مع وصول أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، إلى العراق بعد احتدام أزمة الهجوم على القاعدة الأمريكية في شمال شرق الأردن، الذي نفذته كتائب حزب الله العراقي، تطوي طهران سريعا صفحة التوتر مع حكومة محمد شياع السوداني ببغداد.
كانت العلاقة شهدت توترات عرَضية، رغم انتماء السوداني لـ “الإطار التنسيقي”، والذي يضم مجموعة الأحزاب المؤيدة لإيران.
وتتزامن زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مع محاولات طهران تهدئة، وتخفيض الدور الميداني الذي تقوم به القوى الولائية “التي تؤمن بولاية الفقيه كما في إيران”، وتفادي أي تصعيد من شأنه، أن يؤدي لصراع مباشر مع الولايات المتحدة، وقد سبق وأعلن المرشد الأعلى في إيران، والرئيس إبراهيم رئيسي، عدم رغبتهما في أي صدام خشن مع واشنطن.
ولا يختلف الرأي ذاته في واشنطن، إذ إن إدارة جو بايدن أكدت، أنها غير راغبة في توسيع دائرة الصراع. بل ألمحت إلى أن ردها على مقتل جنودها في الأردن، لن يخرج عن دائرة نفوذ إيران بسوريا والعراق، دون ضرب الداخل الإيراني الذي سعى له الجمهوريون.
وقال السوداني لـ “أحمديان”، إن بغداد “ترفض أي أعمال أحادية الجانب، تقوم بها أي دولة، بما يتنافى والمبادئ الدولية القائمة على الاحترام المتبادل للسيادة”.
وأكد على ضرورة وأهمية: “مبدأ حسن الجوار، وإقامة أفضل العلاقات مع دول المنطقة ودول العالم، لكن بالوقت ذاته لا نجامل على حساب سيادة العراق وأمنه”.
ضربة مؤثرة
وقد نفذت الولايات المتحدة مساء أمس الأربعاء ضربة مؤثرة، نجم عنها مقتل قياديين في كتاب حزب الله العراقي. وذكرت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” في بيان عبر منصة التواصل الاجتماعي إكس/ تويتر: “في الساعة 9:30 مساء في 7 فبراير، شنت قوات القيادة المركزية الأمريكية ‘سنتكوم’ ضربة من جانب واحد في العراق؛ ردا على الهجمات على أفراد الخدمة الأمريكية، مما أسفر عن مقتل المسؤول عن التخطيط المباشر، والمشاركة في الهجمات على القوات الأمريكية في المنطقة”.
وقالت إنه “لا توجد مؤشرات على وقوع أضرار جانبية، أو خسائر في صفوف المدنيين في هذا الوقت”.
وتابعت: ستواصل الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية شعبنا، ولن نتردد في تحميل المسئولية لكل، من يهدد سلامة قواتنا”.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية “واع” بيانا عن هيئة الحشد الشعبي، أكدت فيه مقتل “أبو باقر الساعدي الذي قضى في غارة أمريكية؛ جراء استهداف عجلته في منطقة المشتل شرقي العاصمة بغداد”.
ووفق تصريحات خاصة، نقلتها وكالة الأسوشيتد برس عن مسئولين في كتائب حزب الله، فالضربة طاولت ثلاثة أعضاء في الكتائب، منهم قائد رفيع المستوى.
وأضاف المسئولان للوكالة التي لم تكشف عن هويتهما، أن “أحد القتلى يدعى، وسام محمد المكنى “أبو باقر الساعدي”، وهو القائد المسئول عن عمليات كتائب حزب الله في سوريا”.
وقالت خلية الإعلام الأمني الحكومية، إن “فريقا فنيا مختصا من الأجهزة الأمنية شرع بالتحقيق في حادث استهداف عجلة “سيارة” مدنية ضمن منطقة المشتل شرقي العاصمة”.
وأضافت أن “الاستهداف أدى إلى احتراق العجلة، ومقتل من في داخلها، مبينة أن التحقيق لا يزال مستمرا لمعرفة وسيلة الاستهداف ومصدره”.
وفي خضم هذه النتائج، والحوادث المتسبب فيها الهجوم ضد القوات الأمريكية، تأزمت العلاقة بين العراق وطهران مؤخراً.
التأزم لم يكن فقط بسبب موقف كتائب حزب الله العراقي، والذي نجم عنه تجميد أنشطتها، ثم إعلان طهران عدم إبلاغها بهذه الخطوة غير المحسوبة وفق الباحث العراقي منتظر القيسي، الذي قال لـ “مصر 360” إن استهداف منزل بالمُسيرات في أربيل لرجل أعمال كردي بزعم علاقته بالموساد، أو أن البيت “مقر تجسس إسرائيلي” كان ذروة الصراع، والذي وصل حد التهديد باللجوء لمجلس الأمن الدولي، وتقديم شكوى.
هدف الزيارة
وبحسب القيسي، فإن هدف زيارة علي أكبر أحمديان متصل بجانب، بات مهما ومحوريا في العلاقة بين طهران، وبغداد مؤخرا وعلى خلفية الحرب في غزة.
وهذا الهدف يتعلق بالضغط حتى النهاية من أجل إرغام قوات التحالف على الانسحاب من العراق، وهي فرصة طهران لتحقيق “نصر سياسي عبر وكلائها ضد القوات الأمريكية، الأمر الذي يصب في مصلحة حكومة السوداني والتي هي حليف سياسي مهم لإيران”.
ومن المتوقع، أن تشهد عملية الانسحاب الأمريكي من بغداد نحو عام. حيث إن “التحالف لن يباشر بالانسحاب فورا تحت ضغط الهجمات الإيرانية، فضلا عن رغبته في تفادي تكرار سيناريو الفوضى بأفغانستان”.
وهنا قال السوداني، إن “العراق بذل، ولا يزال يبذل، جهوداً كبيرة؛ من أجل حفظ الاستقرار، وتحقيق التهدئة، بما يصبّ في المصلحة المشتركة لمختلف شعوب المنطقة”.
فيما عبر المسؤول الإيراني عن “التزام إيران بأمن العراق واستقراره، إلى جانب حرصها على مواصلة العمل طبقاً للاتفاق الأمني المشترك، بما يحفظ أمن البلدين الجارين”.
أبعاد وسياقات
ويشير القيسي، إلى أن زيارة المسئول الإيراني، يمكن النظر لها من خلال هذه الأبعاد، وتلك السياقات التي يتقاطع فيها السياسي مع الأمني والإقليمي.
كما أنها تحمل أهمية من جانب كون “بغداد وسيط مهم، تصل من خلاله رسائل إيران للولايات المتحدة”.
وتتخوف طهران في حال واصلت القوى المسلحة بالعراق تصعيدها ضد المصالح الأمريكية، وبالتبعية نفذت واشنطن استراتيجيتها كاملة ضد النفوذ الإيراني. أن تتقوض مساحة حركتها الجيواستراتيجية من خلال الممر البري الواصل بين بغداد وبيروت وسوريا، الأمر الذي يجعل إيران تخسر نفوذا استراتيجيا هائلا. وهذا ما يفسر سرعة التحرك الإيراني باتجاه بغداد، وإعلانها عدم معرفتها، بما نفذته كتاب حزب الله العراقي.
كان المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قد عقد اجتماعا طارئا مطلع الأسبوع، معربا عن قلقه العميق، من أن الولايات المتحدة سوف تنتقم بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وإصابة أكثر من 40 آخرين في الأردن.
وناقش المجلس، الذي يضم الرئيس ووزير الخارجية وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدي المرشد الايراني، كيفية الرد على السيناريوهات المتوقعة بشأن الهجوم الأمريكي على إيران بشكل مباشر، أو توجيه ضربات ضد الميليشيات.
توظيف الإصلاحيين
تضع إيران في حساباتها رؤية مزدوجة، بحسب المصدر ذاته، موضحا أنه “وبينما تسعى؛ لتفادي أي صراع محتدم، ومباشر أو داخل إيران، فإنها تنطلق في الوقت ذاته نحو بعث أدواتها الخارجية الناعمة، والتي تحوز ثقة في الولايات المتحدة، والمحسوبة على التيار الإصلاحي، حيث ظهر مؤخرا الوزير السابق للخارجية محمد جواد ظريف، بعد فترة تهميش رافقها هجوم عليه، وهجوم مضاد منه على الحرس الثوري، الذي اعتبر ظريف، أنه يغلب مصالحه أو بالأحرى، يوظف السياسة الخارجية لحساباته العسكرية والميدانية.
وخروج ظريف، لإدارة الأزمة الحالية من بين الأمور اللافتة، لأنه من الشخصيات التي تملك قدرة على تجاوز الأفق الصعب، وربما بمقدوره التحاور مع واشنطن”.
مع الاستهدافات التي تقوم بها واشنطن في العراق وسوريا، تحاول إدارة بايدن “السير على حبل مشدود”. فهي تريد تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب شاملة بالمنطقة، وفي نفس الوقت ردع الجماعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني. غير أن هذا التوازن يبدو “صعباً”. يقول القيسي.
يشير المصدر العراقي إلى نقطة لافتة، وهي أن إيران تستغل بعض التوجهات في الولايات المتحدة التي تضغط باتجاه الانسحاب من سوريا، وتحديدا مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا، خاصة في البيت الأبيض والكونجرس، بهدف الاستكمال عليها، وتسريع وتيرة حدوثه، بما يتيح الفرصة لانسحاب مماثل من العراق. يُمكن إيران من تعزيز نفوذها. لكن ما زالت هذه الخطوة تعترضها تعقيدات جمة.
فالتسريبات حول تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مع نظام الأسد تحت لافتة مكافحة داعش، ما زال أمرا بعيد المنال، ولا يمكن توقع أن تكون القوات الكردية، ونظام الأسد “حلفاء طبيعيين”. كما أن تركيا التي تحتل المناطق الكردية بشمال غرب سوريا، لن تسمح بأي تكتل أو شرعنة لوجود القوات الكردية ضمن حكومة دمشق.