لا سيما الذين لهم دور على خط المواجهة بين الجانبين، وفق الباحث المختص بالشأن الإيراني.
ويردف: “إسرائيل، ربما، لن تتردد في أن تكون الساحة الإيرانية ذاتها هدفاً للهجمات غير المباشرة والعمليات الاستخباراتية، فإسرائيل تواجه حرباً وجودية، وتعاني من مأزق استراتيجي، لم تمر به من قبل، وقياداتها في درجة عالية من الانفعال؛ جراء تنامي قدرات فصائل “المقاومة” على كافة الجبهات. ولولا التدخل الأمريكي لكان هناك حديث آخر. وإيران هي المتهم الرئيسي في هذا الخطر الذي تواجهه إسرائيل”.
وفيما يخص تهديد إسرائيل بقصف مقرات بشار الأسد، يقول حمدي أبو القاسم: “هذا أمر غير وارد. فبشار ليس خطراً على إسرائيل، بل وجوده يخدم تطلعاتها الاستراتيجية وهيمنتها الإقليمية. فبديل “الأسد” جبهة مقاومة سنية، لن تطيقها إسرائيل. نظام البعث السوري الطائفي حاجز استراتيجي، يحمي إسرائيل من هذه الجهة. بل إن غرض إسرائيل في النهاية هو ردع إيران في جبهة سوريا، حتى لا تكون مصدر تهديد. وقد نجحت من خلال هذه العمليات، وغيرها من الضربات خلال السنوات الأخيرة في خلق توازن ردع”.
الخسائر، التي تتحملها إيران في هذه الجبهة، سوف تضطرها إلى عدم الذهاب في رد فعل، يفقدها “حلقة وصل مهمة، تربط طهران ببغداد بدمشق وصولاً إلى بيروت، وجنوب لبنان”. يقول حمدي أبو القاسم.
يتفق والرأي ذاته المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، الذي يرى أنه ليس من الواضح كيف ستكون طبيعة الرد الإيراني، أو متى سيكون. فيما يضع المعهد المختص بالشأن الإيراني احتمالين: أحدهما مستبعد، وهو “فتح مزيد من الجبهات”، وذلك “للحفاظ على المكتسبات، التي راكمتها طهران خلال 13 عاماً في داخل الجغرافيا السورية”.
فموسوي كان يؤدي مهاماً حيوية واستراتيجية في سوريا، بينما تتضاعف أهمية هذه الأدوار الجيو استراتيجية في ظل الحرب بين حركة حماس وإسرائيل. في حين تتخوف الأخيرة، أن تتخطى حدود الصراع أبعد من غزة. إذ تتزايد مع ذلك التهديدات على حدودها في ظل وجود النفوذ الإيراني بالطرف الشمالي، وامتدادات هذه الجبهة، وعلى قمتها حزب الله مع الميلشيات التابعة لـ “فيلق القدس” بسوريا والعراق.
كما أن رضي موسوي “قائداً مهماً في الوحدة 2250، والتي تم تأسيسها كمجموعة فرعية من الوحدة 2000، بهدف تلقي المعدات والأسلحة والأفراد القادمين من إيران عبر سوريا إلى لبنان”. بالتالي، من المرجح أن يكون الرد عبر “أذرع إيران ووكلائها؛ لاستهداف المصالح الإسرائيلية بالإقليم”. فتكون عملية نطاقها محسوب ومحدود، وذلك بـ “استهداف المصالح الإسرائيلية بعيداً عن إسرائيل نفسها. وستنحصر بين مسارات تقليدية تتعلق بالتصعيد العسكري والأمني أو السيبراني”، منها “تنفيذ اختراقات للمجال الجوي جنوب سوريا بمنطقة الجولان، أو استهداف سفن مملوكة لإسرائيل بمياه الخليج وبحر العرب”.
وفي حديثه لـ “مصر 360” يقول الباحث الأردني المختص بالشأن الإيراني، الدكتور محمد الزغول، إن رضي موسوي يتواجد في سوريا، منذ عام 2011 على الأقل. وكان موسوي مساعداً للجنرال حسين همداني الذي تولى قيادة قوة “فيلق القدس” في سوريا.
بعد مقتل همداني عام 2015، أصبح موسوي “الرجل الأول” بفيلق القدس في سوريا، وتولى مسؤولية دعم جبهة المقاومة في سوريا. وقد أشرف على عمليات دعم حزب الله اللبناني بالعتاد والسلاح. كما أشرف على “توفير الدعم المالي” للميلشيات في سوريا، ولبنان.
حروب الوكالة
ومن المرجح، أن الهجوم لن يؤدي إلى رد مباشر إيراني على الجانب الإسرائيلي، وفق الزغول. إذ يسود اعتقاد في طهران، بأن قيادة إسرائيل أقدمت متعمدة على هذا الاغتيال؛ لاستدراج رد مباشر من إيران، وتوريطها في صراع، ليس مع إسرائيل وحدها، بل مع القوات الأمريكية والغربية المنتشرة في المنطقة.
وقال الدبلوماسي الإيراني قاسمي قمي: “إن هدف العدو الصهيوني من اغتيال السيد رضي، هو إقحام إيران في مواجهة مباشرة”. ولذلك، فإن الرد الإيراني المحتمل، سيكون غالباً باتباع نفس أسلوب “حروب الوكالة”. لكن بشكل أكثر تركيزاً على تحقيق خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين.
تتبع طهران، منذ أسابيع استراتيجية لتفعيل “حصار بحري” ضد إسرائيل، كما يوضح الباحث الأردني المختص بالشأن الإيراني. وذلك عبر توظيف قدرات الميلشيات الحوثية وآخرين. وقد نفذ الحوثيون عدة هجمات بحرية وعمليات اختطاف سفن، بينما أعلنت قوى ولائية أخرى بالعراق عن استهداف حقل غاز إسرائيلي في البحر المتوسط بطائرة مسيرة. وتجنبت إيران، ووكلاؤها في كل تلك الهجمات إيقاع أية خسائر بشرية؛ للحفاظ على مستوى “منخفض من التصعيد”. ومن المرجح أن إيران ستعمل على تشديد هذه الاستراتيجية بعد الهجوم الإسرائيلي، وقد يأتي الرد الإيراني غالبا في هذا السياق، لكن مع “خسائر بشرية” هذه المرة.