فاقمت أزمة الملاحة بالبحر الأحمر من متاعب الاقتصاد المصري، فبينما تقلصت العوائد الدولارية لقناة السويس، تأثرت قدرات مصر على طرح سندات دولارية أيضًا مع ارتفاع المخاطر، وأزمة العملة الصعبة.

بحسب رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، انخفضت إيرادات القناة بنسبة 44% في يناير الحالي، مقارنة  بالشهر ذاته من العام السابق، مع تقلص عدد السفن المارة؛ بسبب هجمات الحوثيين.

تمثل القناة واحدًا من أهم موارد مصر الدولارية، بعدما حققت 10.25 مليارات دولار في 2023، لكنها تأثرت بعد وقف أكبر شركات الحاويات مثل، “ميرسك” و”هاباج لويد” المرور بها، وفضلت طريق رأس الرجاء الصالح الذي زادت نسبة المرور به بنسبة 67% على الأقل.

يأتي ذلك، بينما تبنت وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة (2024-2030)، التي أعدها مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، رفع معدل نمو عائدات قناة السويس متضمنة عائدات تنشيط قطاع الخدمات البحرية؛ ليبلغ 26 مليار دولار.

بلومبرج إيكونوميكس” قدرّت خسائر قناة السويس من اضطراب الملاحة، حتى 17 يناير الحالي بـ 150 مليون دولار، بعدما تراجعت أعداد السفن المارة بنسبة 34%، والحمولة الصافية بنسبة 48%، لكن “فيتش” رجحت انخفاض عوائد القناة إلى 9 مليارات دولار في العام المالي المنتهي في يونيو 2024.

وتقول حنان رمسيس، خبيرة الاقتصاد، إن مصر لديها فرص في ظل انضمامها للتكتلات الاقتصادية مثل، البريكس، واتفاقيات تبادل العملة، وهي أمور من شأنها توفير العملة على المدى القصير، وتعويض تراجع الموارد الدولارية وبمقدمتها قناة السويس.

السندات الدولارية.. مشكلة أخرى

الدولار
الدولار

وخفض “سيتي بنك” توصيته بشأن السندات الدولارية التي أصدرتها مصر في أكتوبر الماضي إلى “الوزن السوقي”، وهو تصنيف يُمنح لأدوات الدين علاوة مخاطر (ارتفاع في الفائدة) في ظل احتياجات مصر للتمويل الخارجي، بسبب أزمة البحر الأحمر.

بحسب البنك، فإن السندات المصرية تنتظر أمرًا إيجابيًا باحتمال إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي؛ لزيادة حزمة برنامج الإنقاذ الحالي، مما يوفر بعض الدعم الإيجابي لمنحنى عائد السندات، لكن في الوقت ذاته تعاني الاختلالات الخارجية التي لن تحل، إلا بحدوث انتعاش حاسم للاستثمار الأجنبي المباشر الذي قدر بـ 10 مليارات دولار العام الماضي.

تضيف رمسيس، أن تراجع السندات جاء بعد قرار “جي. بي. مورجان” الأخير بخصوص استبعاد مصر من مؤشراته للسندات الحكومية للأسواق الناشئة، لكن الأمر سيتغير مع التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي سيكون أكثر مرونة في ظل المشكلات التي تعاني منها المنطقة، والتي كان لها تأثير مباشر على الاقتصاد المصري، إضافة إلى ما كان يعانيه من مشكلاته الداخلية الخاصة به.

من المقرر، أن يستبعد “جي. بي. مورجان” مصر من سلسلة مؤشراته للسندات الحكومية للأسواق الناشئة اعتبارا من 31 يناير/كانون الثاني الحالي، على خلفية مشكلات، تتعلق بقابلية تحويل النقد الأجنبية الجوهرية التي أبلغ عنها مستثمرون، يتم الرجوع إليهم”.

أضاف البنك، أن مصر أبقت حتى 29 ديسمبر/ كانون الأول على وزن 0.61% في المؤشر العالمي المتنوع. ومصر لها 13 من السندات بالجنيه المصري في مؤشراتها، بآجال استحقاق، تتراوح بين 2024 و2030.

وكانت السندات السيادية الدولارية قد ارتفعت بعد أن تعهدت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، بتقديم بلادها دعمًا للاقتصاد والإصلاحات بمصر، وارتفعت جميع السندات الدولارية حينها؛ ليرتفع استحقاق مارس 2024 إلى 98 سنتا للدولار.

وحققت أسعار الاستحقاق الأطول أجلا في عامي 2050 و2059 أكبر قدر من المكاسب، إذ ارتفعت، بما يصل إلى 1.4 سنت مع اقتراب الأولى من 62 سنتا في مقابل الدولار.

وخفضت وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى “B-” هبوطا من “B”، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وارتفاع بالديون الحكومية.، مضيفة أن التخفيض يعكس زيادة المخاطر على التمويل الخارجي لمصر واستقرار الاقتصاد الكلي، ومسار الدين الحكومي المرتفع بالفعل.

إيرادات قناة السويس تضغط على الجنيه

يضغط تراجع إيرادات قناة السويس على التوقعات بشأن مستقبل الجنيه المصري، إذ توقع 14 اقتصادياً في استطلاع للرأي تراجع العملة إلى 40 جنيهًا للدولار، بنهاية يونيو/ حزيران 2024، و43.00 بنهاية الشهر ذاته من عام 2025.

تتوقع شركة التجارة والاستثمار الألمانية، أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي لمصر من حوالي 475 مليار دولار عام 2022، إلى حوالي 357 مليار دولار بحلول نهاية عام 2024.

تؤدي محدودية توافر العملات الأجنبية في الاقتصاد المصري إلى فرض ضغط إضافي على التمويل في البنوك المصرية؛ ونتيجة لذلك، قررت العديد من البنوك خفض حدود بطاقات الائتمان للمعاملات بالعملة الأجنبية.

ووضعت وثيقة التوجهات الحكومية للاقتصاد المصري للفترة 2024/2030، مستهدفًا لسعر الدولار  رسميًا 33.45 جنيها في 2024، و35.5 جنيها في 2025، و37.12 جنيها في 2026، و38.45 جنيها في 2027، و39.61 جنيها في 2028.

يرى محمد جاب الله، محلل أسواق المال، أنه لا مجال أمام تعويم جديد للجنيه المصري حالًيا لاعتبارات اجتماعية وأمنية.

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد في يونيو الماضي على وقف التعويم، لو أنه سيؤثر على المصريين، حتى لو تعارض مع مطالب صندوق النقد.

قال محمد جاب الله : “بسابق الخبرة فى تعويمين سابقين، لم تؤت ثمارها، فكيف يمكن تكرارهما من أجل تحقيق الهدف ذاته”.