أثناء متابعتي لصفحات الفيس بوك، صادفني صفحة تسمى “المادة 55″، أخذني الفضول، ودخلت للصفحة؛ فوجدتها إحدى الصفحات الحقوقية المعنية برصد معاناة المحتجزين، والسجناء داخل أماكن الاحتجاز، وبشكل خاص الأوضاع الصحية للمحتجزين، وتتخذ هذه المجموعة من نص المادة 55 نصاً مرجعيا لها، وهو النص الذي يقضي بأن كل من يقبض عليه، أو تقيد حريته، تجب معاملته، بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه إلا في أماكن لائقة إنسانيا وصحيا، تلتزم الدولة بتوفيرها، وتخضع للإشراف القضائي. وقد رصد القائمون على هذا التحالف مجموعة من التجاوزات المتمثلة في اعتداءات بدنية، أو عدم رعاية صحية للعديد من المحتجزين في أماكن احتجاز وسجون مختلفة، وكان من بين تلك الحالات ما يستوجب تحويله لمستشفى أميري، يتناسب مع الحالة المرضية للمسجون، ولكن هناك بعض التعنت من قبل الإدارة، وهو ما يقتضي أن نستعرض معه لبعض الحقوق الصحية والبدنية للسجناء والمحتجزين.

تمثل الرعاية الصحية للسجناء أحد الحقوق الأساسية، والإنسانية التي شملها العديد من النصوص، سواء على المستوى الحقوقي أو المستوى المحلي متمثلاً في قانون تنظيم السجون، واللوائح التنفيذية الخاصة به، والذي أكد، على أنه يجب قص شعر المسجون، واستحمامه بالماء الساخن والصابون عند إيداعه السجن، وخلال مدة إيداعه فيه، ما لم يقرر طبيب أو إداري غير ذلك. كما قررت المادة (46) عند قبول مسجون بالسجن يوضع تحت الاختبار الصحي مدة (10) أيام لا يختلط خلالها بالمسجونين الآخرين ولا يؤدي عملاً خلال هذه المدة، وألزمت إدارة السجن بإجراء الفحوص والتحاليل الطبية اللازمة له خلال تلك المدة؛ للوقوف على حالته الصحية، ونظمت المواد  (47) و (48) و (49) إجراءات التعامل مع الامراض المعدية، فنصت على أنه يجب على مأمور السجن إخطار الإدارة الطبية بمصلحة السجون، ومفتش صحة الجهة عند إصابة مسجون بمرض مُعدٍ، أو الاشتباه في ذلك، لاتخاذ كافة الإجراءات الصحية الوقائية والعلاجية الكفيلة بالحفاظ على حياته، وأقرانه من المسجونين، على أن تطهر الغرف التي حصلت بها إصابة بمرض معدٍ، وقررت كذلك عزل المسجونين المصابين بأمراض معدية عن باقي المسجونين بأماكن منفصلة، ويعاملون معاملة خاصة من حيث الغذاء، والنوم والرعاية الصحية وتخصص لهم الأواني والمفروشات اللازمة؛ لإعاشتهم بعيداً عن المخصصة لباقي المسجونين، وعلى طبيب السجن التحقق من ذلك باستمرار.

وتؤكد هذه النصوص المحلية أو الدستورية، أو تلك ذات الطابع الحقوقي على وجوبية قيام إدارة السجون بتقديم الخدمات الطبية المجانية لجميع السجناء، منذ دخولهم بوابة السجن، وحتى الافراج عنهم دون أي تباطؤ، أو تأخير أو تنصل من المسئولية؛ كون أي تأخير في تقديم الرعاية الطبية للسجناء، يحمل إدارة السجن مسئؤولية قانونية تقصيرية، وتعتبر مرتكبة لجريمة، يعاقب عليها القانون بقدر الضرر الناتج من ذلك التأخير في القيام بواجبها القانوني، ويلزمها أيضاً بالتعويض القانوني اللازم للسجين المتضرر من عدم قيام إدارة السجن بتقديم الرعاية الطبية بسرعة، ودون أي تأخير، كما أنها تلزم  وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الصحة لتقييم الخدمات الصحية  المقدمة في جميع السجون،  وتشخيص أوجه القصور وتوفير، وتجهيز المرافق الطبية بإنشاء مستشفيات مجهزة  بالمستلزمات، والكوادر التي لا يتوافر فيها مستشفيات وتوسيع المستشفيات، والمراكز الطبية الموجودة في بعض السجون، ورفدها بكافة التجهيزات والمستلزمات الطبية اللازمة، والأدوية باستمرار ودون انقطاع وتخصيص مقاعد وأسرة في المستشفيات الحكومية للسجناء، وتوفير وسائل النقل الطبية في جميع السجون؛ لنقل السجناء المرضى بشكل عاجل إلى المستشفيات خارج السجن الذي لا تستطيع المرافق الطبية فيه توفير الرعاية المطلوبة للسجين، وأن يتم تنظيم كل هذه الخدمات الطبية وفقاً للائحة طبية، تصدر ممهورة بتوقيع وزير الداخلية ووزير الصحة، ويتم فتح تحقيق عاجل في أي واقعة إهمال أو تقصير في تقديم الرعاية الصحية للسجناء، وتعويض السجناء وأسرهم عن الأضرار الناتجة منها.

وإذ أنه من المتفق عليه، أن النصوص وحدها لا تكفي، دون ان تكون هناك رغبة وإرادة حقيقية من الجهات الرسمية؛ لتفعيل ما احتوته هذه النصوص من حقوق للأفراد، أو ما تحمله من واجبات على الجهات الإدارية، إذ أن تلك النصوص في حالة امتناع الجهات الرسمية عن تطبيقها، أو تعليق نفاذها، أو مجرد التلكؤ في تفعيل مضمونها، يفرغها من مضمونها، وقد سبق أن تعرض القضاء المصري لبعض هذه الانتهاكات، وكانت أحكامه مؤيدة لضمان الحقوق، ضد تعسف الجهات الحكومية في نفاذها، ومن بين تلك الأحكام، ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في الحكم رقم 4294 لسنة 46 قضائية عليا، والتي قالت فيه المحكمة أنه: ومن حيث، إنه بتطبيق ما تقدم على واقعات النزاع الماثل، فإن الثابت من الأوراق أن نجل المطعون ضدهما، اعتقل سياسياً بتاريخ 6/12/1993، وظل بالمعتقل، حتى 27/11/1995 (تاريخ وفاته) رغم صدور قرارات بالإفراج عنه، وصدور قرارات بإعادة اعتقاله، وقد أصابه المرض قبل وفاته بحوالي شهرين ونصف، ولم تراع إدارة السجن إصابته بالمرض، ولم تجر الكشف الطبي عليه، وتُرك دون علاج، حتى تُوفى في 27/11/1995 رغم إصابته بثلاثة جروح فراشية، الأمر الذى يقطع بأنه كان ملقى على ظهره مدة طويلة، وفى 27/11/1995 ـ يوم الوفاةـ أبلغ زملاءه في العنبر عن حالته الصحية المتفاقمة في حوالى الساعة الثامنة والنصف صباحاً إلى حارس العنبر الذى أبلغ الممرض بمرض المذكور الذى مر عليه، وأبلغ زملاءه بإمكان نقله إلى المستشفى في اليوم التالي، دون أن يهتم بحالته المرضية، وإبلاغ الطبيب المسئول عن حالته، حتى يمكن إسعافه، ونقله إلى المستشفى في ذات الوقت؛ لإنقاذ  حياته، وفى الساعة الواحدة ظهراً أصيب المعتقل المذكور بحالة إغماء شديدة؛ فأبلغ زملاءه الحارس مرة أخرى الذى أبلغ الضابط المسئول عن العنبر الذى انتقل إلى المعتقل، وتم نقله إلى المستشفى، حيث توفى بالطريق قبل الوصول إليه، وجاء بالتقرير الطبي، أن جثة المتوفى بها بهاتة شديدة، وهزال ونحافة مفرطة، وترجع وفاة المعتقل إلى حالته المرضية المتقدمة، الموصوفة بالرئتين على شكل التهاب شعبي رئوي قيحي مزدوج، وما صاحب الحالة من التهاب سحائي، ومن ثَمَّ، فإن إدارة السجن تكون قد أهملت، فيما ألقاه على عاتقها المشرع من رعاية للمسجونين والمعتقلين، فيما يتعلق بحالة المعتقل الصحية، كما أهملت في تغذيته، حتى أصابه الهزال والضعف والنحافة الشديدة، حسبما ورد بالتقرير الطبي.

فهل لم يحدث أي تغيير في سبل التعامل مع السجناء والمحتجزين، أم أن منع العناية الطبية، وتقديم العلاج سبيل من سبل العقاب، خصوصا في القضايا ذات البعد السياسي، أو تلك المتعلقة بممارسة حريات الرأي والتعبير؟

وإذ أن ضمان الحقوق يمثل ضماناً لبقاء الدولة ذاتها، ونماء العلاقة ما بين المواطنين والمؤسسة الحاكمة، فإنه يجب مراعاة ما تقتضيه، أو تفرضه ظروف وأحوال المحتجزين الصحية، ودوام تقديم الدعم الصحي لهم، على أن يكون ذلك تحت غطاء رقابي قضائي.