بتاريخ 28 يناير وافق مجلس النواب المصري على مشروع تعديل قانون حماية المنشآت العامة، وقد أشار تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إلى أن التعديل في القانون الهدف منه؛ توحيد الأحكام والقوانين المنظمة بشأن استمرار معاونة القوات المسلحة لجهاز الشرطة في حماية المنشآت العامة والحيوية، بما في ذلك التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية، ومنها السلع والمنتجات التموينية، وغيرها من المقومات الأساسية للدولة، أو مقتضيات الأمن القومي، والتي يصدر لها قرار من رئيس الجمهورية.
وقد سبق، أن وافق مجلس النواب على تعديلات تشريعية بموجب القانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن حماية المنشآت العامة؛ والمرافق الحيوية، وقد سمحت هذه التعديلات في قانون حماية المنشآت العامة بتوسيع اختصاص القضاء العسكري في نظر القضايا التي ترتكب، أثناء قيام القوات المسلحة والشرطة بتأمين المنشآت العامة والحيوية، وهكذا يتحول هذا الاختصاص إلى وضع دائم، ولا يتعلق فقط بوجود من حالة استثنائية إلى حالة الديمومة، وإن كان قد تم ذلك على ثلاث مراحل تشريعية، إلا أنه قد بات حقيقة واقعة الآن.
وأهم ما يمكننا التنويه إليه في التشريع الأحدث، ما جاء في المادة الثانية، من أنه يتعاون مأمورو الضبط القضائي بالقوات المسلحة في جميع الإجراءات المقررة قانوناً لمأموري الضبط القضائي بالشرطة؛ لمواجهة الأعمال أو التعديات التي من شأنها الإخلال بسير عمل المرافق العامة، والحيوية بالدولة أو الخدمات التي تؤديها، وبالأخص الجرائم التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية من سلع، ومنتجات تموينية، وذلك كله بما يحفظ المقومات الأساسية للدولة، ومكتسبات الشعب وحقوقه أو مقتضيات الأمن القومي، والتي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، أو من يفوضه بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني.
إذ لم يقف الأمر عن الحد الموجود في المادة الأولى من هذا القانون من نصها على حماية، وتأمين المنشآت والمرافق العامة والحيوية، وهي من الأمور التي بها من التوسع التجريمي ما يكفي، وبحسب تعليق الأستاذ الدكتور/ رأفت فودة على هذا القانون على صفحته الشخصية (فيس بوك) من قوله نصاً: “ورد في هذين المادتين كلمات، تعتبر مواد خام لصناعة المسمار الذي سنستخدمه حالا، منها (المرفق العام، ولم يستقر الفقه إلى اليوم عن تعريف جامع مانع له، المرافق الحيوية فهل من عبقري مكشوف عنه الحجاب، يضع لها تعريفا واضحا؟ مكتسبات الشعب وحقوقه، ولا أدري هل هي التي بالدستور؟ نعم ولكن لم تطبق، منذ صدور الدستور، هي والدستور، أم أن رئيس الجمهورية سيمنحها له في قراره الذي سيحددها؛ تمهيدا لخضوع الاعتداء عليها للقضاء العسكري؟ والجرائم التموينية، فهنا يخرس اللسان، وتضمحل قدرات العقل العاقل عن الإلمام بها!! فهل هي التي تقع على السلع التموينية المدعومة؟ لم يعد هناك دعم إلا على الأرغفة ذات الخمسة قروش. أم هي التي تقع على كل ما يؤكل؟وكيف إذن تجرم والدولة لا تدعمها؟ وهل سيدخل فيها قرص الطعمية ذات الاثنين جنيه، أم ذات الخمسة جنيهات؟ بالتأكيد بيض النعام ليس منها؟ لست متأكدا ومعذرة!! طب والمياه هل تعد سلعة خاضعة لهذا القانون؟ وكمان سم الفئران؟
وبشكل عام، أرى أن ذلك بات دأبًا مستمراً، لدى الشارع المصري، إذا ما افترضنا، أن مجلس النواب يقوم بدور تشريع حقيقي، ولا يقف عند حد موافقات مستمرة، على ما تقدمه الحكومة، صاحبة السلطة الفرعية للتشريع، فإن ما جاء بهذا القانون من التوسع في استخدام الألفاظ المطاطة، كما بات طبعاً عامًا للتشريعات الجنائية، أن تتوسع في المعاني العقابية، ذلك على الرغم، من أن الأصل العام الذي تقوم عليه التشريعات الجنائية في كل الفلسفات، والمدارس الجنائية والعقابية هو تأسيسها، على أن الأصل في الإنسان البراءة، وأن التجريم وحظر الأفعال هو استثناء من القاعدة الأصلية، كما أن كافة التشريعات الجنائية الحديثة قد استقرت على مجموعة من القواعد الأصولية، وأقرتها كذلك الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وإن كان التشريع الإسلامي، قد سبقها في ذلك، وتلك الأصول تدور حول عدم جواز معاقبة غير المتهم، وأن العقوبة شخصية، وهو ما جاء في القرآن الكريم، بقول المولى سبحانه: “ولا تزر وازرة وزر أخرى “، وهو ما يتأصل عنه، ويندرج تحت أساسه، أن العقوبة يجب أن تتوان مع حجم الجريمة ووطأتها، وهو ما عبر عنه فقهاء القانون الجنائي بمبدأ التناسب بين الجريمة والعقاب.
وتقوم فلسفة مبدأ قانونية الجريمة والعقاب، وتتمحور حول فكرة أساسية، مفادها الموازنة بين المصلحة العامة، والحريات العامة، وتهدف في آن إلى حماية المصلحة العامة، وحماية الحريات الفردية. كما تتجسد حماية المصلحة العامة في إسناد وظيفة التشريع إلى المشرع وحده تطبيقاً لمبدأ انفراد المشرع بالاختصاص التشريعي في تنظيم الحقوق، والحريات العامة لتكون بيد ممثلي الشعب لا بيد رجال السلطة التنفيذية، بينما تتجسد حماية الحريات العامة من خلال تبصير الأفراد، بما هو غير مشروع من الأفعال قبل الإقدام عليها، بما يضمن لهم الطمأنينة، والأمن الشخصي، ويحول بذلك دون تحكم القاضي بحرياتهم الشخصية. كما يجب أن تتوجه سياسة التجريم إلى حماية المصالح الاجتماعية، والتي تقتضي حماية المجتمع والإنسان من الاعتداء عليه، وتتضمن سياسة التجريم أيضا بيان القيم والمصالح الجديرة بالحماية العقابية، ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها وتدميرها كليا أو جزئيا، أو التهديد بانتهاكها؛ لأن الأضرار الجنائية ما هي إلا نشاط مخل بالحياة الاجتماعية، وكل مجتمع يحتفظ بقواعده وأفكاره، وقيمه التي تضبط النظام الاجتماعي. فالقواعد الاجتماعية تنظم سلوك الأفراد والجماعات التي تمثلهم، وبعض هذه القواعد تهتم بها سياسة التجريم، فتنقلها إلى قانون العقوبات، وفي هذا الإطار تباشر الدولة وظيفتها الجزائية؛ لحماية المصالح الاجتماعية التي تسود المجتمع؛ فتختار الجزاء الأكثر صلاحية، والأقرب إلى التعبير عن مدى تقدير المجتمع لأهمية هذه المصالح. فإذا قدرت الدولة، أن المصلحة تستحق أقصى مراتب الحماية القانونية، عبرت عن ذلك بالعقوبة.
لست أدري إلى أي مدى ستظل السياسات الجنائية والعقابية، تمثل سبيلاً أمام السلطة لحل المشكلات الاقتصادية أو المجتمعية، وليس يكون لديها سوى ذلك السبيل، الذي لا يفي حلاً بهذه المشكلات، ولا يمكن أن تكون الغلظة العقابية هي النموذج الأوحد لدى السلطة، كما وأن الزج بالقضاء العسكري أو القوات المسلحة في أوقات، لا تتسم بالنزاعات المسلحة، أو ذات ضرورة لتدخل النموذج العسكري كشريك في الحلول ذات البعد الاقتصادي، أو الاجتماعي من الأمور التي قد تزيد الأمور تعقيداً، وليس حلاً، كما وأنه يبعد القوات المسلحة عن أهدافها الحقيقية في الدفاع عن البلاد، ويخرج بها عن نسقها الطبيعي.
لقد زادت مساوئ البنية التشريعية المصرية، حتى باتت تمثل خطًا غليظا بالعصا، كما باتت النصوص التشريعية في السنوات الأخيرة تمثل نموذجا؛ لسوء الصناعة القانونية، فهل من مخرج لذلك على الرغم من كون المجتمع المصري به سادة في القانون وفقهاء في التشريع، لا بد من الاستعانة بهم، حتى تكون لدينا بنية تشريعية أو صناعة قانونية تتشابه مع النماذج الدولية.