مع استئناف مجلس أمناء الحوار الوطني لأعماله يوم السبت الماضي، أو على الأصح مع بدء المرحلة الثانية من الحوار الوطني، ورغم التنويه، بأن التركيز في هذه المرحلة سيكون على القضايا الاقتصادية، فإن الشأن السياسي فرض نفسه بقوة على الأجندة، وبالأخص مطالب الإفراج عن المسجونين في قضايا الرأي، وموضوع الحبس الاحتياطي الذي أصبح هو ذاته عقوبة، بلا حكم قضائي، وقوانين الأحزاب السياسية والنقابات والمحليات، والانتخابات.
كما هو معروف، كانت أعمال الحوار الوطني قد أُوقفت مؤقتا قبيل انتخابات رئاسة الجمهورية في العاشر من ديسمبر الماضي، على أن تستأنف بعدها.
أما السبب المباشر الذي أعاد تلك القضايا السياسية إلى صدارة أجندة الحوار في مرحلته الثانية فهو- على ما يبدو- إعادة التذكير بقرار الحركة المدنية الديمقراطية بإنهاء مشاركتها فيه عند المرحلة الأولى، وذلك لأن معظم الضمانات التي طالبت بها الحركة، لم تستجب لها السلطة بالقدر الكافي، وأهمها الضمانات الكفيلة بإعادة بناء مجال سياسي، يتيح المشاركة والتفاعل، وينبذ الإقصاء والحصار والملاحقة لكل من يحمل رؤى مغايرة للرؤية الحاكمة، مهما تكن قوة التزام هذه الرؤى المغايرة، وأصحابها بالشرعية الدستورية وبسلمية الحركة السياسية.
فعلى ما يبدو أيضا، قدرت الجهات الراعية للحوار، أن استئنافه دون مشاركة الحركة المدنية فيه، لن يكون ملائما، و سينزع عنه بعض ما تبقى من مصداقيته، ومن هنا تضمنت دعوة المنسق العام للحوار أ. ضياء رشوان؛ لاجتماع مجلس الأمناء يوم السبت ١٠ فبراير الحالي النص في جدول الأعمال على: استكمال مناقشة الموضوعات التي لم تناقش في المرحلة الأولى مثل، تعديل تشريعات الحبس الاحتياطي، وقانون الأحزاب والعقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر، و معوقات عمل النقابات… إلخ… مما يعني بقاء هذه الملفات مفتوحة أمام كل مجالس، ولجان ومحاور الحوار الوطني، جنبا إلى جنب مع القضايا الاقتصادية، التي فهم في البداية، أنها هي التي ستستغرق كل العمل والمناقشات.
إلى ذلك، فإن بيان العاشر من سبتمبر الماضي، الصادر باسم مجلس الأمناء في نهاية المرحلة الأولى من جلساته، لم يتحقق الكثير، مما ورد فيه، والمقصود هنا، أن تدار الانتخابات الرئاسية (الأخيرة طبعا ) بطريقة، تجعلها محطة بارزة في طريق التحول الديمقراطي في مصر، فمما لا شك فيه، أن نص وروح البيان كانا يعنيان، أن تتحول حالة الانفراج النسبي المصاحبة للحملات الانتخابية إلى حالة مستمرة، ومتطورة نحو الاتساع يوما وراء يوم، على أن يكون مفهوما، أن الهدف النهائي هو الإصلاح السياسي، بالمعنى المشار إليه في الفقرة السابقة.
هنا، فإنني مضطر إلى تذكير نفسي، وقرائي بأنني كنت أفضل، أن يقتصر الحوار الوطني على المحور السياسي، باعتبار أن السياسة هي الإطار الشامل لكل قضايا الدول الوطنية ومجتمعاتها، فالاقتصاد محكوم بالتوجه والإدارة والاختيارات السياسية، وكذلك الثقافة والشؤون الاجتماعية… إلخ، ولكني في الوقت ذاته، دعوت إلى ما أسميته حوار الخطوة خطوة، بمعنى أن نحقق من خلال الحوار إنجازات، قد تبدو محدودة، لكنها تؤدي الي نتائج سياسية إيجابية غير محدودة، وكان أهم إنجازين، يؤديان هذا الغرض- في رأيي- هما أولا: الإفراج عن جميع (أكرر جميع ) المسجونين في قضايا الرأي، ممن لم يرتكبوا عنفا، أو لم يحرضوا على العنف، وتصفية حالات الحبس الاحتياطي، وتعديل النص القانوني الذي أطال مدة هذا الإجراء القاسي، بحيث يعود النص سيرته الأولى، وثانيا: تعديل قانون الانتخابات البرلمانية الحالي إلى الأخذ بالقائمة النسبية.
كانت خلفية هذا التصور، أن كل انفراج سياسي داخلي في أي بلد من بلدان العالم، وكل بناء للثقة بين السلطة والمعارضة يبدآن بتصفية السجون والمعتقلات من المعاقبين لأسباب سياسية، ولكن في حالتنا كانت الإفراجات شحيحة ومتباعدة، وفي الوقت نفسه، لم يكن في وسع أحد- نظريا- مخاطبة النائب العام، للبت في مصائر المحبوسين احتياطيا، باعتبار أن مثل هذه المخاطبة تعد تدخلا غير مشروع في أعمال القضاء!، ومن ثم فالحل في هذه الجزئية بالذات، هو التعديل التشريعي على نحو، ما أوضحنا توا، وهو ما أوحى البعض من زملائنا البرلمانيين في مجلس أمناء الحوار، وغيرهم من المطلعين، بأنه سيحدث قريبا، وهو ما نأمله ونطالب به بقوة.
إن عشر سنوات تقريبا قد انقضت على العمل بإطالة فترات الحبس الاحتياطي، وفي هذه السنوات العشر، زال كثير من مبررات ذلك التعديل، بفرض أنه كانت له بعض المبررات، فقد ترسخ النظام الحاكم، وأعيد تثبيت الدولة بكافة مقوماتها، ولم يعد أمام الدولة والسلطة، تحد يعتد به سوى الأزمة الاقتصادية، التي صنعتها أساسا الحكومة باختياراتها، وكذلك التحديات الخارجية التي لا دخل لمعارض في الداخل أو مؤيد فيها، والأهم من ذلك كله، أن الدولة والمجتمع معا قضيا على الظاهرة الإرهابية قضاء مبرما، فأي ظرف أنسب من هذا الظرف؛ لتضميد جراح المجتمع والعائلات والمواطنين طوال تلك السنوات، وبث شيء من الراحة، والأمل في نفوس المصريين وسط هذه الأزمة المعيشية الطاحنة؟