تشهد السوق المصرية حاليًا، فوضى في تسعير الدولار بوجود خمسة أسعار مختلفة، إحداها في يد البنك المركزي، والأربعة الأخرى في يد التجار، والصناع الذين يحددون سعر المنتجات التي يبيعونها، أو يصنعونها وفقا لتوقعاتهم الخاصة لمستقبل الجنيه، وليس الواقع.

شهد يناير الحالي قفزات كبيرة في أسعار العديد من المنتجات؛ بسبب التقييم المتضارب، فتجار الذهب يقيمون الدولار بسعر يختلف عن وكلاء السيارات، والشركات العقارية، ومستوردي الأعلاف، والأجهزة الكهربية، وتدور تلك الأسعار حاليا بين “60 و70 جنيها”.

تكتسب تلك الفوضى زخمًا من تقارير بنوك الاستثمار الأجنبية، ووكالات التصنيف الائتماني التي ترفع توقعاتها باستمرار لنسبة التخفيض المتوقعة للجنيه، وآخرها “ستاندرد آند بورز” التي رجحت خفض الجنيه إلى مستويات السوق الموازية (60 جنيهًا).

تماشت توقعات “ستاندرد آند بورز” مع تصريحات لفخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، الذي اقترح أخيرًا، أن يبدأ البنك المركزي بتحرير سعر الصرف من المستوى الأعلى في السوق الموازية، بشرط أن يكون لديه الاحتياطي الدولاري اللازم، والسيطرة على التضخم.

وقال الفقي في تصريحات تلفزيونية: “من الأفضل أن يفتح المستورد الاعتماد المستندي من البنك بسعر السوق الموازي المرتفع، حتى يضطر المضارب للذهاب إلى البنك، وتحويل الدولار بسعر الشاشة المرتفع 60 جنيهًا، أو أيًا كان السعر، قبل أن يتراجع من الأرقام الخيالية، وينخفض تدريجيًا جنيهًا بعد الآخر”.

السوق المنفلتة للعملة.. تأثيرات على الأسعار

الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، لا يؤيد مقترحات تدبير طلبات المستوردين من الدولار في البنوك بأسعار، تقترب من السعر السائد بالسوق السوداء؛ لأن أسعار السلع والخدمات، ستزيد بأكثر مما هي عليه الآن، ما يرفع معدلات التضخم المرتفعة أصلاً لمستوٍ غير مسبوق.

قال الجرم، إنه حال الحاجة للاختيار بين بقاء السوق السوداء، أو توفير الدولار بالبنوك بنفس السعر، فالأفضل تَرك المستوردين للحصول على احتياجاتهم من الدولار من السوق السوداء، فمن غير المعقول الاقتراض من صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الرديفة، وفق شروط غاية في الصعوبة، فضلاً عن كُلفتها المالية الثقيلة؛ ولا ينتج عن ذلك انخفاض ملحوظ في معدلات التضخم.

وقفزت أسعار الحديد بوتيرة سريعة؛ لتبلغ ١٧ ألف جنيه لطن الحديد خلال أقل من شهر؛ ليصل لمستوى ٥٥ ألفا و٢٨١ جنيهًا للطن للموزعين على أرض المصنع، بينما تؤكد جمعية مواطنون ضد الغلاء، أن سعر البيع الاسترشادي للحديد في سوق الجملة سجل ٦٦ ألفًا و٦٦٣ جنيهًا للطن على أرض المخزن (أسعار التجار).

فوضى في سوق الذهب

شهدت سوق الذهب هي الأخرى، فوضى خلال الأيام القليلة الماضية، ما دفع شعبة الذهب باتحاد الصناعات المصرية؛ لإصدار بيان تؤكد، فيه أن أسعار الذهب الحالية المتداولة بالأسواق غير حقيقية، وقائمة على المضاربات، مطالبة بتوخي الحذر في عمليات شراء الذهب خلال التوقيت الحالي.

قال الجرم، إنه يجب تدبير الدولار الأمريكي من القطاع المصرفي، بأسعار الصرف الثابتة عند المستوى القائم حاليًا، وهذا من شأنه، أن يؤدي إلى انخفاض حجم الطلب على دولار السوق السوداء، وانخفاض ملحوظ بأسعار الدولار بالسوق السوداء مع تراجع الطلب عليها، وغياب أي مبررات من قبل التجار لرفع أسعار منتجاتهم.

وارتفعت أسعار الدواجن بواقع 10 جنيهات خلال أسبوع؛ ليبلغ سعر المزرعة، أمس الأحد، 77 جنيهًا بينما بلغ تسليم المستهلك 85 جنيهًا، وعزت شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية الارتفاع؛ لارتفاع أسعار الفول الصويا بنحو 9 آلاف جنيه ‏لمستوى 38 ألفًا الأسبوع الحالي، مقارنة بـبداية العام، وارتفاع الأعلاف بنحو 6 آلاف جنيه إلى 28 ألف جنيه، والذرة الصفراء بما يزيد على 3 آلاف جنيه؛ لتبلغ 17 ألف جنيه، خلال الفترة المقارنة ذاتها.

وقال هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، إن أصحاب المنتجات يحددون حاليًا لأسعار منتجاتهم، حسب سعر الدولار المتوقع من وجهة نظرهم في السوق الموازي، ومعروف عن تلك السوق، أنها خارج السيطرة، وتعمل وفق قواعد خاصة بها، ولا يمكن اخضاعها للقواعد المعروفة بالنسبة لسعر سوق الصرف.

ارتفع الأوفر برايس (سعر إضافي على السعر الرسمي) على أسعار السيارات المتوسطة، والفاخرة بمستوٍ، يتراوح ما بين 500 و750 ألف جنيه للتسليم الفوري، دون الانتظار لقوائم التسليم، ويقبل بعض الزبائن عليها رغم ارتفاع السعر المبالغ به؛ خوفا من زيادة الدولار مستقبلاً.

أضاف الخبير المصرفي، أن السوق الموازية لم تقتصر على أسعار العملات الاجنبية فقط، ولكتها امتدت لتشمل المنتجات والسلع المعمرة والعقارات، ومواد البناء مع نشاط واضح للسلوك المضاربي (الشراء بهدف الاستفادة من ارتفاع الأسعار مستقبلاً).

وقالت “مؤسسة كابيتال إيكونوميكس”، إن الجنيه ينزلق سريعا في السوق الموازية، إذ بلغ مستوى قياسيًا منخفضا عند 65.5 جنيها للدولار، أي أقل 53% عن السعر الرسمي، مرجحة الكشف عن اتفاق جديد مع الصندوق، تزامنا مع خفض لقيمة الجنيه أمام الدولار في وقت قريب من اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي.

وتبحث لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي في اجتماعها الأول لعام 2024 الخميس المقبل أسعار الفائدة، لكن توجد توقعات كبيرة من السوق، أن يمتد الاجتماع لقرارات أخرى في ظل الاجتماعات التي قام بها وفد مصري في واشنطن مؤخرا، وفي القاهرة الأسبوع الماضي.