بعد نحو 500 هجمة نفذها المستوطنون الصهاينة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة الإنساني، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بنهاية الأسبوع الماضي، توقيعه أمرا تنفيذيا بفرض عقوبات على أربعة من المستوطنين قاموا بأعمال عنف ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، في إجراء غير مسبوق حسب وصف موقع إكسيوس الأمريكي، حيث أشار مكتب الأمم المتحدة أن ثمانية فلسطينيين بينهم طفل واحد قد قتلوا جراء تلك الهجمات وأصيب نحو 115 آخرون. وبناءً على ذلك تم تجميد أموال هؤلاء المستوطنين ومنعهم من الحصول على تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية.

اللافت في الأمر التنفيذي، أنه  أشار إلى إمكان تطبيق نفس العقوبات على مسئولين بحكومة الدولة الصهيونية، حيث ورد فيه أنه ينطبق أيضًا على كل من يقوم بتوجيه، أو يسن قانونًا، أو ينفذ أفعالًا، من شأنها تهديد السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية.

كان المقصود بهؤلاء المسئولين على وجه الإشارة، وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتزائيل سموتيرتش الذي وصف تعبير “حملة العنف التى يقوم بها المستوطنون” الذى ورد بالأمر التنفيذي، بأنه محض كذبة ضد السامية، قائلًا: “أن ما يفعله المستوطنون هو لصالح تقوية إسرائيل، وإن تم تطبيق تلك العقوبات عليَّ، فليكن ما يكون”.

اللافت أيضًا أن هذا الأمر التنفيذي  وجد طريقه للنور قبيل ساعات من زيارة انتخابية للرئيس بايدن لولاية ميتشجان التي يشكل فيها صوت الأمريكيين من أصول عربية، وزنًا نسبيًا هامًا في الإنتخابات الأمريكية القادمة في نوفمبر من هذا العام.

كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أعلن  الخميس الماضي، أن على إسرائيل أن تتخذ العديد الإجراءات الواجبة للحيلولة دون أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، مضيفًا أن بلاده ستواصل إتخاذ المزيد من الإجراءات لتفعيل سياساتها الخارجية بما في ذلك إمكان حل الدولتين، وأنها ملتزمة بسلامة وأمن وكرامة الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

من ناحية أخرى، صرح اثنان من موظفي الخارجية الأمريكية لموقع إكسيوس، أن الوزير بلينكن كان قد كلفهما مؤخرًا بإعداد وتقديم مذكرة تتضمن الخيارات السياسية المتاحة للولايات المتاحة والمجتمع الدولي للإعتراف بدولة فلسطينية بعد أن تضع الحرب في غزة أوزارها. وقد أشار هذان الموظفين أن توجيهًا قد صدر لهما من بلينكن لدراسة اقتراح كان نتنياهو قد عَرَضَه مرارًا منذ 2009 حتى 2015 بشأن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بغرض إستعراض كيفية تطبيق حل الدولتين كأحد الخيارات السياسية المتاحة، بشكل لا يمثل تهديدًا للدولة الصهيونية.

يرى موقع إكسيوس أن الخيارات السياسية المتاحة للولايات المتحدة تتضمن:

  1. إعتراف ثنائي بالدولة الفلسطينية.
  2. عدم إستخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن لقبول دولة فلسطين كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة.
  3. تشجيع دولٍ أخرى على الاعتراف بدولة فلسطين.

من المهم في هذا السياق أن نشير إلى أن تغييرًا في النظرة الإستراتيجية الأمريكية كان يُتدَاوَل في الأيام الأخيرة بالغرف المغلقة للخارجية الأمريكية، قد خرج للنقاشات العلنية في إطار التنافس التاريخي بين الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض.

يتعلق هذا التغيير بتطور مستوى تدخل الولايات المتحدة في حسم موضوع الدولتين الذي كانت سياستها إزاءه قد تأسست ،منذ زمن طويل، على قاعدة تركه للمفاوضات التى لا تنتهي بين طرفي النزاع.

مجلس الأمن القومي الأمريكي، أعلن بعدما أثير عن توجيهات وزير الخارجية الأمريكية لموظفيه بحث الخيارات السياسية المتاحة بغرض التدخل المباشر: “إن سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد هي أن أي اعتراف بدولة فلسطينية يجب أن يأتي من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين وليس من خلال اعتراف أحادي الجانب في الأمم المتحدة. إن هذه السياسة لم تتغير”.

ورغم إصرار مجلس الأمن القومي الأمريكي على وجهة نظره التاريخية، إلا أن مقتضى الحال في الوقت الراهن يشير إلى أن احتمالات تبنى الرئيس بايدن لوجهة نظر وزارة الخارجية، هي احتمالات تتزايد، أخذًا بالإعتبار أنها مبنية في تركيزها الأكبر، على الضفة الغربية دون غزة، خصوصًا وإن ربطنا بين تلك الإحتمالات وبين العقوبات الأخيرة على المستوطنين التي تناولت جرائمهم في الضفة الغربية فقط.

ليس هناك شكٌ في أن الولايات المتحدة الأمريكية ضالعة في المقتلة اليومية الجارية في غزة والتي دخلت شهرها الخامس، وليس هناك شك في أن عقوباتٍ موجعة لن تطال ،بأي حال، مسئولين صهاينة من أمثال بن جفير وسموتريتش، لكن ما صدر من عقوباتٍ إزاء جرائم المستوطنين في الضفة مع الصمت التام بل والحث على المزيد مما يفوقها من جرائم أشد وأكثر عنفًا في غزة، يشير أن محور ارتكاز رؤية الخارجية الأمريكية لحل الدولتين، الذي سيكون أكثر إغراءً للبعض هذه المرة، هو مؤَسس على مبدأ الفصل النفسي والعضوى بين الضفة وغزة، حيث تلعب الخارجية الأمريكية على ورقة الخلاف بين سلطة الحكم الذاتي وبين حماس لتحقيق مزيد من تشتيت الصف الفلسطيني، كي تتمكن من إخراج الدولة الصهيونية من مأزقها الحالي في غزة مع عدم تحميلها عبء تنازل سياسي باهظ الثمن.

ولعل فصائل المقاومة قد تنبهت لهذا الأمر، فلم تقتصر في مفاوضاتها غير المباشرة لتبادل الأسرى على رجالها فقط، بل أصرت -وما زالت- على تضمين قوائم تبادل الأسرى، اسمين هامين في التاريخ الفلسطيني الحديث من خارجها، وهما القائد الفتحاوي مروان البرغوثي والمناضل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وربما يؤسس هذا الإصرار المحمود من قبل فصائل المقاومة، لتطور في العلاقة بين تلك الفصائل ومنظمة التحرير، وهو ما دعا إليه كاتب هذه السطور مرارًا، بما يفضي إلى تركيب جديد في هيكل المنظمة إن انضمت فصائل المقاومة الأساسية الثلاث: حماس والجهاد والجبهة الشعبية-القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية، بإعتبارها الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطيني، في وحدة تنظيمية ينتج عنها برنامج عمل جامع للتعاطي مع مقترحات الخارجية الأمريكية، بصورة تتيح لفصائل المقاومة تصويبًا ديمقراطيًا- من داخل المنظمة- لأي مسارات انحراف محتملة تُهدر تضحيات الشعب الفلسطيني الأسطورية وتُحبط آماله في دولة مستقلة حقيقية.