قرى ذات طابع بدوي تسكنها نحو 21 قبيلة، بإجمالي عدد سكان لا يتجاوز الـ 25 ألف نسمة، يعمل أغلبهم بزراعة الأراضي المصنفة ضمن الفئات متوسطة الصلاحية والهامشية، ويعتمدون على محصولي التين والزيتون المرويان بماء الأمطار.
تلك كانت إطلالة على قرى ريف مطروح الذي تقع ضمنه قرية رأس الحكمة، التي انتقلت فجأة إلى بؤرة الضوء عقب الإعلان عن مشروع تطوير المنطقة في صفقة ضخمة مع مستثمرين إماراتيين قبل يومين.
لا توجد إحصائيات منفردة، تخص القرية، لكن المؤكد، أنها كانت جزءا من منطقة مهملة، ربما منذ بنى الملك فاروق استراحة بها، وحتى سنوات قليلة ماضية.
عن مصير سكان قرية رأس الحكمة، وما يستحقونه من تعويضات عن أراضيهم، نرصد التساؤلات والإجابات.
كان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قال إن الحكومة مُلتزمة بتعويض الأهالي المتضررين؛ جراء تنفيذ مشروع تطوير مدينة رأس الحكمة نقديًا وعينيًا، علما أن نزع ملكية الأراضي تم في 2018، وتم وقتها تقدير 150 ألف جنيه كتعويض عن الفدان الواحد، وهو ما اعتبره الأهالي غير كاف.
أرض بدوية
بحسب الدورية رقم 480 من سلسلة “مصر المعاصرة”، الصادرة عن الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، فإن رأس الحكمة تعد قرية ذات طابع بدوي، تقع ضمن إقليم مطروح الذي تتسم 31 % من أراضيه بقابليتها للاستصلاح الزراعي بدرجة أو بأخرى.
ووفقًا للدورية، فإن 204 آلاف فدان بمطروح مُصنفة أراضي متوسطة الصلاحية (أراض درجة ثانية وثالثة)، و54.8 ألف فدان أراضي هامشية (درجة رابعة)، والباقي أراض غير صالحة حاليًا (درجة خامسة)، لأنها عبارة عن كثبان رملية داخلية، ومحدودة العمق وسيئة الصرف.
بحسب إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن جملة الريف ـ بما فيه رأس الحكمةـ في محافظة مطروح، يبلغ 32655 أسرة بإجمالي 158.6 ألف شخص، لكن لا توجد إحصائية رسمية منفردة بخصوص رأس الحكمة.
تقول تقديرات غير رسمية، إن منطقة رأس الحكمة تضم نحو 21 قبيلة رئيسية، بجانب القبائل الصغيرة نسبيا بإجمالي عدد سكان، لا يزيد عن 25 ألف نسمة، ويعتمدون على زراعات التين والزيتون التي تروى بمياه الأمطار، وتتسم تلك القبائل بمنازلهم المبنية بالحجر وبعضهم يقتربون من المدن، لكن لا يغوصون فيها.
كل قبيلة من تلك القبائل لديها تجمع يشبه القرية المستقلة، وتتضمن المنطقة التي تشبه المثلث ضلعاه في البحر، العديد من القرى الصغيرة المتباعدة، مثل “القواسم والداخلة وكشوك عميرة، وأطنوح ورأس الكنايس وزاوية عاشتور”، ومن أشهر القبائل المتواجدة بها أولاد علي التي تضم العديد من القبائل الفرعية مثل، الجميعات والصناقرة.
منطقة مهملة
لم توضع المنطقة على خريطة الاهتمام الحكومي إلا في عهد الملك فاروق الذي بنى فيها استراحة على تل، يطل على البحر مباشرة، وبعدها حملت اسم رأس الحكمة تيمنا بـ “حكمة الله” وبعد ثورة يوليو، تحولت لاستراحة لرؤساء الجمهورية.
وصدر قرار جمهوري عام 1975 بإخلاء القرية من سكانها، والتي تبلغ مساحتها 55 ألف فدان، ولم يتم تنفيذه، وحاولت الجهات المعنية إخلاء المنطقة حينها، وإجبار السكان على المغادرة، ما أثار الكثير من الاستياء حينها، خاصة أن محافظة مطروح لم توفر لهم البدائل المناسبة.
نشاط المنطقة الأساسي هو الزيتون والتين، لكن استفادت من محطات الزراعة التي امتدت من أول برج العرب حتى مطروح، وتم فيها تطوير زراعة البيكان (نوع من الثمار أشبه بالجوز) لأول مرة في مصر والجوجوبا “نبات صحراوي تٌستخلص منه الزيوت” والزيتون والخروع والعنب، وكانت محطات تجارب لأنماط الزراعة المصرية الصحراوية.
ظلت المنطقة على طبيعتها، حتى عام 1997، عندما تلقى محمد إبراهيم وزير الإسكان في عهد مبارك توجيهات بتطوير استراحة الملك فاروق، وبناء مبنى إداري ملحق بها بجانب مجلس إغاثة عالمي تابع لإشراف المجالس الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة.
بدأت أنظار المستثمرين تتجه صوب رأس الحكمة مع تنمية الساحل الشمالي، ونقل ولايتها إلى جهاز التنمية السياحية، فحصل رجل الأعمال محمود الجمال على 1200 فدان من البدو “العرب، كما يسميهم أهالي مطروح” كنشاط زراعي، قبل أن يضيف إليها 660 فدانا أخرى، وكان يخطط لإقامة ملاعب جولف عليها، قبل أن تغير ثورة يناير الأمور.
هل التعويضات مجزية؟
في 2018، وقّعت الحكومة اتفاقيّة مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية؛ لإطلاق مشروع “رأس الحكمة”، وبدأت المرحلة الأولى من التطوير بطول 2 كيلو متر مربع، وعمق 25 كيلومتر على الشريط الساحلي للمدينة المطل على البحر المتوسط.
لكن مدبولي أعاد التأكيد، في بيانه الصحفي بخصوص العقود، على تعويض السكان بشكل كامل ومجزٍ بعد الجلوس معهم ومناقشتهم، وإنشاء تجمعات للأهالي جنوب الطريق الساحلي، حتى يكونوا قريبين من المشروع، لأنهم هم المستفيدون منه في المقام الأول مع صرف التعويضات بأقرب وقت ممكن.
وقال مسئول بوزارة الإسكان، إن الدولة ستمنح السكان المتضررين التعويضات التي ترضيهم، سواء ماليًا أو عينيًا بمنحهم وحدات سكنية جديدة، وأراض في المشروعات الزراعية التي سيتم تدشينها في المنطقة.
وكان اعتراض الأهالي الأول في خطة التطوير التي تمت في 2018، على تسعير الفدان عند 150 ألف جنيه بجانب عدم حسم سعر المتر بالنسبة للمباني، وملحقاتها من الأحواش، التي سيتم إخلائها.
يقول “م. ا”، أحد أهالي المنطقة، إنهم لا يعترضون على خطط التطوير، ولكن كل ما يريدونه هو تعويض مجزٍ، سواء لمن يحمل عقودا زرقاء أو الذين لديهم أراض، وضعوا أيديهم عليها منذ عقود فـ 150 ألف جنيها، التي تم صرفها في 2018 للفدان قليلة، كما يطالب الأهالي، بأن يكونوا طرفًا في مشروعات التطوير الجديدة التي تبنيها الدولة.
يضيف أن من لديهم عقود زرقاء في المنطقة يبيعون بسعر أضعاف ذلك المبلغ وفقا للموقع والمساحة”، وحتى من لديهم وضع يد يبيعون بسعر أعلى بكثير، مما تم وضعه في 2018.
يؤكد انه تم حسم ملف تعويضات الأراضي لكن لم يتم حتى الآن، وضع مبالغ بالتعويضات الخاصة بالمباني للراغبين في عدم الحصول على سكن بديل، كما يجب أن يتم تحديد نسبة معينة من الوظائف لأبناء المحافظة فقط دون غيرهم.
ظل النشاط الزراعي الأساس لسكان منطقة الساحل الشمالي الغربي، قبل أن يبدأوا أنشطة داخل المدن، دون الإقامة بها تتعلق بالخدمات كقيادة السيارات أو المراكب للمصطفين في موسم الصيف، وتأجير الوحدات السكنية ورحلات السفاري والمطاعم البدوية.
مسئول الإسكان يقول، إن مخطط الدولة يتضمن إقامة صناعات غذائية متنوعة، تنقل المنطقة لوضع أفضل، كتعبئة التين والتمور ومصانع استخلاص الزيوت، واستغلال النباتات الطبية والعطرية، إضافة إلى استغلال المخلفات الزراعية في تصنيع الأعلاف، ومنطقة رأس الحكمة قريبة من المشروعات الزراعية الضخمة التي سيتم إطلاقها.
وكانت آخر تعويضات معلنة للدولة في 2018، حينما صرفت لـ 99 أسرة من أهالي قرية رأس الحكمة بإجمالي مبلغ 93 مليون جنيه، تعويضًا عن إخلاء أراضيهم طواعية منهم؛ لإقامة مشروعات للدولة، وقال محافظ مطروح حينها، إن تلك التعويضات عادلة وشاملة.
كلمة السر
بحسب مسئول الإسكان، فإن محافظة مطروح قامت بالرفع المساحي للمنطقة بوجود ممثلين عن كل قبيلة لحصر جميع الأراضي الزراعية، والفضاء والمباني المقامة على الأراضي بدقة، وتم التأكيد، على أن المشروع سيتضمن فرص عمل لأبناء المحافظة.
ومن المقرر أن يتضمن مخطط المدينة 7 قطاعات، أولها منطقة سياحية شاطئية ومشروعات عمرانية، والثاني منطقة سياحية بيئية ريفية، والثالث أراضي زراعية، بحسب مسئول الإسكان الذي يقول إن الدولة راعت مصالح القاطنين في المنطقة والمشروع يتضمن ثلاثة قطاعات أساسية من أصل أربعة تحقق لهم النفع الاقتصادي والاستقرار.
ووفق المخطط الحكومي، يكون المحور الرابع منطقة مثلث المدينة (الجزء الذي يقع في البرح)، ويتضمن مشروعات سياحية، والخامس يضم منطقة الاستراحات، وسياحة المؤتمرات والسادس منطقة سياحية شاطئية، والسابع منطقة الهضبة التي تحتوي على تجمعات بدوية.
يمثل التعويض العادل والاستفادة من التطوير “كلمة السر” في تقبل أهالي رأس الحكمة للمشروع، حتى يمكنهم الاحتفاظ بنمط حياتهم، وأنشطتهم الاقتصادية التقليدية التي توارثوها عبر عقود.