كلنا سمعنا عن الدبة التي قتلت صاحبها؛ خوفا عليه من الذبابة، لذلك نقول ومن الحب ما قتل، وهذا ما يحدث في أغلب جرائم العنف المبني على النوع الاجتماعي، (الختان أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث– وجرائم القتل المسماة بجرائم الشرف…) هناك قاسم مشتركن وهو أن هذه الجرائم في أغلب الحالات ترتكب بدافع الحب، والغيرة والخوف على الضحية، أو هكذا يقنع الجاني نفسه بارتكاب الجريمة.
و”العلاج التحويلي “: هو شكل من أشكال العنف، والجرائم التي يرتكبها الآباء والأمهات ضد أبنائهم/ن.
والمقصود بالعلاج التحويلي، ذلك التعبير الشامل غير رسمي للإشارة إلى ” أي جهد متواصل؛ لتعديل التوجه الجنسي أو الهوية الجنسية أو التعبير الجنسي للشخص”، وهذا هو المصطلح الفني المفضل للإشارة إلى هذه الممارسات الضارة غير العلمية.
هذه الجريمة التي يقف خلفها في مصر رجال دين، ومؤسسات دينية أغلبها مسيحية متأثرة باليمين المسيحي الأمريكي، وكنائسه المحافظة، يحاولون نقل تجربة، كانت سببًا في انتحار عدد كبير، ممن خضعوا لمثل هذه الخرافات، مما ساهم في تنامي الاتجاه نحو تجريم هذه الممارسات حول العالم.
جرائم يرتكبها الآباء والأمهات ويحرض عليها رجال الدين
كلما زاد الوعي أدركنا حجم الإساءات التي يرتكبها الأهل في حق أبنائهم، وهم يحسبون، أنهم يحسنون صنعًا، حتى حواديت قبل النوم عن أبو رجل مسلوخة، وأمنا الغولة التي كان أهلنا يحكوها لنا كشكل من أشكال الحنية والدلع، كبرنا وأدركنا، أنها كانت جريمة، ضد طفولتنا، وسبب للكثير من مشاكلنا النفسية.
أكبر مثال على ذلك “الضرب” الذي يستخدم كوسيلة للتربية، فهكذا يصرح بعض رجال الدين، أن الضرب وسيلة للتربية وحق للآباء؛ لتأديب أبنائهم وبعض مدعي العلم من الأطباء الذين تكلموا عن محاسن، وفوائد تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ومارسوا تلك الجريمة بكل أريحية.
العلاج التحويلي، هو واحد من تلك الإساءات التي يرتكبها الكثير من الأهالي في حق أبنائهم بمساندة بعض رجال الدين، والكثير من الأطباء النفسيين، هذه الإساءة التي ستستمر لسنوات طويلة للأسف، حتى يدرك الأهل حجم جريمتهم في حق أبنائهم، تماما كما حدث مع ختان الإناث والضرب.
افتح هذا الموضوع للنقاش، وأنا أدرك أنني أواجه مافيا العلاج التحويلي التي يساندها الكثير من رجال الدين تمامًا، كما واجهت نوال السعداوي، وماري أسعد، وعزيزة حسين، المجتمع بجرائمه التي يرتكبها في حق أجيال من البنات، قُطعت أجزاء من أجسادهن؛ من أجل الوهم، واستغرق الأمر عشرات السنوات؛ ليجرم الختان في ٢٠٠٨؛ فهل سيستغرق الأمر عقودا، حتى ندرك أن هذا الدجل جريمة، لا بد من مواجهتها؟!
كيف بدأت هذه الجريمة
هذه الجريمة ليست جديدة، ففي الماضي لجأ بعض العاملين في مجال الصحة العقلية؛ لاتخاذ تدابير متطرفة نحو المثلية الجنسية، بإيداع المثليين في مؤسسات للصحة العقلية، وإجراء عمليات الإخصاء والعلاج بالصدمة الكهربائية، في محاولة لمنع الأشخاص، من أن يكونوا مثليين جنسيين، أو ثنائيي الجنس، أو عابرين جنسيًا. وعلى مر تاريخ طويل من مناهضة الميول المثلية في الغرب، دأب مُحللو العلوم النفسية في إيجاد حلول علمية؛ لوقف التنوع في الهويات الجندرية، والميول الجنسية التي لا ترغب فيها الفاشية الذكورية.
كان منهم الدكتور “يوجين شتاينخ” اختصاصي الغدد الصماء النمساوي في أوائل القرن الماضي الذي قام بإجراء عملية جراحية لرجل مثلي؛ ليزرع له خصية رجل غيريّ، ظناً منه أنه بهذا سيقضي على مثلية ذلك الرجل إلى الأبد، إلا أنه – ومع الأسف الشديد– أضرت هذه العملية الجراحية بالشخص، ورفض جهازه المناعي تلك الخصيتين المزروعتين.
أما فرويد الذي ينسب له بعض المحللين النفسيين جذور ما يسمى بـالعلاج التحويلي، أو علاج المثلية ففي النصف الأول من القرن الماضي، اعتقد سيجموند فرويد، في أن البشر يولدون مزدوجي الجنس، وبعد ذلك يختارون، ما يفضلونه جنسيًا بطريقة غير مباشرة، ويمكن إعادة توجيه هذا التفضيل «الشذوذ» مرة أخرى إلى الاتجاه الطبيعي بالتحفيز المناسب. وقام فرويد بتطبيق ما توصل له، والعمل على تصحيح «الشذوذ الجنسي» من خلال التنويم المغناطيسي.
لكننا سنجد”فرويد” يرد في رسالته على سيدة خاطبته؛ ليقوم بعلاج ابنها المثلي عام 1934 قائلاً: “لقد فهمت من خطابك، أن ابنك مثليّ جنسياً… ليس هناك سمة عار، ولا رذيلة، ولا نقيصة في ذلك. لا يمكن تصنيف ذلك على أنه مرض.”
بهذه الكلمات الموجزة عبّر فرويد في قمة عطائه العلمي، وقُبيل عام واحد على رحيله عن العالم على طلب إحدى مُريديه؛_ لتطبيق ما يُدعى بالعلاج التحويلي، وهذا ما أكده علماء النفس المعاصرين، ومنظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى المنظمات الصحية العالمية .[1]
وللأسف حتى اليوم ما زالت بعض هذه الممارسات يتم استخدامها، دون قانون يُجرمها، ويرافق هذه الممارسات مجموعة متنوعة من العلاجات السلوكية والمعرفية، وحيل نفسية؛ لتغيير اتجاه الانجذاب الجنسي، أو تغيير الهوية الجنسية.
ويدّعي القائمون على العلاج قدرتهم على تغيير التوجه الجنسي للشخص من مثلي إلى مغاير، والمبني على افتراض، أن المثلية الجنسية اضطراب عقلي، أو افتراض أن المثلي يجب أن يغير توجهه الجنسي.
رأي الطب النفسي في تلك الممارسات
في حين أن جميع مؤسسات الصحة النفسية والعقلية الرائدة في العالم، اعتبرت علاج التحويل الجنسي علاجًا غير فعال ومؤذٍ، وحذرت من أن هذه الممارسات التي لا تأت بنتائج إيجابية؛ قد تتسبب في أضرار بالغة. فوفقًا لتقرير صادر عن جمعية علم النفس الأمريكية لعام 2009، فإن الأساليب السابقة التي أسهب التقرير في شرحها، تستند على فرضية، أن «المثلية الجنسية» مرض واضطراب، في حين أنه تم إزالتهما بالفعل من الدليل التشخيصي للجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1987، ومن تصنيف منظمة الصحة العالمية للاضطرابات العقلية عام 1992.
وفي عام 2005، وقّع ممثلون عن هيئة الخدمات الصحية البريطانية، والكلية الملكية للأطباء النفسيين والمؤسسات النفسية الاستشارية مذكرة تفاهم، تفيد بأن علاج التحول الجنسي غير أخلاقي، وضار على الأرجح، وأن المثلية ليست مرضًا، ولا يوجد دليل واضح، على أنه يمكن تغيير التوجه الجنسي من خلال هذه الوسائل. ولكن يخضع الشخص المثلي الذي يسعى؛ لتغيير حياته الجنسية للعلاج؛ بسبب رهاب المثلية الذي يعاني منه داخليًا، وبسبب الأخطار والضغوط الناشئة عن تعرضه للتمييز الخارجي.
وفي دراسة، أجريت عام 2002، كانت النتيجة أنه من بين 202 رجل، ممن خضعوا لعلاج التحويل الجنسي، حاول 34 منهم الانتحار، إما أثناء أو بعد العلاج، ولم يتم العثور على حالة ناجحة واحدة للتحويل.
وفي العام 2012، أشارت منظمة الصحة للبلدان الأمريكية، أنه لا مبرّرا طبيًا لـ “علاجات التحويل”، بل هي تشكّل تهديدًا خطيرًا للصحة وحقوق الإنسان للضحايا. وفي العام 2016، توصّلت الرابطة العالمية للطب النفسي، أنه “ما من دليل علمي سليم يبرهن، أنّه من الممكن تغيير التوجه الجنسي الفطري”. وفي العام 2020، أعلنت المجموعة المستقلّة لخبراء الطب الشرعي، أن اقتراح “علاج التحويل” هو شكل من أشكال الغشّ، والخداع والإعلان الكاذب والاحتيال.[2]
وتقول منظمة الصحة العالمية، إن الميول الجنسية المثلية ليست مرضًا، وتؤكد على عدم جدوى أي إجراء؛ يهدف لتغيير الميول الجنسية للمثليين، بل وتحذر من خطورته، وآثاره المدمرة، وتعتبر الأمم المتحدة محاولات تغيير الميول الجنسية المثلية تعذيب نفسي وجسدي، وتدعو الجهات الحكومية في أنحاء العالم إلى حظرها. كما دعت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة، وخبراء حقوق الإنسان الدوليين في مايو 2020، من خلال المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في بيان مشترك الدول والمؤسسات الدينية والزعماء الدينيين، وغيرهم من المسؤولين النظر في التأثير السلبي للخطابات التي تشجع على الإقصاء والتمييز، والعنف ضد مجتمع الميم، كما حمّل البيان السلطات الدينية مسؤولية ضمان عدم استخدام الدين، والتقاليد لتعزيز التمييز، ضد الأشخاص على أساس توجهاتهم الجنسية وهوياتهم الجندرية.
وفي تقرير صدر في مايو 2020، حول ممارسات «علاج المثليين» عن خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالحماية من العنف، والتمييز على أساس التوجه الجنسي والهوية الجندرية، فيكتور مادريجال بورلوز، وجد التقرير، أن القاصرين غالبًا هم ما يخضعون لهذه الممارسات، ويرجع ذلك جزئيًا، إلى أنهم يفتقرون إلى الحق القانوني للتحكم في قرارات الرعاية الصحية الخاصة بهم، و«نتيجة لرغبة الوالدين أو الأوصياء في جعلهم متوافقين مع التوقعات المجتمعية»، سواء مع توقعاتهم هم أو توقعات مجتمعاتهم المحلية، فيما يتعلق بالميل الجنسي والهوية الجندرية. كما وجد التقرير، أن نصف الناجين من ممارسات «علاج المثليين» المضرة قد خضعوا لها، وهم أطفال.
ورصد التقرير الممارسات المستخدمة؛ بهدف تغيير الميول الجنسية المثلية بين طرد الأرواح، وما يسمى بـ «الاغتصاب التصحيحي» وغسيل الدماغ والعلاج بالنفور، والذي يمكن أن يتضمن «حقن الأدوية المسببة للغثيان، أو الشلل أثناء تعريض الشخص لمواد جنسية مثلية على شاشة كبيرة».
وجد التقرير أيضًا، أن «علاج المثليين» غالبًا ما يكون مكلفًا، ومدعومًا بالإعلانات، وهو «في كثير من الحالات، عمل مربح للقائمين على تلك الممارسات في جميع أنحاء العالم»، حيث يتقاضى القائمين على تلك الممارسات في الولايات المتحدة، ما يصل إلى 26000 دولار مقابل هذا الدجل.[3]
في النهاية
إن العلاج التحويلي هو ممارسة مضرة ومؤذية، تحتاج الى مواجهة من كافة الجهات المعنية، وأولها المجلس القومي للصحة النفسيةوفقا لمبادئ الأمم المتحدة لحماية المصابين بعلل نفسية، وتحسين الرعاية الصحية النفسية، المبدأ الرابع الذي ينص على”يكون تقرير أن شخصا مصاب بعلة نفسية وفقا للمعايير الطبية المقبولة دوليا” “كما لا يجوز أبدا أن يكون النزاع الأسري أو المهني، أو عدم الامتثال للقيم الأخلاقية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو المعتقدات الدينية السائدة في المجتمع المحلي لشخص ما، عاملاَ مقررًا في تشخيص العلة النفسية”
وكذلك المجلس القومي للطفولة والأمومة، حيث أن الغالبية من ضحاياه من الأطفال، وهو ما يمكن أن نطلق عليه جريمة تعريض طفل لخطر وفقا لقانون الطفل المصري في مادته 96، الذي ينص على: يعد الطفل معرضًا للخطر، إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر، أو إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها، من شأنها أن تعرضه للخطر، أو كان معرضًا للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد.
[1] تقرير بعنوان “شهادات من جحيم عيادات علاج المثلية في مصر”موقع أطياف https://atyaf.org/health/2744/
[2] https://www.ohchr.org/ar/stories/2020/07/conversion-therapy-can-amount-torture-and-should-be-banned-says-un-expert خبر عن التقرير على موقع المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم بالمتحدة.
[3] https://www.facebook.com/orgatyaf/photos/a.1539735709381214/3991669957521098/?type=3 من خبر منشور على صفحة أطياف على الفيسبوك.