منذ مطلع فبراير، تطالعنا المعلومات والأخبار عن عديد الأنباء التي لا يمكن وصفها، إلا أنها مثيرة للحيرة والقلق على المستقبل. فبداية سن مجلس النواب وصدر بالجريدة الرسمية في 5 فبراير قانون 3 لسنة 2024؛ بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة، وهذا القانون يستعيض تقريبا عن القانون الطبيعي الذي يوكل حماية المنشآت غير العسكرية، وعدم الإضرار بها للقانون المدني، والذي يجعل تلك المنشآت في حراسة قوات الشرطة المدنية، (يوكل كل تلك المهمة) إلى القضاء العسكري. وقد جاء ذلك القانون تنفيذا للمادة 204 الدستور المعدلة عام 2019.

بعد ذلك بيومين اثنين، أصدرت محكمة جنح المطرية شرق القاهرة حكما بالسجن لمدة سنة، وتغريم عضو مجلس النواب السابق أحد الطنطاوي 20 ألف جنيه؛ لوقف التنفيذ لحين نظر الاستئناف على الحكم، بالإضافة إلى حرمانه من الترشح في الانتخابات النيابية لمدة 5 سنوات، كما حكمت بالحبس سنة وتغريم مدير حملة الطنطاوي الانتخابية 20 ألف جنيه، بالإضافة إلى الحبس سنة مع الشغل والنفاذ بحق 21 من أنصار وأعضاء حملته الانتخابية، وذلك في إطار القضية المعروفة إعلاميا باسم “التوكيلات الشعبية الموازية.”

وعقب ذلك طالعتنا الأنباء بشأن قانون الانتخاب المزمع سنه قريبا، أن مجلس الوزراء دفع بمشروع قانون، يخص نظام تلك الانتخابات، إلى مجلس النواب، وأن هذا المشروع الحكومي الذي لم يُعلم، ولن يعلن عنه أي شيء، فيما يتصل بفحواه أو مضمونه، يُشك كثيرا، أنه أخذ بمقترح الحوار الوطني. جدير بالذكر، أن جلسات الحوار الوطني التي لم تتوافق فيها الأحزاب السياسية المستضافة على قانون الانتخاب، قد سعى الحوار الوطني لحل وسط لعدم التوافق هذا، بأن أوصى، بأن مشروع القانون الجديد يقترح أن يتضمن النظام الأغلبي بأسلوبي الفردي، والقائمة المطلقة والنظام النسبي معا.

هذه المعلومات الثلاث، كما سبق القول، تبدو ذات أثر كبير على المسار الديمقراطي ومستقبله، وذلك على النحو التالي: –

أولا: أنها تشير إلى أن المناخ المرتبط بفتح المجال العام، أو المزيد من مقرطة نظام يونيو 2013، لا زال بعيدا، وأن هناك الكثير والكثير من الأشواط التي يتحتم القيام بها؛ للوصول إلى الغايات التي ترضى الكافة، والتي تجعل منه نظام حكم مدني حقيقي. فكافة تلك الخطوات (سيشار إليها) من المهم للغاية الالتفات إليها، بعد أن أعجزت السياسات القائمة الناس عن الرغبة في البقاء بالدولة، فعزم الكثيرون على الرحيل، إما بوسائل شرعية وقانونية، أو باللجوء إلى الوسائل الأخرى متحدين أمواج متلاطمة، أودت بحياة الكثيرين منهم، حيث عادت ظاهرة الهجرة غير النظامية مرة أخرى لعديد المصريين من أبناء المحافظات المختلفة.

ثانيا: إن التصرفات والقرارات التي تأخذ السلطة بها، من آن إلى آخر بشأن انفتاح المجال العام، كتلك التي ترتبط بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا في قضايا الرأي، أو العفو الرئاسي عن سجناء الرأي، هي بالتأكيد قرارات محمودة وإيجابية، لكنها في غمرة عديد القرارات التي تصدر عكسها، تجعل هناك شكوكا في مصداقية النوايا التي ترتبط بصدق، أو الرغبة في فتح المجال العام، الذي لا يعني بأي حال ترك الأمور بلا رابط أو ضابط، أو الفوضى بالتأكيد.

ثالثا: إن أي تفكير في مستقبل هذا البلد السياسي لا بد أن يرمي إلى حتمية الاستعداد لانتخابات 2030 الرئاسية، وهي انتخابات لن يشارك فيها الرئيس عبد الفتاح السياسي؛ لاستنفاد المدد التي نص عليه الدستور. من هنا فمن المهم للغاية لكل من يخشى على مصير ومستقبل هذا البلد، ولكل من يهدف للوصول به إلى مصاف الدول المتمدينة، أن يعد العدة لهذا اليوم بشكل تدريجي، وليس تصعيدي بشأن وضع المجال العام. فمنع سجن أو حبس أصحاب الرأي، والقضاء النزيه، والإعلام المستقل بشكل حقيقي، ومنع حجب المواقع الإلكترونية، ما دامت تلتزم بعدم الدعوة إلى العنف، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسية الفاعلة في الشارع، وقانون الانتخابات النسبية، ووجود أجهزة رقابة ومحاسبة نشطة وشفافة، ووجود بدائل للحبس الاحتياطي، وعدم تقييد حركة وحرية المفرج عنهم.. إلخ كلها خطوات مهمة؛ للاستعداد لـ 2030، بدلا من أن يأتي مثل هذا اليوم، ونكون غير مستعدين له.

رابعا: أن واحدا من الأمور الثلاثة، المتصلة بهذا المقال، والتي تتعلق بالقانون الذي سنه مجلس النواب، ترتبط على ما يبدو من الخشية الشديدة من الأوضاع الاقتصادية الراهنة، والتي سببها التضخم الهائل الذي ضرب البلاد؛ نتيجة أزمة الدين الخارجي وخفض قيمة العملة المحلية، والعجز عن تحديد أولويات الإنفاق والموازنات المتعددة القائمة.. إلخ. وكل ذلك بدلا من أن تقوم الدولة بمواجهته بسياسات، تتسم بالرشادة الاقتصادية، والتي بحت أصوات المتخصصين في الشأن الاقتصادي باتباعها، ومنها تحديد الأولويات، ووقف الإنفاق البذخي ومحاربة احتكار التجار، ورجال الأعمال وتنفيذ وثيقة ملكية الدولة، ومحاربة الفساد وتعدد الصناديق غير المراقب عليها من أجهزة الرقابة المالية والسياسية… إلخ (بدلا من كل ذلك) يجري السعي إلى مواجهة التخوف من أي مظاهر عنف- تستشعره السلطة- ناتج عن الغلاء. المؤكد أن العنف هو أمر غير قانوني، وغير مقبول على الإطلاق، لكن المهم أيضا إدراك أن الناس لم تعد قادرة أصلا عليه، بسبب حالة الإعياء الشديدة التي سببها الغلاء، الذي أعجز الناس عن التفكير، إلا في لقمة العيش، والحياة الكريمة، وسد رمقهم، بعد أن فاقت نسبة الفقر أكثر من ثلث عدد السكان.

خامسا: بشأن الأمر الثاني، وهو متصل بالحكم على أحمد الطنطاوي وزملائه. بداية يذكر أن هذا الحكم لم يكن مصادفة، أن يصدر النائب العام في ذات يوم صدوره قرارا بالإفراج عن 60 من الموقوفين على ذمة تحقيقات مختلفة، يمس بعضها الحريات العامة، وبذلك تكون الساحة السياسية في هذا اليوم، قد شهدت نوعا من الانفراج مقابل نوع من التضييق. على أن عواقب الحكم على الطنطاوي كبيرة، فهي تفوق مجرد السجن أو الغرامة، إذ أنها تعني في التحليل الأخير وقف النشاط السياسي بشكل شبه كامل للطنطاوي. فالحكم يعني عدم الترشح مرة أخرى لانتخابات الرئاسة، لأن بند 5 من م2 من القانون 22 لسنة 2014، بشأن قانون انتخابات الرئاسة، والخاصة بالشروط الواجب توافرها في المرشح، تقول إن كل من لديه النية في الترشح يجب “ألا يكون قد حكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ولو كان قد رد إليه اعتباره”. هنا فإنه ليس أمام الطنطاوي إلا أحد خيارين الأول، هو استئناف الحكم الصادر ضده، ثم نقض الحكم حال تأكيده عقب الاستئناف. أما الخيار الثاني، فهو الطعن على دستورية المادة السابقة شرط استيفاء طرق التقاضي المعروفة بالطعن على الدستورية. وهو على أي حال إجراء قد يستغرق سنوات.

سادسا: فيما يتصل بالأمر الثالث، المتعلق بمشروع قانون الانتخاب، فإن أفضل ما يمكن أن يراه المرء هو سن قانون بالقائمة النسبية، لكن ولما كان هذا الأمر غير ممكن؛ بسبب ضغوط غالبية الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني، والتي تطمح في الوجاهة بالتواجد في مجلس النواب، حتى لو كان ذلك بالتزكية أو التعيين المقَنع الذي يقره نظام القائمة المطلقة، وهو نظام يقوم على تزوير إرادة الناخبين بنقل أصوات من انتخبوا قائمة، لمن انتخبوا القائمة المنافسة!!!. وعامة فإن تلك الأحزاب التي تخشى من المواجهة النزيهة؛ بسبب عدم تواجدها في الشارع، تتوافق رغبتها مع رغبة الدولة في وجود مؤسسة تشريعية، يحكمها الخلل في التوازن بينها وبين السلطة التنفيذية لصالح تلك الأخيرة، من هنا جاءت الخشية من قيام مجلس الوزراء بإرسال مشروع قانون الانتخابات إلى البرلمان، دون الإفصاح عن فلسفة هذا المشروع، أو فحوى مواده المقترحة. من هنا أيضا جاءت توصية مجلس أمناء الحوار الوطني بتشكيل لجنة للتعاون مع الحكومة؛ لمعرفة مصير الاقتراحات التي رفعها الحوار للرئيس عبد الفتاح السيسي.