“أنا رجل عجوز حسن النية، ولديَّ ذاكرة جيدة. بحق الجحيم، أنا أعرف ما أفعل. لقد كنت رئيسًا، وأوقفت هذا البلد على قدميه مرة أخرى. لست بحاجة إلى توصيته”. هكذا تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر صحفي، انعقد يوم الخميس الماضي؛ للتعليق على تقرير لوزارة العدل، كان المحقق الخاص روبرت هور، قد أعَدَه حول احتفاظ بايدن بمعلومات سرية، وقت أن كان عضوًا بمجلس الشيوخ، ثم نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما. لم يسفر تقرير المحقق هور، الذي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد قام بتعيينه، إبان ولايته، كمُدَعٍ عامٍ لولاية ميريلاند، عما يدين بايدن في مسألة الاحتفاظ بالمعلومات السرية، لكنه وصفه بأنه “رجل عجوز حسن النية، وذو ذاكرة ضبابية ضعيفة”.
وكما لم يترتب على تقرير هور أي إدانة جنائية بحق بايدن، فهو لم يأت بنتيجة سلبية ذات أهمية حاسمة في الصراع السياسي بين بايدن، والذئب العجوز الآخر دونالد ترامب، الذي يصغر بايدن بأربع سنوات فقط. انبرى أنصار بايدن في الدفاع عنه على أرضية، أن نطاق تقرير هور ليس مجالًا لاستعراض آرائه؛ بشأن ذاكرة الرئيس رغم اعترافهم بزلات لسانه المتكررة، بينما استغل الجمهوريون من أنصار دونالد ترامب، الأمر للتشكيك في أهلية بايدن، ولياقته الذهنية؛ ليحكم كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات أخرى وسط أزمات دولية بالغة الخطورة.
أشارت الجارديان البريطانية في رصدها لردود الأفعال إلى تصريح للسيناتور الأمريكي تومي بالدوين، عن ولاية ويسكونسن لجريدة ميلووكي جورنال سينتينيل، أنه يصدر أحكامه على الرؤساء بناءً على ما قدموه للبلاد، وعلى إنحيازاتهم الاجتماعية، مضيفًا “أن للرئيس بايدن سجلًا حافلًا بالإنجازات في خلق وظائف بمرتباتٍ جيدة، وفي إعادة تشييد البنية التحتية، وخفض أسعار الدواء. أظهر الرئيس بايدن مرارًا وتكرارًا إنحيازه للطبقة العاملة”. أشارت الجارديان كذلك إلى تصريح لمارك بوكان، وهو نائب ديمقراطي من ماديسون جاء فيه: “أخذا بالاعتبار، أنه ما زالت تفصلنا عن الانتخابات تسعة أشهر، فالجميع يعلم، أننا بصدد مرشِحَين عجوزين يتنافسان على منصب الرئيس، الفارق بينهما، هو أن أحدهما قد قدم الكثير من الإنجازات للشعب الأمريكي، بينما استخدم الآخر خطاب الكراهية؛ لتقسيم الأمة الأمريكية على نحو لم يسبق له مثيل”. صبيحة السبت الماضي، بدأت كاميلا هاريس، بأداء دورها التقليدي، حسبما يمليه عليها منصبها كنائب للرئيس، في قيادة هجومٍ مضادٍ لخصوم الرئيس قالت فيه: “إن تقييم هور لقدرات بايدن العقلية لا مبرر له، وغير صائب، وليس مناسبا أبدًا”، لتضيف، “إن الطريقة التي تم بها وصف سلوك الرئيس في تقرير هور لا يمكن أن تكون أكثر خطأً، مما جاءت عليه، وأنها ذات دوافع سياسية”. على الجانب الآخر، توالت تصريحات الجمهوريين اللاذعة، إذ صرح النائب الجمهوري توم تيفاني عن ولاية ويسكونسن، تعليقًا على ما ورد بالتقرير الذي جاء فيه، أن ذاكرة بايدن الضعيفة لا تؤهله للوقوف أمام هيئة المحلفين: “لا يمكن اعتبار بايدن غير لائق للوقوف أمام هيئة المحلفين، بينما يكون في نفس الوقت لائقًا، لأن يكون رئيسًا لأمريكا”.
نشر موقع إكسيوس الأمريكي مساء السبت أخبارًا، عن أن الرئيس بايدن كان يعلم في مطلع الأسبوع الماضي، بأن تقرير هور سيصدر قريبًا، دون إحاطته بميعادٍ محدد، لكنه علم بما جاء فيه؛ فاستشاط غضبًا، بعدما عرف باحتواء التقرير على ملاحظةٍ في سياق التدليل على ضعف ذاكرته، بشأن أنه لم يتذكر ميعاد وفاة ابنه عام 2015، متأثرًا بورم في المخ، وقرر المواجهة بالإجابة على أسئلة الصحفيين عند صدور التقرير رسميًا. بينما كان بايدن على وشك التوجه لاجتماعٍ حزبي بولاية فيرجينيا يوم الخميس الماضي، أصدرت وزارة العدل التقرير. بعد عودته لواشنطن، تحدث بايدن للصحفيين في المساء، وكان غضبه واضحًا، فاستعمل خطابًا عاطفيًا، لكنه حادٌ بدرجةٍ ما، وإن عاد فَكَرَرَ زلات لسانه، وأسهب في أكاذيب جديدة.
الثابت حتى هذه اللحظة، أننا سنشهد منافسة على المنصب الأرفع بين اثنين من عجزة السياسة الأمريكية، لكل منهما نقاط ضعف جَلية، وأننا سنكون أمام مشهد انتخابي سيحكمه خطاب لاذع وبالغ الحدة، وإن كان حسمُ الترجيح يخضع لحساباتٍ أخرى.