تكرر الحديث عن قرب التوصل لصفقة بين حماس وإسرائيل، رغم أن الأخيرة لم توافق على مقترحات حماس، فيما يتعلق بوقف إطلاق نار، يستمر أكثر من 100 يوم، وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم في شمال غزة، والإفراج عن جانب من الأسرى الإسرائيليين، مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.
واللافت، أن كل هذه المفاوضات التي تجري، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وحتى مفاوضات باريس الأخيرة، ثم الدوحة فالقاهرة، تتم بشكل غير مباشر وعبر وسطاء، أي أن حماس لم تحضر هذه المفاوضات، وغابت بالطبع السلطة الفلسطينية التي لا زالت علاقتها مقطوعة مع حماس، وتعتبرها الأخيرة لا تمثلها.
ويبقى السؤال، هل هذا الوضع طبيعي وهل سيستمر إلى ما لا نهاية؟ وهل هناك بدائل لحماس في داخل غزة، أو هناك بدائل من داخل خط حماس، يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي، وتستطيع أن تتفاوض باسم أهل غزة، وتصبح في النهاية جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية؟
الواضح إنه لا يوجد حتى اللحظة بدائل إلا من داخل خط حماس، (وليس بالضرورة من داخل تنظيمها) ولا بد من إعدادها كبديل للوضع الحالي الذي نجد فيه لأول مرة حركة مقاومة، لا يستطيع قادة جناحها السياسي التواصل الدقيق مع جناحها العسكري، ولا مع العالم، وحتى المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني، ليس لها علاقة بقادة حركة حماس السياسيين، كما لا توجد أي علاقة بينهم، وبين المنظمات الإنسانية و الحقوقية الدولية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، على عكس تجارب حركات التحرر الوطني التي كان لقادتها السياسيين حضور في كل دول العالم، من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا بجبهة التحرير الجزائرية، وانتهاء بالمؤتمر الوطني الإفريقي، ومثلوا غطاء شرعيا للجناح العسكري، وحاولوا قدر الإمكان، أن يؤثروا في الرأي العام العالمي، ويدافعوا عن قضايا شعوبهم، وهو بلا شك غير متاح لحركة حماس؛ لأسباب تتعلق ببنيتها العقائدية، والأيديولوجية واستهداف إسرائيل لها.
الحوارات التي تجري بخصوص وقف إطلاق النار، ومستقبل قطاع غزة، لا تشارك فيها حماس، وتدور بالأساس حول سيناريوهين أساسيين.
السيناريو الأول، وهو سيناريو الغطرسة الإسرائيلي، والذي عبر عنه نتنياهو أكثر من مرة، وأعلن فيه رفضه لحل الدولتين، واعتبر أن اتفاق أوسلو الذي مثل اتفاق السلام الوحيد بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، هو سبب عملية 7 أكتوبر، كما أعلن أمس تحفظه على مقترحات حماس؛ لكي يدخلها في “ثلاجة” جديدة، تسمح له بالاستمرار في عدوانه على قطاع غزة، وفي نفس الوقت سبق، وأعلن رفضه لعودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة، واعتبر أن فتح وحماس وجهان لعملة واحدة، وإنه يرفض حكم ” فتحستان” و”حمستان” معتبرهما وجهان للتطرف والإرهاب، ورفض حق الفلسطينيين في السيادة، وبناء دولتهم المستقلة في الضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية.
والمؤكد أن هذا السيناريو الذي يقوم على سيطرة إسرائيل الأمنية والعسكرية على قطاع غزة، يفترض لنجاحه اجتثاث ليس فقط حماس، إنما اجتثاث فكرة المقاومة من الأساس، وهو أمر غير وارد حدوثه لا في المستقبل القريب أو البعيد.
السيناريو الثاني، وهو ما تطرحه الإدارة الأمريكية مدعوما بأفكار عدد من مراكز الأبحاث الأمريكية، ويقوم على عودة السلطة الفلسطينية “متجددة” أي هناك اعتراف بمشاكل السلطة، وهناك رغبة أمريكية بعودتها لإدارة غزة، ولكن بعد دعم قدرتها الأمنية والسياسية وتجديدها، حتى تستطيع أن تدير قطاع غزة. هذا السيناريو رفضته السلطة “علنا”، ولكن هناك مفاوضات تجري معها بشأنه “سرا”، ولا زال يواجه صعوبات كثيرة في تطبيقه؛ لأنه لا يحل مشكلة حماس، ويستبعد حضورها السياسي.
والحقيقة إنه أمام بشاعة الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، والتوجه العالمي لوقف إطلاق النار، غاب الاهتمام ليس فقط بالمفاوض الفلسطيني، إنما أيضا من يمثل بصورة موحدة الشعب الفلسطيني في أي مفاوضات قادمة في اليوم التالي؛ لتوقف الحرب.
خطورة الحلول المقترحة، أنها تتجاهل وجود حماس السياسي، وكأنها تنتظر انتهاء الحرب؛ لتقول إن المشكلة في الانقسام الفلسطيني، وفي الخلاف بين فتح وحماس والتباين بين الضفة وغزة، حتى تضيف دولة الاحتلال مزيدا من العراقيل أمام أي تسوية سلمية قائمة على حل الدولتين.
الانقسام الحالي تأثيراته سلبية على أي مفاوضات حالية بخصوص هدنة أو وقف إطلاق نار، أو تبادل أسرى لا تشارك فيها حماس، وستكون شديدة السلبية في أي مفاوضات تتعلق بتحديد مستقبل غزة، أو حكمها وهو أمر سيعقد من الوضع الفلسطيني، ومن فرص التسوية.
التسوية السلمية العادلة القائمة على دولة فلسطينية مستقلة، سيعني حضور حماس السياسية، وتراجع حماس العسكرية، فيقينا لا يمكن لحركة مقاومة مسلحة، أن تنتصر بعمليات عسكرية فقط، مهما كانت درجة اتقانها، أو تأثيرها على الاحتلال، ولا بد أن يكون لها حضور سياسي مهمته الأساسية ليست إدارة الخلافات مع السلطة الفلسطينية، ولا إدارة التحالفات مع داعمي حماس، إنما التواصل مع الرأي العالم العالمي وقواه الحية وامتلاك مهارة التفاوض، وقبول الحلول المرحلية التي تخدم الهدف الاستراتيجي في بناء الدولة الفلسطينية.
ليس مطلوبا تصنيع نخبة سياسية فلسطينية على المقاس الغربي، كما فعلت الولايات المتحدة في تجاربها الفاشلة في أفغانستان والعراق، إنما مطلوب أن يعمل الجميع عربيا ودوليا على دعم صعود تيار سياسي، يعبر عن حركة حماس، أو عن مشروع سياسي قريب من حماس، وأن يكون جاهزا؛ ليصبح جزءا من منظمة التحرير، ويدخل في أي مفاوضات قادمة، تتعلق بمستقبل قطاع غزة؛ تمهيدا للدخول في المفاوضات الأصعب، والغير مؤكد نجاحها، المتعلقة بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.