في واحدة من جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف اختصاراً بمنتدى دافوس نسبة للبلدة السويسرية التي تستضيفه، تلقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، سؤالاً عن إمكانية اعتراف المملكة بإسرائيل كجزء من اتفاق أوسع، وكانت إجابته عبارة عن كلمة واحدة قاطعة “بالتأكيد”.

لم يخرج الحديث عن اعتراف بدولة إسرائيل وتطبيع محتمل للعلاقات بينها، و بين المملكة العربية السعودية للعلن قبل أغسطس الماضي، حينما قال محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في مقابلة له مع شبكة فوكس، إن المملكة تحقق تقدماً باتجاه التطبيع مع إسرائيل، ونشرت الفايننشال تايمز وقتها تقريراً عن جهود الولايات المتحدة للوساطة بين البلدين، وعن الفوائد التي تحصل عليها السعودية مقابل هذا التطبيع.

قائمة الفوائد حسب دبلوماسيين شملت وقتها دعم أمريكي لبرنامج نووي سعودي، وأسلحة، وضمانات أمنية أخرى.

وقتها قال فرحان: ــ على عادته في اختيار إجابات قصيرة حاسمةــ سيعود بـ “فائدة هائلة” على المنطقة.

في الحالتين ربط فرحان مسار التطبيع بالتقدم في مسار السلام في المنطقة.

الإعلان الأهم جاء على لسان ولي العهد السعودي في سبتمبر 2023، حينما قال في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية، إن المملكة “تحقق تقدماً” باتجاه التطبيع مع إسرائيل.

استطلاعات الرأي

استطلاعات الرأي حتى ما قبل العدوان على غزة، كانت ترصد قبولاً لدى الرأي العام السعودي للتعامل مع إسرائيل، حتى دون علاقات رسمية، بلغ الثلث في استطلاع، أجراه معهد واشنطن قبل عملية السابع من أكتوبر بأيام، بينما بلغت النسبة 70%، موافقون على التطبيع بشرط إقامة دولة فلسطينية، حسب استطلاع غير معلن، أجرته الإدارة السعودية، ونقل نتائجه الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في مقال له نشرته نيويورك تايمز.

الخطوات التي وصفها ولي العهد السعودي، بأنها تحقق تقدماً، تباطأت، وربما أُجبر الطرفان على إيقافها بعد حرب غزة، وخصوصاً مع توالي المجازر الإسرائيلية التي لم تدع الفرصة إلا لانتقاد استهداف المدنيين على الطرفين، كما جاء في البيان السعودي الأول بعد السابع من أكتوبر.

الدمج مقابل دولة

تضع الإدارة الأمريكية رهانا كبيراً على ما أسماه وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، دمج إسرائيل في محيطها الشرق أوسطي، حتى لو كان الثمن هو دولة فلسطينية على حدود الـ 67، وهو الوعد المؤجل، منذ اتفاقات أوسلو، وربما تعتبر الولايات المتحدة هذا الدمج ضمانة أساسية؛ لخلق تكتل يقف أمام تكتل إيران وحلفائها أو ما تسميه إيران “محور المقاومة”، ومن ورائهم روسيا والصين.

معادلة بلينكن، التي أعرب عنها صراحة في ديفوس، تصطدم أولاً، بالتطرف الصهيوني الشريك لنتنياهو في حكومة إسرائيل قبل اصطدامه بأي عائق عربي، كون حكومة المتطرفين التي تدير إسرائيل، تتمسك بأوهام التفوق العسكري القادر على سحق الشعب الفلسطيني، والتمدد من النيل للفرات.

استنادا لوعود توراتية، تحدث عنها نتنياهو صراحة في الأيام الأولى للحرب، متبنياً أشد الرؤى الصهيونية تطرفاً.

بالعودة للجانب الأمريكي الحالم بتطبيع العلاقات بين البلدين “السعودية وإسرائيل”، كشف وزير خارجية إسرائيل، عن أن اتفاقاً إطارياً، توسطت فيه الإدارة الأمريكية، يحكم صيرورة العلاقات وصولاً للتطبيع، وهو الاتفاق الذي كان مفترضاً، أن يتم توقيعه في بداية العام، لولا مستجدات العدوان، وتحديداً لولا فشل إسرائيل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة.

أهداف السعودية

السعودية لا تسير في اتجاه التطبيع لمجرد الاستجابة لرغبة إدارة بايدن فقط، فلها على ما يبدو أهدافها الخاصة، بخلاف مطالبها من الولايات المتحدة.

المحلل السياسي السعودي المقرب من النظامــ الدكتور خالد باطرفي، يرى أن الاستجابة للإدارة الأمريكية جزء من السبب، لكن هناك أيضا رغبة، فيما أسماه “تصفير مشاكل المنطقة”، وأن رؤية ولي العهد 2030 تحتاج لأمن واستقرار؛ كي تتحقق، فضلا عن “مسار البخور” الذي تشترك فيه السعودية  مع الهند والإمارات، والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية مروراً بإسرائيل،

يمكننا القول، إن التطبيع بين البلدين هو في الأساس رغبة أمريكية، تهدف إلى دمج الدولة اليهودية إسرائيل في محيطها “السني” ربما؛ لمواجهة الخطر الذي قد تمثله إيران، أو للحفاظ على أمن اسرائيل التي تمثل قاعدة متقدمة، وذراعا عسكريا لها ولحلفائها في قلب مسارات التجارة الدولية، وهو ما كشفت عنه  الحساسية البالغة في التعامل مع تهديدات جماعة أنصار الله؛ لمسارات الملاحة وسلاسل الإمداد الدولي.

بالنسبة للسعودية هو خيار يمثل قطيعة مع ماضيها، منذ التأسيس، وسُلمة لتحول يحلم به ولي العهد، و يتبنى من أجله هوية وطنية جديدة، حيث الشعب السعودي سعوديون أولاً، قبل أن يكونوا عربا أو مسلمين، ومصالحهم تسبق التزاماتهم تلك.

المعضلة في إسرائيل

المعضلة هنا في إسرائيل التي تبدو راغبة في الحصول على الاعتراف السعودي، ولا تطرح في المقابل أي تقدم أو تنازل، هي تريد الاعتراف بها، دون التزام من جانبها أو إيفاء بتعهدات، سبق وقدمتها، ودون حتى التخلي عن أحلام توراتية، لا تتناسب مع الصورة التي يقدمها بها الغرب كدولة علمانية عصرية، فكيف سترسم التجاذبات الثلاثة “الأمريكية والسعودية والإسرائيلية” مسار العلاقة بين الرياض والدولة العبرية.