لم يكن “محمود. ع” الموظف بإحدى شركات المحمول، يتخيل أنه سيضطر؛ لتأجير سيارته الخاصة لشركة عقارية بمقابل شهري، والاضطرار إلى ركوب الميكروباس لأول مرة، منذ 15 عامًا في محاولة لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الحالية.

يقول محمود: “رأيت بالصدفة على فيسبوك إعلانًا عن طلب شركة عقارية عربيات ملاكي بمقابل شهري 7 آلاف جنيه، بشرط أن تكون موديل آخر 5 سنوات.. اتصلت بهم على الفور، ووقعت معهم العقد”.

لجأت شركات عقارية حاليًا، إلى استئجار سيارات لبعض الموظفين الكبار بها؛ للتنقل للمشروعات البعيدة، بعدما ارتفعت أسعار السيارات الجديدة؛ لتتجاوز المليون وربع المليون جنيها، ما يعني أن شراء خمس سيارات فقط سيحتاج من الشركة سيولة، تناهز 6.5 ملايين جنيه.

يقول محمود: “تخليت عن السيارة، بعدما أصبح الإنفاق عليها مكلفًا؛ فجركن الزيت تجاوز 1430 جنيهًا، والصيانات والأعطال أصبحت مكلفة.. أتوجه لعملي بالسيرفيس، وزوجتي توصل الأطفال بالتوكتوك للمدرسة والدروس الخاصة.. ميزانية البيت أصبحت أولى، وراتب العمل لا يكفي، حتى لو كان جيدًا”.

التعليم.. النزول درجات

قبل بداية العام الدراسي الحالي (سبتمبر 2023)، قرر محمود نقل أولاده من مدرسة “انترناشيونال” إلى تجريبي بعد ارتفاع رسوم الأولى أيضًا؛ من أجل التكيف مع التضخم الذي أصاب تكاليف الحياة اليومية، وكان شعاره: “الأساسيات أولى”.

وتراجع التضخم خلال شهر يناير الماضي على أساس سنوي إلى (31.2 %)، مقابل (35.2 %) لشهر ديسمبر، ويرجع ذلك لانخفاض أسعار اللحوم والأسماك واللبن والجبن والخضروات والبن والشاي، لكن لا تزال الأسعار مرتفعة بالسوق؛ لأسباب يتم تحميلها للتجار.

أمام ارتفاع الأسعار، يحاول قطاع عريض من المصريين توفير نفقاتهم  بأي وسيلة كشراء الكتب الخارجية من سور الأزيكية، بعدما أصبح الكتاب في المادة الواحدة للطفل في الصف الثاني الابتدائي بـ 200 جنيه، أو الملابس من وكالة البلح.

يقول محمد عبد الغني، بائع على فرش بالوكالة: “فيه وجوه جديدة بتيجي تشتري، ناس من منظرها أنها أول مرة تيجي الوكالة.. بعرفهم من طريقة شراهم، والكسوف وعدم قدتهم على الفصال.. حتى أننا ما برداش أزدو عليهم؛ لأني عارف أنهم منضمون للطبقة جديد”.

“الانضمام للطبقة”مصطلح أصبح دارجا بين قطاع عريض من الطبقة المتوسطة؛ للتعبير عن تغير حياتهم مع ارتفاع الأسعار،  ونزولهم لنمط حياة أقل كالتخلي عن السيارة الملاكي، أو باص المدرسة أو حتى الشراء من أماكن أخرى غير معتادة.

يضيف البائع: “الكل يحاول يوفر.. أنا بطلت أكل على عربية الفول بعد الطلب، ما بقى بـ 35 جنيها.. سيبت السجاير العادية، وبقيت اشرب لف؛ عشان أوفر  عشان مصروف البيت”.

اللقمة.. البند الأساسي للتوفير

محاولات المصريين التحايل على تكاليف الحياة، أصبحت تركز في المقام الأول على الغذاء، إذ تقول أماني سليم، ربة منزل: “اللحمة الحمراء بقت مرتين في الشهر.. الفراخ مرة أو مرتين في الأسبوع بالكتير بس، والباقي طعام قرديحي بدون بروتين”.

ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء، حتى كسر الكيلو في بعض المناطق حاجز الـ 400 جنيه، بينما ارتفعت اللحوم البيضاء أيضا؛ ليبلغ الكيلو مستوى 100 جنيه في المتوسط.

تقول أماني: “زمان كنا بنرمي الشربة الزيادة.. دلوقتي نعبيها في أكياس، ونحطها في فريرز التلاجة، ونطلع منها للطبخ؛ عشان ما نقدرش نجيب فراخ 3 أو أربع مرات في الأسبوع.. الحياة بقت صعبة؟”.

تضيف: هياكل الفراخ والأرجل كنا بنجيبها تسالي.. دلوقتي بيومين من كتر الطلب عليها، حتى الكبد والقوانص بقى الكيلو بـ 100 جنيه، وربعها دهن ما يتكلش.. ما فيش غير بند الأكل اللي نقدر نوفر فيه.. المواصلات والإيجار والكهرباء والمياه، ما نقدرش نعمل فيها حاجة”.

بالتيلة

أحمد إسماعيل، عامل في إحدى شركات القطاع الخاص، يقول إن الراتب الشهري في الشركة لا يتجاوز 4 آلاف جنيه.. ما يكفوش مصاريف البيت، ومعنديش مهنة تانية، فاشتريت موتوسيكل مستعمل، وباشتغل بيه دليفري في صيدلية بالليل”.

يقول أحمد: ” التوفير بقى في كل حاجة.. القعدة على القهوة بطلتها بعد ما الكوباية بقت بـ 15 جنيها، حتى البامبرز استغنينا عنه، وواستبدلنا بحفاضات قابلة للغسل بغطاء ووتر بروف، بعدما بلغ مستوى حفاضات الأطفال 6 جنيهات للواحدة، يعني الطفل عايز بـ 12 جنيها على الأقل حفاضات”.

يضيف: ” عندي طفلين توأم.. ما بنودهيمش للدكتور مع أي دور برد زي زمان.. نسأل الصيدلي عن أي دواء رخيص، أو نستخدم الروشتات القديمة مع الأعراض المتشابهة .. أقل فيزيتا لدكتور دلوقتي مش أقل من 300 جنيه.. وميزانية البيت ما تستحملش أي جنيه زيادة؟.. ماشية بالتيلة”.

يضيف: “من فترة قصيرة كنا بنستخدم الزيت مرتين، ونرميه عشان خطر على الصحة دلوقتي بقى بنستخدمه 4 مرات على الأقل.. ما عدناش بنجيب أكياس زبالة بنرميها في الأكياس اللي نشتري فيها طلبات البيت”.

رفعت شركات زيوت الطعام أسعارها بداية من يناير الماضي بزيادات متتالية، حتى وصل لتر زيت القلي إلى 72 جنيهًا، بينما بلغ سعر زيت الذرة وعباد الشمس إلى 90 جنيهًا لوزن 800 ملي (أقل 200 ملي من اللتر).

 ياميش رمضان.. بلح

طال التوفير أيضًا منتجات ياميش رمضان بحسب أحمد علي، بائع في محل ياميش رمضان، الذي قال: “الناس بتتفرج وتمشي.. الغالبية بتأخذ تمر بس وبكميات صغيرة.. أعرف ناس كانت بتاخذ كل سنة أكثر من 5 عبوات عشان تهادي بيها، دلوقتي هي علبة واحدة بس”.

سجل سعر علبة تمر نصف جاف 5 كيلو جرام نحو 325 جنيهًا، وعلبة تمر 700 جرام نحو 70 جنيًها، والقراصيا بدون نواة (200 جرام) نحو 106 جنيهات، وسعر رول قمر الدين 400 جرام نحو 110 جنيهات، وسعر المشمشية 200 جرام نحو 149 جنيهًا.

يقول أحمد علي: “كتير من الناس ما بتسألش عن الأسعار كالمعتاد.. بيقولولي هات أرخص حاجة عندك.. أقل حاجة موجودة من التمر الطري الكيلو بـ 50 جنيها، وعدد قليل جدا اللي بياخد أبو 120 جنيها الكيلو،  رغم أنه كان بيتباع كتير كهدايا في السنين اللي فاتت”.

التكيف مع الأوضاع الاقتصادية الحالية لم يعد قاصرا على المواطن فقط، ولكنه أجبر أصحاب الأعمال أيضًا الذين حاولوا التماهي مع انخفاض مستويات الإنفاق الخاصة بالمواطنين.

ولجأت مصانع رقائق البطاطس أخيرًا إلى تخفيض الوزن، دون تغيير سعر العبوة؛ لمجابهة ارتفاع الزيوت، بينما لجأت مصانع المنتجات الغذائية كالمعجنات إلى تقليل عدد القطع في العبوة الواحدة إلى قطعة واحدة، حتى يمكن بيعها بأقل سعر.

أمام زيادة أسعار البن لجأت بعض المصانع إلى بيع القهوة بالتلقيمة، أي كيس صغير يكفي كوب واحد فقط، وتوسعت مصانع المربى والجبن في إنتاج الأكياس التي تكفي وجبة واحدة فقط، بدلاً من البرطمانات والعلب المعتادة، حيث يصل الكيس لخمسة جنيهات.