مع إعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة وأخيرة، كما ينص الدستور، ومع بدء عام ميلادي جديد، ومع استمرار الحديث عن الجمهورية الجديدة، توالت الكتابات التي تتوقع، أو تبشر أو تقترح تغييرات واسعة في مجمل سياسات الفترة الرئاسية الجديدة، خاصة في المجالين الاقتصادي والسياسي.

حول مستقبل الاقتصاد المصري، وعلى خلفية أزماته المتراكمة قال الدكتور زياد بهاء الدين، في مقال بصحيفة المصري اليوم، إن الحلول معروفة، وطرحت كثيرا، ولاينقص سوى القرار التنفيذي بتطبيقها، في حين قدم الدكتور أحمد جلال، في الصحيفة نفسها مقترحات محددة؛ لتنمية اقتصادية واعدة وشاملة وعادلة، أبرزها التنمية بالسياسات، و الكف عن محاولات التنمية بالمشروعات، أما الدكتور محمود محيي الدين، فقد تحدث  في محاضرة عامة عن أهمية الاعتراف بوجود الأزمة، وسوء معالجتها كشرط للنجاح، واستشهد بالحالة اليونانية، قائلا إن اقتصاد اليونان حاليا يعتبر أفضل من الاقتصاد البريطاني، وأن أساس هذا النجاح- بعد أزمة المديونية التي هددت الدولة اليونانية بالإفلاس رسميا- هو الاعتراف بالأزمة، وبالأخطاء التي أدت إليها، والجدية في معالجتها.

مفهوم بالطبع، أن تلك الشخصيات الثلاث، ليست فقط لخبراء ومفكرين اقتصاديين مصريين على أفضل المواصفات العالمية، ولكنهم جميعا شغلوا في أحقاب مختلفة أعلى المناصب الاقتصادية الحكومية في مصر.

وفي مجال حياتنا السياسية، لم اطلع على محاولة لاستشراف آفاق الحياة السياسية في الجمهورية الجديدة، سوى للدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني (سابقا)، ومؤسس حزب الاتحاد الحالي، والزميل عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، وزميلي في مجلس أمناء الحوار الوطني.

الدكتور بدراوي، يفترض أن النظام الحالي سوف يستلهم خبرة  الفشل المتكرر في الماضي، في عهود نظام يوليو المتعاقبة ، فيفتح الباب لمشاركة سياسية جادة، تفضي إلى تأسيس حكم مدني، طال انتظار مصر له، في حين يبدو زميلنا عماد الدين حسين، متفائلا بتوسيع نطاق المشاركة، والإصلاح السياسي عن طريق تحويل الحوار الوطني الذي استكملت مرحلته الأولى، قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى حالة مؤسسية دائمة، وتوسيع عضويته؛ ليضم نقابيين وتكنوقراط، على أن تشارك فيها الأطراف التي انخرطت في تلك الانتخابات فقط، بحكم أنها أثبتت جديتها وشعورها بالمسئولية الوطنية على حد تعبيره.

كما يتضح من عنوان المقال، فإنني معني على صعيد الكتابة والتعليق، بأوضاعنا السياسية أكثر من الشأن الاقتصادي، فضلا عن أنه لا خلاف إطلاقاً مع الرؤي الثلاث التي قدمها الدكاترة زياد بهاء الدين، وأحمد جلال، ومحمود محيي الدين، لكني بالقطع أختلف مع كل من الدكتور بدراوي، والزميل عماد .

الخلاف مع الدكتور بدراوي، يأتي من عدم وجود دليل جاد على أن النظام سوف يتطوع بإحداث التحول نحو الحكم المدني الديمقراطي، علما بأنني أتفهم أن الرجل يقصد تشجيع النظام، أو دوائر فيه على هذا المسار، بأكثر مما يقصد، أن هذا سوف يحدث بالضرورة، وأما الخلاف مع عماد حسين، فيأتي من أن تجربة الحوار الوطني التي قدرنا دعوة الرئيس إليها، وخضناها بتفاؤل حذر، ولا ننكر إيجابياتها المحدودة، ليست ويجب ألا تكون بديلا لحياة سياسية طبيعية أو شبه طبيعية، يستمر فيها الحوار بين القوي السياسية في إطار المؤسسات الدستورية كالبرلمان بمجلسيه، وعلى مستوى الرأي العام، من خلال حرية النشر والتعبير والاجتماع ، وإتاحة المنابر الإعلامية والصحفية للجميع، ولمختلف الرؤى.

سيكون من الخطأ إنكار أن شيئا من ذلك حدث في الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة المنافسين للرئيس السيسي، وإذن فالأولى هو المطالبة باستمرار، وتوسيع  إيجابيات هذه التجربة، وليس إنهاؤها بانتهاء الانتخابات، ومن المؤكد أنه سرعان ما سيتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حين يحاول حزب معارض مثلا، البناء على ما أحرزه  في معركة الانتخابات الرئاسية من اتصال مع الجمهور، ومن حركة في الشارع السياسي، وكذلك من ظهور إعلامي، وحوار حول برنامجه السياسي، ورؤاه لمستقبل البلاد ، فإذا لم تعد الأمور سيرتها السابقة على انتخابات الرئاسة من منع للقاءات الجماهيرية، وحجب المواقع الإلكترونية، وشن حملات التشويه والإساءة للمعارضين، فعندئذ يمكن القول، إن تغيرا إيجابيا أو تقدما قد حدث في حياتنا السياسية، بشرط أن تتاح  تلك الحقوق لجميع الأحزاب الرسمية، وليس فقط للأحزاب التي شاركت في السباق الرئاسي، كما يذهب البعض.

فإذا تحقق ذلك كله أو بعضه، فيمكن توقع انتخابات برلمانية لعام ٢٠٢٥، تكون خطوة كبيرة في اتجاه تطبيع الحياة السياسية، على أسس التعددية والمشاركة في صنع السياسات، ومراجعتها وترشيدها، ولو تدريجيا، فإذا نجحت التجربة، وتحقق بناء الثقة بين السلطة العليا، وبين القوى السياسية، فقد نصل في مرحلة لاحقة إلى تفعيل النص الدستوري الخاص بسلطة البرلمان على الحكومة، بدءا من الموافقة على تشكيلها، وصولا إلى تقييم أدائها، ومحاسبة أعضائها.

‏ كل ما سبق ذكره حول انتخابات البرلمان، يسري على الانتخابات المحلية التي تأخرت بأكثر، مما يلزم، ومما يجب، وأيضا على الانتخابات النقابية والطلابية.

إن أهمية تطبيع الحياة السياسية المصرية بعد انتخابات الرئاسة الأخيرة، ومن خلال الانتخابات البرلمانية التالية، وعلاقتها بالحكومة المقبلة، وكذلك الانتخابات المحلية والنقابية والطلابية، تنبع من أن الفترة الرئاسية التي توشك أن تبدأ هي آخر فترات الرئيس السيسي دستوريا، ومن المفترض، بل من الواجب توفير كل الضمانات الممكنة، لعدم حدوث فراغ في السلطة العليا، أو نشوب صراع مؤسسي ومجتمعي عليها، في تكرار قد لا يكون حرفيا، لأزمة خلافة حسني مبارك،  لكنه في كل الأحوال يفتح الباب لقوى داخلية أو اقليمية أو دولية غير مرغوب فيها؛ لتشكيل مستقبل هذه البلد، فهذا ما  لا يحبه، وما لا يتمناه كل مصري مخلص لمصريته.