أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر عن العام 2023، والذي يلاحظ أن الوضع الحقوقي هذا العام كان في أضعف حالاته على مستوى حرية الرأي والتعبير ومعاملة السجناء. دون أن يغفل إخلاء سبيل عدد من المحبوسين احتياطيا من سجناء الرأي وقرارات العفو الرئاسي عن بعض المحكوم عليهم من محاكم أمن الدولة، إلا أن هذا الملمح الإيجابي، ترافق في الآن نفسه مع ملمح شديد السوء وهو دخول المئات في دوامة الحبس الاحتياطي، والقبض على بعض الحالات ممن تم الإفراج عنهم.

لقراءة التقرير كاملا :

التقرير صدر في 14 صفحة، تتضمن مقدمة وثلاثة فصول، فضلاً عن عدد من التوصيات والمؤشرات.

في الفصل الأول المعنون ” الحق في الحرية ومعاملة السجناء”، رصد التقرير استمرار الانتهاكات المتعلقة بالحق في الحرية ومنها، استخدام الحبس الاحتياطي المطول، ضد سجناء الرأي، حيث استخدمت النيابات والمحاكم المختلفة الحبس الاحتياطي الذي يعد إجراء استثنائيا بشكل متزايد، وجرى استخدام آلية “التدوير” التي تؤدي إلى احتجاز الأفراد احتياطيًا لفترات، تتجاوز الحد القانوني للحبس الاحتياطي من خلال إضافتهم إلى قضايا جديدة.

كما رصد التقرير موافقة مجلس النواب بصفة نهائية على تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، معتبراً أنه تعديل إيجابي، في حين تضمنت التعديلات جانباً سلبياً، هو إلغاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، إذا كانت العقوبة المؤبد أو الإعدام.

في ذات جزئية الحق في الحرية، رصد التقرير الإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطياً، على تسع قوائم، مقابل تزايد إحالة المواطنين إلى نيابات أمن الدولة؛ بسبب بث فيديوهات، تتناول الأوضاع المعيشية والحياتية، أو بسبب آرائهم التي أدلوا بها على وسائل التواصل الاجتماعي.

السجون

في الفصل نفسه، وتحت عنوان “فيما يتعلق بمعاملة السجناء”، رصد التقرير تزايد الشكاوى من الأوضاع داخل عدة سجون منها، سجن بدر 3، وبشكل خاص؛ بسبب إنارة الزنازين طوال الليل، ومراقبتها عن طريق الفيديو، كما تزايدت الشكاوى من سوء الرعاية الصحية والإهمال الطبي. 

وكذا تزايدت ظاهرة الحبس الانفرادي بحق سجناء الرأي، وتسريب فيديوهات، تكشف تفاصيل حياة ثلاثة من قيادات الإخوان المسلمين داخل زنازينهم الانفرادية في سجن بدر شديد الحراسة، وهي الفيديوهات التي نفت الداخلية صحتها.

حجب المواقع

وتحت عنوان” حرية الرأي والتعبير”، يرصد التقرير استمرار القيود على حرية الإعلام، من خلال حجب مئات المواقع الصحفية التي تجاوزت الـ 562 موقعا، حيث أضيف إليها مواقع جديدة عام 2023، منها مواقع “مصر 360″، و”مدى مصر”، و”السلطة الرابعة”. واستمرار عمليات الاستهداف لصانعي المحتوى على اليوتيوب أو الفيس بوك، وإحالتهم لمحاكمات جنائية بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

ورصد التقرير الدور التقييدي للمجلس الأعلى للإعلام من خلال وضع، ما يسمى بـمدونات أخلاقية مقيدة للنشر، وإحالة المسئولين عن بعض المواقع للنيابة العامة.

وفي الفصل الأول، وتحت عنوان” الحق في المحاكمة العادلة”، لاحظ التقرير صدور قرار وزير العدل، بتعديل نظام جلسات تجديد الحبس الاحتياطي، والتنازل عن وجوب حضور المتهمين إلى مبنى النيابة، والاكتفاء بنظر الجلسات عبر تقنية الـ “فيديو كونفرانس”، وهو ما اعتبره تقرير “دام”، يمثل تضييقا على المتهمين، ويمس ضمانات المحاكمة العادلة.

ورصد التقرير في فقرة مستقلة أحوال “الحق في التظاهر السلمي” الذي استمر التضييق عليه أيضاً بموجب القانون 107 لسنة 2013، والذي تم استخدامه، ضد بعض التجمعات السلمية بمبرر تنظيم مظاهرة، دون إخطار، ولم يسبق أن سمحت السلطات بمظاهرات من خلال آلية الإخطار التي يحوطها كثير من القيود.

انتهاكات “الحق في الحياة”

أفرد التقرير فقرة خاصة لـ “الحق في الحياة” راصدا استمرار تطبيق عقوبة الإعدام في القانون المصري، وكذا وقوع عدد من حالات الوفاة؛ بسبب التعذيب البدني والنفسي من جانب أفراد الشرطة.

وفيما يخص قانون الإرهاب، استوقف التقرير إدراج عدد كبير من الناشطين والسياسيين على قوائم الإرهاب؛ ليصل عدد المدرجين عليها 5314 شخصا، منذ صدور قانون الكيانات الإرهابية.

القيود على العمل المدني

ورصد التقرير أيضا تحت عنوان “الحق في التنظيم” عددا من الملاحظات المتعلقة بمؤسسات العمل المدني والجمعيات الأهلية، والقيود التي يفرضها القانون على عمل وتسجيل منظمات العمل المدني.

الفقرة الثامنة في فصل الحقوق والحريات، جاءت تحت عنوان “الحق في المشاركة”، ورصد التقرير فيها الانتهاكات، والمضايقات بحقوق المواطنين أثناء الاستعداد؛ لإجراء الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر ديسمبر الماضي، والتي تمس حق الراغبين في تحرير توكيلات لمرشحي المعارضة وهما، أحمد الطنطاوي، وجميلة إسماعيل.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

بالانتقال إلى فصل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وجد التقرير، أن هذه الحقوق لم تشهد تقدماً يذكر، فلا يزال مشروع قانون العمل الجديد في أدراج مجلس النواب، وسط خلافات حول عدد من المواد التي تجور على حقوق العمال. في الوقت الذي تسبب الوضع الاقتصادي الصعب، وزيادة التضخم، وارتفاع اسعار السلع الأساسية في مزيد من تراجع مستوى المعيشة، وتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكثير من المواطنين.

نقطة مضيئة

الملاحظة الإيجابية، كانت تدشين اتحاد نقابي جديد، يجمع النقابات العمالية المستقلة، حمل اسم “اتحاد تضامن النقابات العمالية”، واستمرار بعض المبادرات الايجابية المتعلقة بالحق في الصحة، واستكمال تطبيــق نظــام التأمــين الصحــي الشــامل رغم ملاحظات نقابة الأطباء عليه.

وعن “مصر والآليات الدولية لحقوق الإنسان”، توقف التقرير عند مناقشة تقريرين قدمتهما الحكومة المصرية للجان الدولية المختصة، بمتابعة تطبيق الاتفاقيات التي صدقت عليها الحكومة، وهي اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التي تراقب تطبيق العهد الدولي للحقوق المدنية، والسياسية في شهر فبراير، وكذلك لجنة مناهضة التعذيب التي تراقب تطبيق الاتفاقية الدولية؛ لمناهضة كل أشكال التعذيب في شهر نوفمبر.

توصيات

واختتم مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” تقريره السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر عن العام 2023 بإبراز عدد من التوصيات شملت:

ـ تعديل مواد الحبس الاحتياطي الواردة في قانون الإجراءات، بما يضمن توافقها مع معايير المحاكمة العادلة، ووقف ظاهرة التدوير على ذمة قضايا أخرى، والإفراج عن كافة المحبوسين احتياطيا في جرائم الرأي والتعبير.

ـ الإفراج عن كافة الصحفيين والإعلاميين المحبوسين؛ بسبب تعبيرهم عن الرأي، أو بسبب عملهم المهني، ووقف حجب المواقع الصحفية.

ـ دعوة السلطات المصرية إلى التصديق على البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والسياسية، الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام. وتنفيذ التوصيات الصادرة عن المراجعة الدورية الشاملة في نوفمبر عام 2019، ولا سيما ما يتعلق بعقوبة الإعدام، وإلغاء كافة المحاكمات العسكرية والاستثنائية.

ـ تعديل قانون تنظيم العمل الأهلي، بما يتوافق مع المعايير الدولية، والتوقف عن استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، والإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان الصادر عليهم أحكام..

ـ إلغاء قرار وزير العدل، رقم 8901/2021، الذي يبيح عقد جلسات تجديد الحبس الاحتياطي، دون حضور المحتجز للمحكمة، إضافة إلى استئناف الزيارات للسجناء طبقاً لمواد لائحة السجون.

ـ مراجعة مشروع قانون العمل، وطرحه للنقاش مرة أخرى مع الأحزاب، والنقابات المهنية والعمالية، ضمانا لتحقيق حماية أكبر للعمال في القطاع الخاص، والعام والعاملين المدنيين بالدولة.

ـ التأكيد على الاشراف القضائي على مقار الاحتجاز، وقيام النيابة لعامة بالتحقيق في الشكاوى الواردة إليها من جانب السجناء.

ـ نقل الإشراف على السجون ومراكز الإصلاح والتأهيل لجهة خرى محايدة ومستقلة، يمكن أن تلحق بوزارة العدل، أو إنشاء إدارة قضائية إدارة التنفيذ العقابي تتبع الجهاز القضائي.

ـ إلغاء كل المواد المقيدة لحرية الراي والتعبير في قانون العقوبات، بحيث تتوافق مع مواد الدستور، ونصوص الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

ـ التأكيد على مراجعة وتعديل قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، والقانون رقم 8 لسنة 2015 بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013، بما يتوافق مع اعمال الحق في التجمع السلمي.

ـ تنفيذ الحكومة المصرية لتوصيات المراجعة الدورية التي وافقت عليها في جنيف أمام مجلس حقوق الإنسان عام 2019، وتوصيات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، ولجنة مناهضة التعذيب في مراجعتيهما خلال هذا العام.