النقاش الغربي حول مشروع الدولة الفلسطينية له بعدان: الأول سياسي وقانوني، يتعلق بحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وفق قرارات الأمم المتحدة، والشرعية الدولية، وهو الجانب المدعوم عربيا، وظل محل ترحيب من جميع الأطراف الدولية، أما الجانب الثاني، فهو الجانب الفني، والذي يركز عليه الغرب بشكل عام والاتحاد الأوروبي بشكل خاص، ويتعلق بكيفيه بناء مؤسسات هذه الدولة، وما هي العقبات التي تواجهها على الساحة الفلسطينية، وخاصة في ظل الانقسام الفلسطيني، وفي ظل رفض المجتمع الدولي التفاوض مع حركة حماس، واعتبارها منظمة إرهابية.

وقد سبق وقدم “جوزيب بوريل”، مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، المصنف أوروبيا من بين المتعاطفين مع الحقوق الفلسطينية، خطة من 10 نقاط، تمهد الطريق “لحل شامل وموثوق” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبناء الدولة الفلسطينية، عكست شعور الجانب الغربي عامة، والأوروبي خاصة، بوجود أزمة في قدرة الجانب الفلسطيني على إدارة الدولة الفلسطينية، حتى لو اعتبر أن إسرائيل مسئولة عن جانب من هذا الوضع، إلا إنه ظل يعتبر، أن هناك بعدا ثانيا يتعلق بقدرة الجانب الفلسطيني على بناء، وإدارة هذه الدولة الوليدة.

ولذا علينا ألا نندهش، حين نجد بين ثنايا النقاط العشر التي أعلنها الاتحاد الأوروبي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نقاطا، تعكس قلقا حقيقيا من ضعف القدرات الفلسطينية، وخاصة بعد أن تعمق الانقسام بين غزة، والضفة وحاصر الاحتلال السلطة وأضعفها، وأصبحت تعاني من الترهل، وسوء الأداء والفساد، كل ذلك جعل هناك تخوفات أوروبية من قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة الدولة الوليدة.

صحيح أن الخطة الأوربية نصت، على أن عملية السلام يجب أن تؤدي “إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، “تعيش جنباً إلى جنب” مع إسرائيل، و”التطبيع الكامل” للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، ولكنه أضاف نقطة، تتعلق بمساعدة الجهات الدولية الفاعلة على إعداد “أرضية للسلام”، وبناء “بديل سياسي متجدد” لـ “حماس”.

واللافت، إنه لم يقصر دعوته لعقد مؤتمر سلام على أطراف الصراع فقط، إنما طالب بضرورة، أن يحضره “مديرو المنظمات الدولية”، وجعل هناك حضورا للخارج والقوي الدولية في كل الخطوات التحضيرية السابقة واللاحقة لمؤتمر السلام، بل حتى في حال الوصول لتسوية سلمية، فإن هناك تشككا غربيا في قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة وحكم الدولة الوليدة.

والحقيقة، أن النقاشات الأخيرة التي دارت مع مسئولين في الاتحاد الأوروبي، تقول إنه حتى المتعاطفين منهم مع الحقوق الفلسطينية، يشيرون لغياب الحوكمة في كل مؤسسات السلطة والجمود السياسي والإداري، وعدم تقديم نخب وقيادات جديدة، وانتشار الفساد ناهيك عن الفشل في حل مشكلة الانقسام بين حماس، والسلطة منذ عام 2007، حتى أصبحت جزءا من مشكلة اليوم التالي لانتهاء الحرب الحالية.

ورغم إنه من المؤكد، أن حماس قاومت، وصمدت بشرف، ولها فضل إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى على الواجهة العربية، والعالمية بعد أن أرادت إسرائيل وحلفاؤها قتلها، إلا إنها لا تمتلك جناحا سياسيا مقبول دوليا، يمكن أن يجلس معه “بوريل” أو أي مسئول غربي متعاطف مع الحقوق الفلسطينية، كما حدث مع قادة منظمة التحرير، إنما هي بجناحها العسكري القوي، والسياسي الضعيف، مصنفان كجماعة إرهابية.

فلأول مرة، نجد حركة مقاومة، لا يستطيع قادة جناحها السياسي التواصل الدقيق مع جناحها العسكري، ولا مع العالم، وحتى المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني، ليس لها علاقة بقادة حركة حماس السياسيين، كما لا توجد أي علاقة بينهم، وبين المنظمات الإنسانية، و الحقوقية الدولية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، على عكس تجارب حركات التحرر الوطني التي كان لقادتها السياسيين حضور في كل دول العالم من منظمة التحرير الفلسطينية مرورا بجبهة التحرير الجزائرية، وانتهاء بالمؤتمر الوطني الإفريقي، ومثلوا غطاء شرعيا للجناح العسكري، وحاولوا قدر الإمكان، أن يؤثروا في الرأي العام العالمي، ويدافعوا عن قضايا شعوبهم، وهو بلا شك غير متاح لحركة حماس؛ لأسباب تتعلق ببنيتها العقائدية، والأيديولوجية واستهداف إسرائيل لها.

لا يمكن تخيل انتصار الثورة الجزائرية المسلحة، ضد المستعمر الفرنسي، دون وجود الجناح السياسي لجيش التحرير الوطني ممثلا في جبهة التحرير الجزائرية، يجوب دول العالم دفاعا عن استقلال الجزائر، ونفس الأمر ينسحب على جنوب إفريقيا التي عرفت في البداية نضالا سياسيا مدنيا على يد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لكن بعد القمع والحظر الذي تعرض له الحزب أسس نلسون مانديلا (رمز التسامح) في 1961 جناحا عسكريا، ومزج بين النضال العسكري والسياسي، حتى نجح في القضاء على نظام الفصل العنصري.

هذا الوضع، جعل هناك مشكلة سياسية في التعامل الدولي مع المقاومة الفلسطينية وخاصة حماس، وامتزج به جانب آخر وصف “بالفني”، يتعلق بالنظر بتشكك في قدرة السلطة الفلسطينية على بناء الدولة الوليدة وقيادتها، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني، وأن الحوار مع كثير من المسئولين الأوروبيين الذين يتبنون حل الدولتين سواء، لأنهم متعاطفون سياسيا مع الحقوق الفلسطينية، أو لأنهم يرون بشكل عملي، أن هذا هو الحل الوحيد للصراع، يتحدثون عن الفارق بين منظومة حديثة في الحكم والإدارة في إسرائيل وأخرى، يكسوها الترهل، وسوء الأداء في رام الله، وإذا قلت لهم، إن مشاكل  السلطة الأساسية ترجع لحصار الاحتلال، وللجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، فتجدهم يتفقون معك جزئيا، ويقولون نعم هناك مسئولية للاحتلال، ثم بعدها يعددون أمثلة لوقائع سوء إدارة وفساد، لم يكن الاحتلال طرفا فيها، ويختتمون ذلك بالإشارة للانقسام الفلسطيني الذي عددوا في حوارات عديدة أمثلة لحجم الاحتقان، والتحريض المتبادل بين السلطة وحماس على مدار سنوات طويلة، وكيف فشلت كل جهود الوساطة المصرية الجزائرية السعودية في حله على مدار 27 عاما.

يقينا كل ذلك، لا يعفي الاحتلال من جانب رئيسي من مسئولية التدهور الذي أصاب مؤسسات السلطة، وأدى إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، ولكن من المؤكد هناك جانب من المسئولية يخص النخب والفصائل الفلسطينية.