يواصل القطاع الخاص المصري الانكماش للشهر الـ 35 على التوالي؛ بسبب نقص العملة الأجنبية الذي انعكس على توفير مستلزمات الإنتاج، وكذلك تراجع الطلب المحلي مع ارتفاع مستويات التضخم.

ورصد مؤشران أحدهما محلي، والآخر دولي تطور بيئة الأعمال بمصر خلال الربع الثالث من 2023، وجاءت النتيجة تدور في فلك 48 و49 نقطة، أي أقل من مستوى الخمسين الذي يفصل بين النمو (أعلى من 50) والانكماش (أقل من 50).

المؤشر الأول، كان “ستاندرد آند بورز جلوبال” لمديري المشتريات، الذي تعده وكالة دولية مرموقة، تقدم للحكومات والشركات بيانات، تمكنها من اتخاذ القرار، وسجل 47.9 في أكتوبر مقابل 48.7 في سبتمبر، ليظل أقل من مستوى الخمسين نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش.

أما المؤشر الثاني، فكان باروميتر الأعمال، الذي يعده المركز المصري للدراسات الاقتصادية منذ 26 عامًا، بالاستعانة بـ 120 شركة، وهو مركز يديره مجموعة من رجال الأعمال والاقتصاديين البارزين، ويشير لاستمرار تراجع مؤشر أداء الأعمال على مدى ثلاث سنوات تقريبا، مسجلاً في الفترة من (يوليو – سبتمبر 2023 ) 49 نقطة.

 تراجع في الأنشطة التجارية الجديدة وتخفيض الطواقم

في تفسيره لنتائج ستاندرد آند بورز ، يقول ديفيد أوين، الخبير الاقتصادي، إن مؤشر مديري المشتريات المصري يظهر تراجع أسرع في أحجام الأنشطة التجارية الجديدة، وضعف مستدام في الإنتاج، مع استمرار التأثير الناجم عن نقص المعروض من السلع والتضخم.

يضيف أوين أن المؤشر يظهر تخفيض شركات بارزة لطواقمها وكذلك مستويات المخزون منذ يوليو الماضي، مع تراجع طلبات الشراء الجديدة بشكل أكبر إلى المستوى السلبي في بداية الربع الرابع من العام (أكتوبر ـ ديسمبر)؛ بسبب ارتفاع الأسعار، وضعف العملة ومشاكل التوريد؛ بسبب التضخم المرتفع، تبدأ الأسر في ترتيب أولوياتها، وتخفيض الاستهلاك على السلع غير الأساسية، فيقل الطلب، وتبدأ الشركات المنتجة في المقابل تخفيض المنتج.

واشتكت الشركات المشاركة في استطلاع “ستاندرد آند بورز جلوبال”، النقص المستمر في المواد الأولية، وضغوط الأسعار التي دفعتهم إلى تقليل النشاط التجاري أيضًا.

 انخفاض التوظيف.. عرض جديد للانكماش

يكشف مؤشر “ستاندرد آند بورز” عن الانخفاض في أعداد الموظفين بالشركات في شهر أكتوبر، بعد أن ازداد عدد الوظائف في كل من الشهرين السابقين، فالتراجع السريع في مبيعات الشركات، دفعها إلى تسريح العمالة، وترك الوظائف شاغرة، دون ملئها بموظفين جدد.

رغم أن خفض التوظيف كان بنسبة طفيفة، لكنه يعطي دلالات، باعتباره كان الأكبر منذ شهر فبراير الماضي، أي الأكبر في 8 أشهر، كما تركز ضعف النشاط في قطاعات مختلفة؛ لتتضمن التصنيع والإنشاءات والبناء وأسواق الجملة، والتجزئة على حد سواء على عكس قطاع الخدمات الذي توسع بنسبة طفيفة.

 انخفاض المخزون.. صعوبة توفير البديل

أشارت الشركات، أيضًا، إلى وجود انخفاض طفيف في مستويات المخزون (مواد خام) لديها للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر، بعد أن قامت في السابق بزيادة المخزون في ظل المخاوف من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ما يعطي دلالة على استنفاذ جزء منه في الإنتاج؛ لعدم القدرة على توفير الجديد.

بحسب المؤشر، انخفض نشاط المشتريات الجديدة بقوة، في حين شهدت مدد التسليم زيادة طفيفة؛ بسبب صعوبات الاستيراد، كما زاد حجم الأعمال المتراكمة بدرجة أقل بكثير في شهر أكتوبر، بعد ارتفاعه بأسرع معدل على الإطلاق في شهر سبتمبر، ولتكون الأعمال غير المنجزة قد ازدادت لأربعة أشهر متتالية.

على صعيد الأسعار، شهدت الشركات زيادة حادة أخرى في تكاليف مستلزمات الإنتاج خلال شهر أكتوبر، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد وضعف العملة المحلية. كما أشير إلى نقص العرض كعامل رئيسي وراء ارتفاع الأسعار، في حين لم ترتفع تكاليف الأجور إلا بشكل متواضع.

 مشكلات متعددة تواجه القطاع الخاص غير النفطي

الشركات المشاركة في “باروميتر الأعمال”، كانت لديها نفس المشكلات تقريبًا، لكنها توسعت في ذكرها؛ فجاء سعر الصرف في المرتبة الأولى مع ارتفاع الدولار، وزيادة أسعار معظم السلع والخدمات.

جاء التضخم في المرتبة الثانية الذي زاد تكاليف الإنتاج، وبالتالي تراجع العرض، وانخفاض حجم الأعمال، وعدم توافر سيولة نقدية للاستثمار. ثم ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ نتيجة زيادة أسعار المستلزمات، خاصة المستوردة وارتفاع أعباء الشحن البحري، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية ونقص الخامات.

وكان النقل أكثر القطاعات تدهوراً، حيث سجل قيماً أقل من المستوى المحايد بـ 6 نقاط، وإن كانت أكبر من الربعين السابق (إبريل ـ يونيو 2022) والمناظر (يوليو ـ سبتمبر 2022) إلى ضعف حركتي الاستيراد والتصدير التي تعتمد عليها شركات النقل والشحن، وتواضع أداء معظم القطاعات المختلفة التي يعتمد عليها القطاع.

لفتت الشركات أيضًا إلى إجراءات التعامل مع الجهات الحكومية، وتأخر إجراءات وطول المدة التي تستغرقها، يليها المشكلات المتعلقة بالمنظومة الضريبية متمثلة في ارتفاع معدلات الضرائب، وتعدد الأوعية الضريبية، والفحص لسنوات سابقة، علاوة على الازدواج الضريبي (حساب ضريبي على الخدمة او السلعة ذاتها).

 الآفاق المستقبلية.. تفاؤل أم تشاؤم

قدمت الشركات المشاركة في مؤشر ستاندرد، وباروميتر، الأعمال رؤى متباينة بخصوص الآفاق المستقبلية، وبدى التفاؤل بخصوص انخفاض معدل التضخم الإجمالي لأسعار مستلزمات الإنتاج بشكل طفيف للشهر الثاني على التوالي، بأقل معدل منذ شهر يوليو.

تحسنت توقعات الشركات المشاركة في مؤشر ستاندرد، بخصوص النشاط للعام الحالي إلى أعلى مستوياتها، بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام، وكان التفاؤل إلى حد ما بتعافي الظروف الاقتصادية، إذ توقع 13% من الشركات نموا خلال الأشهر الـ 12 المقبلة.

في المقابل، ربطت الشركات المشاركة في باروميتر الأعمال، التوقعات بتحسين سياسات الاستثمار، والاهتمام بآليات التحول الرقمي التي يؤثر على الاقتصاد بشكل عام مع ضرورة مشاركة ممثلي مجتمع الأعمال، في اتخاذ القرارات التي من شأنها تحسين الاستثمار.

طالبت الشركات أيضًا بتسهيل الإجراءات الحكومية، وربط الهيئات الحكومية المختلفة ببعضها، والقضاء على البيروقراطية، وتحسين المنظومة الضريبية، وتقليل عدد الأوعية الضريبية التي تم اعتبارها من الأولويات، التي يمكن أن تكون أداة في تحسين مناخ الاستثمار بوجه عام.

جاءت توقعات الـ 120 شركة باستمرار قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد والبناء والنقل، دون المستوى المحايد عند 46 و45 و41 على الترتيب، على أن تتجاوز قطاعات الخدمات المالية، والسياحة والاتصالات المستوى المحايد المقدر بـ 50 نقطة.