تلقى سوق السندات الحكومية المصرية صدمة جديدة، بعد إعلان بنك “جي بي مورجان” استبعاد مصر من سلسلة مؤشراته للسندات الحكومية للأسواق الناشئة بدءا من نهاية الشهر الحالي.

من شأن استبعاد مصر من “جي بي مورجان” الذي يتضمن صناديق، تتعامل بالسندات، قيمتها تتجاوز 200 مليار دولار، أن يتبعه خطوة أخرى بحذفها من مؤشره للسوق المحلية  “ELMI+” في 29 مارس المقبل، الذي يعتمد عليه المستثمرون لقياس العائد.

يأتي الاستبعاد بعد عامين بالتمام والكمال، من عودة مصر للمؤشر في 2022، وعلى خلفية مشكلات، تتعلق بالعملة وقدرة المستثمرين على تحويل النقد الأجنبي للخارج، وهي الأسباب ذاتها التي صاحبت استبعادها في أعقاب ثورة يناير 2011.

جاء القرار، رغم ارتفاع السندات السيادية المصرية المقومة بالدولار بنحو 1.6 سنت في آخر جلسة بالمؤشر، في أعقاب تأكيد صندوق النقد الدولي دراسته الجدية، زيادة برنامج القرض المقدم لمصر؛ نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة.

 ضياع مجهود 3 سنوات

محمد عبد العال، الخبير الاقتصادي، يقول إن مصر سبق، أن خرجت من المؤشر في يونيو 2011، وعادت في 21 يناير 2022، بعد مفاوضات استمرت 3 سنوات، نجحت خلالها وزارة المالية في إقناع “جي بي مورجان” بإعادة إدراج السندات المصرية.

اشترط المؤشر، لإعادة مصر بعد 2011،  العديد من المطالب في مقدمتها تعديل منحنى العائد (الفائدة)، وإطالة عمر الدين،  ورفع نسبة مشاركة المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومي، وزيادة حجم الإصدارات، وتحاشي الازدواج الضريبي على المستثمرين الأجانب.

مع عودة مصر، قررت الدخول بـ 14 إصدارًا بقيمة 26 مليار دولار، ما انعكس إيجابيًا عليها في زيادة ثقة المستثمر الأجنبي، وكفاءة إدارة الدين العام، وتخفيض تكلفة الدين العام، والحصول على تدفقات بالعملة الصعبة.

يضيف عبد العال، أن ما استجد هو الأوضاع بالمنطقة والتوترات الجيوسياسية، وأخيرًا، تحفيض التصنيف الائتماني، ووجود عراقيل أمام المستثمرين للحصول على العملة الأجنبية، وتراجع الوزن النسبي للسندات المصرية من 1.85 إلى 1%، ثم 0.65%، وهي نسبة ضئيلة، لا تؤهلها للاستمرار، لكن يمكن لمصر العودة حال تحسن الأمور.

يشدد عبد العال، على أن استبعاد السندات المصرية يتضمن تأثيرات سلبية منها، انخفاض شهية المستثمرين، وزيادة تكلفة التأمين على ديون مصر، الأمر الذي يتطلب إجراءات سريعة؛ لتدفق النقد الأجنبي عن طريق برنامج الطروحات، وتقليص الفجوة بين السوقين الرسمية والسوداء، ما يعيد الثقة في الأواق المالية الحكومية.

 تداعيات الاستبعاد

بحسب “جي.بي مورجان”، فإن السندات المصرية خضعت لمراقبة المؤشر، منذ 21 سبتمبر 2023؛ بسبب مشكلات، تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبية الجوهرية التي أبلغ عنها مستثمرون بأدوات الدين الحكومية.

يعتبر  الدكتور حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل في جامعة القاهرة، أن قرار بنك جي.بي مورجان مُتوقع، ويترتب عليه صعوبات أمام طرح سندات جديدة بالأسواق الدولية، أو حتى في الأسواق داخليًا بالعملة الصعبة.

رجح الصادي، ارتفاع الفائدة على السندات الحكومية؛ لتعويض المستثمر الأجنبي عن مخاطر عدم قدرته على تحويل أمواله للخارج، واضطراره لتحويل العملة من الداخل إلى الخارج على أساس سعر الصرف السائد في السوق السوداء، التي لا توجد مؤشرات حكومية واضحة للسيطرة عليها، رغم وصول الفارق بينها وبين السوق الرسمية إلى 63%.

يطالب الصادي الحكومة بتغيير سياستها في استبدال دين قصير الأجل، بطويل الأجل، وألا يكون الهدف من التواجد بالمؤشرات الدولية التوسع في الاقتراض، وليس جذب الاستثمارات، وأن يكون المعيار هو قدرة الاقتصاد على الإنتاج، وليس قدرته على الاستدانة، بجانب التحديد الدقيق للبنود التي تضمنتها وثيقة التوجهات الاقتصادية (2024 ـــــ 2030).

أعلنت الحكومة عن وثيقة التوجهات الاقتصادية، والتي أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، وتحتوي على 8 توجهات استراتيجية للاقتصاد المصري، تتضمن زيادة موارد العملة الصعبة إلى 300 مليار دولار.

تستهدف الحكومة نمو الصادرات المصرية من متوسط 16% إلى ما لا يقل عن 20 % سنوياً، ونمو عائدات السياحة بنسبة 20% سنوياً؛ لتصل إلى 45 مليار دولار عام 2030، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 10% سنوياً؛ لتصل إلى 19 مليار دولار في 2030، وزيادة إيرادات قناة السويس والخدمات البحرية إلى 26 مليار دولار بمعدل نمو سنوي 10%.

 تأثير معنوي

هاني جنينة، الخبير الاقتصادي ، يقلل من قيمة خروج مصر من المؤشر أساسا، نظرًا لضعف التدفقات الأجنبية في أدوات الدين بشكل عام.

يضيف جنينة، أن الأموال التي وردت من المؤشر، كانت ضعيفة جداً لضعف وزن مصر بالمؤشر، لكنها قد تعطي من جهة أخرى انطباعًا بوجود مشكلات كبيرة في تحويلات الأجانب للخارج.

 ما الحل؟

تعاني مصر من فجوة دولارية تقدر بـ 30 مليار دولار؛ بسبب الفارق بين الموارد الدولارية التي تحصل عليها الدولة من المصادر المختلفة كل عام مثل، التصدير أو السياحة أو الاستثمارات الأجنبية أو التحويلات الخارجية، والمبالغ الدولارية المطلوبة منها؛ لسداد التزاماتها مثل، الديون الخارجية أو الاستيراد.

ريم جمال، خبيرة الأوراق المالية، ترى أن استبعاد مصر من “جي بي مورجان” يعني الامتناع عن شراء سنداتها من قبل الصناديق التي تتبع المؤشر، والتخلص التدريجي من حيازتها، وصعوبة التغطية لإصدارات مستقبلية.

لكن ريم جمال، تقول إن من الناحية الفنية يمكن التغلب على تلك المشكلات عبر تقديم علاوة، أي بيع السندات بسعر أقل؛ ليعطي عائدا أعلى كحافز للشراء، ولكنه سيؤدي لرفع تكلفة الإقراض، مقارنة بما كان الحال عليه قبل الخروج من المؤشر.

أما الخيار الثاني، فيتمثل في إصدار السندات السيادية، سواء مضمونة عن طريق ‎التوريق، أو غير مضمونة مثل، السندات الحالية، والسندات السيادية، هي نوع من الأوراق المالية ذات الفائدة الثابتة التي تصدرها الحكومات؛ لتمويل العجز في ميزانياتها، أو لتمويل مشاريع البنية التحتية.