تتزايد الاستثمارات الإماراتية في القطاع السياحي المصري بوتيرة شديدة التسارع، ما بين شراء شركات أو فنادق قائمة، أو ضخ استثمارات بأخرى جديدة، ما يثير تساؤلات حول الأسباب، خاصة في ظل سعي الإمارات ذاتها إلى جذب استثمارات أجنبية ضخمة في قطاعها السياحي.

استحوذ الصندوق السيادي الإماراتي، مؤخرًا، على حصة 40.5 % من شركة “أيكون”، التي تملك بصورة مباشرة، وغير مباشرة مجموعة من الفنادق الفاخرة، والتاريخية في القاهرة والإسكندرية وشرم الشيخ ومرسى علم والأقصر وأسوان بقيمة 882.5 مليون دولار، في صفقة هي الأضخم بقطاع السياحة.

تتبع شركة “أيكون” مجموعة طلعت مصطفى القابضة، وتملك محفظة فنادق، تصل إلى 15 فندقًا بإجمالي طاقة 5 آلاف غرفة فندقية، مقسمة بينها 4 فنادق بإدارة عالمية.

تعمل “أيكون”، أيضا، على تطوير 3 فنادق جديدة في الأقصر، ومدينتي، ومرسى علم. إضافة إلى فندق رابع قيد التصميم بمنطقة أهرامات الجيزة.

استحوذت “أيكون” نهاية العام الماضي على حصة تصل إلى 51 % بشركة ليجاسي الحكومية المالكة لـ 7 فنادق تاريخية، ما يعني أن الصندوق الإماراتي أصبح مالكا حصة بأيكون، التي تملك حصة في الفنادق التاريخية المصرية.

في الوقت ذاته، أعلنت شركة أبوظبي للاستثمارات السياحية المملوكة لصندوق أبوظبي للتنمية، نهاية العام الماضي عن ضخ 161 مليون دولار، في تطوير 3 فنادق بمصر؛ لترتفع إجمالي استثماراتها إلى 242 مليون دولار، بعد ضخها 81 مليون دولار في تجديد فندقين تابعين لها في شرم الشيخ والغردقة.

كما أعلنت الشركة في يونيو الماضي أيضا، عن تدشين فندق كبير، يطل على الأهرامات والمتحف المصري الكبير مباشرة باستثمارات، تربو على 95 مليون دولار.

لماذا السياحة المصرية مهمة للإمارات؟

يعتبر قطاع السياحة أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، فهو ثاني أكبر مصادر الدخل، ويوفر وظائف لأكثر من 12 % من السكان، ويساهم بعوائد تمثل 3.2 % من الناتج المحلي الإجمالي.

حال تقسيم خريطة الاستثمارات السياحية الموجودة بمصر، حاليا، يتبين أن 97 % منها مقام برأسمال “مصري- خليجي”، مقابل حجم استثمار، لا يتعدى 3 % للاستثمارات الأجنبية، بحسب دراسة.

من أمثلة الشراكات المصرية_ الخليجية فورسيزونز شرم الشيخ، الذي كان نتاج شراكة بين مجموعة هشام طلعت مصطفى، وشركة المملكة القابضة التي يمتلكها رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال.

الإقبال الإماراتي الكبير على سوق السياحة المصري؛ بسبب الربحية الكبيرة، مثلما يلمح مؤسس مجموعة “إعمار العقارية”، محمد العبار، الذي قال أخيرًا، إن إيرادات القطاع السياحي بمصر كانت أحد العوامل المساهمة في تنامي ربحية المجموعة.

بحسب العبار، فإن مجمل استثمارات المجموعة بمصر سيصل إلى نحو 10 مليارات دولار، في جميع مناطق أعمالها في العام الحالي، بعدما حققت معدلات الإشغال الفندقية في مصر خلال النصف الأول من سنة 2023، تعد الأعلى منذ 5 سنوات.

لدى “إعمار” تسعة فنادق، آخرها كان داخل منتجع مراسي السياحي التابع للشركة بمنطقة سيدي عبد الرحمن بالساحل الشمالي، على مساحة 86 ألف متر مربع، وبطاقة استيعابية، تصل إلى 200 غرفة فندقية، و169 شقة فندقية باستثمارات، تبلغ 200 مليون دولار.

بحسب دراسة لمعهد كارنيجي، فإن محاولات الاستثمار الأخيرة من أبوظبي، تثير  حساسيات المصريين، كما أن المنصة الاستثمارية الاستراتيجية المشتركة بين مصر والإمارات التي تأسّست في العام 2019، لم تحقّق نجاح تجارب أخرى خليجية، مثل الشركة القابضة المصرية الكويتية رغم  تعهدات أبو ظبي بضخ 20 مليار دولار.

وشهدت مصر حالة من الجدل أخيرًا مع الإعلان عن استحواذ مستثمرين إماراتيين على مشروع ضخم بمدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي، في صفقة بقيمة 22 مليار دولار، لم يتضح تفاصيلها حتى الآن.

وتستهدف الإمارات من المشروع الاستفادة من دخول المنطقة على خط السياحة الخارجية بقوة، فقبل خمس سنوات، كان الزوار الخليجيون يمثلون نحو 5 % من السياحة الوافدة إلى مصر، وارتفع الرقم ليقترب حاليًا من 55 %.

بحسب العبار، فإن الساحل الشمالي في مصر وصل لمستويات تطوير، فاقت التوقعات، لكن مصر لديها حوالي 200 ألف غرفة فندقية، تعادل ما لدى الإمارات تمامًا، في حين أن تركيا لديها 1.5 مليون غرفة، وتحتاج مصر حوالي مليوني غرفة فندقية على الأقل؛ لاستيعاب السياحة المستقبلية.

 مخططات الخليج للسياحة

تلقي الإمارات بثقلها في ملف السياحة، باعتبارها الصناعة التي تجيدها حاليا، فلديها خطة لرفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي لها إلى 450 مليار درهم، بمعدل زيادة سنوية 27 مليار درهم.

كما تستهدف الإمارات جذب استثمارات جديدة بقيمة 100 مليار درهم، للقطاع السياحي في الدولة والاستراتيجية الوطنية للسياحة 2031، وبالفعل أصبح لديها أكبر عدد من الوظائف السياحية على مستوى المنطقة بأكثر من 12900 وظيفة، تمثل 29 % من حصة السوق داخل المنطقة.

وتحافظ دبي على صدارتها العالمية في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع السياحة لعام 2021، وتبوأت المرتبة الأولى عالمياً في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والمشاريع في مجال السياحة؛ وفقاً لتصنيف أسواق الاستثمار الأجنبي المباشر لتابعة لشركة “فايننشال تايمز المحدودة.”

قال فيصل دوراني، رئيس أبحاث الشرق الأوسط في شركة نايت، إن ضعف الجنيه المصري، وأسعار المنازل المعقولة نسبياً بالمقارنة مع المدن الكبرى في الخليج، ومناخ الصيف اللطيف على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كلها عوامل، تزيد من جاذبية البلاد في القطاع السياحي.

يشير كورادو كوك، المحلل الاستشاري في شركة “جلف ستيت للتحليلات”، إلى إن العقار قطاع استثماري كلاسيكي للشركات والصناديق السيادية من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أنها تضمن العائد.

ويؤكد أن السياحة “قطاع رئيسي تريد السلطات الخليجية، أن تكون له حصة فيه، لأنه جزء من برنامج التحول المحلي، في إشارة إلى خطط الرؤية التي وضعتها دول مثل، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة؛ لتحقيقها في المستقبل.

قطر أيضًا كان لها رغبة شديدة في الاستثمار السياحي بمصر، ففي عام 2012، تعهدت باستثمار 18 مليار دولار في السياحة المصرية، والبنية التحتية كوسيلة لتعزيز الروابط بين البلدين، لكن تغيير النظام المصري بعد يوليو/ تموز 2013، والتراجع المفاجئ للعلاقة بين البلدين، أدى إلى إلغاء هذه الخطط.

بحسب لويس مونريال، المدير العام لصندوق الآغا خان للثقافة بجنيف، إن المشترين للفنادق التاريخية في مصر، يجب أن يفهموا أن قيمتها تتجاوز القيمة المالية، وأنها جزء من تاريخ مصر، وحركة السياحة التي ساهمت في اندماج مصر في العالم الأوسع.

نتائج عكسية

وأشار المحلل الاقتصادي، تيموثي كلدس، إلى ان بيع الفنادق سيؤدي في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية في جهود الدولة لجمع المال الأجنبي، حيث أن العملات الأجنبية التي تحتاجها البلاد بشدة، والتي تجلبها الفنادق سوف تتدفق الآن إلى أماكن أخرى، (يقصد نسبة الشركاء الأجانب التي يتم تحويلها للخارج).