منذ أيام وافق مجلس النواب المصري على قانون رعاية كبار السن، أو كما يطلق عليه قانون المسنين، وأرى أنه منذ فترة طويلة لم نلحظ مشروع قانون مقدم من أحد النواب، وهي النائبة/ نشوى الديب، وأنه أول قانون تتم مناقشته بشكل مجتمعي، ويتم عرضه على فئات كثيرة من المجتمع، وهو الأمر الذي يعني سريان حوار مجتمعي عليه، كل ذلك قبل أن يتم عرضه على مجلس النواب المصري.
كما أن مشروع قانون حقوق المسنين جاء تفعيلًا لنص المادة 83 من الدستور التي تنص، على أن تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وترفيهيًا، وتوفير معاش مناسب، يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة في الحياة العامة. وتراعي الدولة في تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات العمل المدني على المشاركة في رعاية المسنين، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.
وقد صدر هذا القانون المستحدث في المنظومة التشريعية المصرية هادفًا بشكل رئيسي إلى رعاية المسنين وضمان حقوقهم، وقد عرف المسن والمخاطب بأحكام هذا القانون، هو كل من بلغ 65 عاما، وقد تضمن القانون مجموعة من الحقوق، بداية من التزام الدولة، بما ورد في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، وهو في الأصل التزام دستوري بشكل عام، وليس على المسنين وحدهم، كما ألزم القانون الجديد الدولة بضمان رعاية المسن في دور الرعاية، والذي ليس له عائل، كما أوجبت على مؤسسات الرعاية قبول نزيل من المسنين على الأقل على نفقتها، كما ألزم الدول تحمل نفقات المصروفات العلاجية الصحية للمسن الأولى بالرعاية، كما جاء النص، على أن يتم منح المسن نسبة خصم أو إعفاء جزئيا من تكلفة استخدام وسائل النقل والمواصلات المملوكة للدولة ملكية تامة.
وبحسب هذه نقطة انطلاقة لمشروع قانون مستحدث، فإن إقراره من الأمور الجيدة، وإن كان قد جاء منقوصاً بعض الشيء، خصوصا في بعض الحقوق، إذ لم يتضمن في أقل تقدير النسبة المقرر على الدولة، تحملها في الإعفاء الجزئي لوسائل النقل المملوكة لها ملكية تامة، كما أنه كان من الأجدر على حسب ما ورد في المسودة الأولى لهذا القانون، أن يتم تحميل شركات النقل نسبة، ولو يسيرة من الإعفاء في نقل المسنين، وهذا ما يمثل تضامنا مجتمعيا، وهذا ما يتوافق بشكل صريح مع توجهات الدولة في التخلي عن الملكيات المملوكة لها بشكل كامل في المشروعات الاقتصادية، والتي من ضمنها النقل والمواصلات، إذ أن وجود النص، على ما جاء به يفرغه من مضمونه أو يقلص من وجود الحق المطلوب توفيره، هذا بخلاف الكثير من الحقوق التي لم أجد لها أثرا في النسخة النهائية من القانون، وهي متضمنة مجموعة من الحقوق في الرعاية الصحية، بما يضمن حماية كبار السن من العثرات الصحية والعلاجية، وبما يضمن دورا للقطاع الخاص وشركات الرعاية الصحية في ذلك الإطار، وهو الأمر الذي يتماشى على أقل صور التقدير مع اتجاهات الدولة الاقتصادية.
كما أنه كان من الأوجب، أن تتضمن نصوص هذا التشريع مشاركة فعلية من الدولة لكبار السن، خصوصا في ظل ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، وهو الأمر الذي يعني أن الكم المالي للمعاشات لن يكفي باحتياجات كبار السن، وبالتالي كان أرعى على السلطة، أن تتخذ جانباً أكثر إيجابية، في أن تقوم بتوفير نسبة خصم على استهلاكات أو اشتراكات المياه والكهرباء، والغاز وكافة الخدمات الأساسية اللازمة للحياة، وهذا على المستوى الدولي، ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة مبادئ خاصة بكبار السن، جاء فيها أنه ينبغي، أن تتاح لكبار السن إمكانية الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى، والملبس والرعاية الصحية، بأن يُوفر لهم مصدر للدخل ودعم أسري ومجتمعي ووسائل للعون الذاتي، كما ينبغي تمكين كبار السن من العيش في بيئات مأمونة وقابلة للتكييف، بما يلائم ما يفضلونه شخصيا وقدراتهم المتغيرة، وكذلك ينبغي أن يظل كبار السن مندمجين في المجتمع، وأن يشاركوا بنشاط في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم، وأن يقدموا للأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم. علاوة على مجموعة من الحقوق الأخرى التي تكفل لهم العيش بكرامة وإنسانية تليق بهم.
ومن قبيل التمثيل، فإن هناك العديد من الدول، خصوصا ذوات الدخول المرتفعة، تساهم بشكل كبير في كافة المتطلبات الحياتية والمعيشية للمسنين، بداية من المشاركة في الإيجار السكني، ونسب تحملها في الخدمات المعيشية، وصولاً إلى ضمان أعلى مستوى طبي وصحي لكبار السن، وفق قدراتهم المالية، وبنسب لا تكون كبيرة، وقد تتحملها المؤسسات الصحية بشكل كامل، وهذا ما لم أجد صداه في القانون المستحدث، بل على العكس، فإن الدولة حينما أوردت خدمة توصيل المعاشات لمحل إقامة كبار السن، جعلت منها خدمة مدفوعة الأجر وفق ما جاء بنصوص هذا التشريع، وهو ما يعني أن السلطة لا ترغب في غالبية الحالات، أن تساهم بشكل فاعل مساهمة مالية، تضمن بشكل كامل حياة محترمة ورعاية كريمة لكبار السن.
ولكوني أحد الذين حضروا المناقشات الأولى لميلاد هذا القانون، وكنت ضمن فريق قام بصياغة مشروع قانون لرعاية المسنين، كنت لهفاً في تلقي خبر إصداره من قبل مجلس النواب، ولكني لم أكن أتصور أنه سيأتي غير مكتمل البنية التشريعية بهذه الطريقة، وغير مكتمل الحقوق على هذا النحو، مبتعداً بذلك عن أغلب الضمانات الحقوقية المنصوص عليها، والمطلوب تواجدها بشكل فعلي في حياة المسنين، حتى ولو كان هناك ما يمنع من تحمل الدولة حصة كبيرة في النواحي المالية لضمان تلك الحياة، فقد كان من الممكن الاستعاضة عن ذلك، ولو بنسبة من المشاركة من القطاع الخاص، على أن يتم خصم تلك النسب من الأعباء الضريبية الخاصة بهم، وهو ما قد يشكل حافزا مجتمعيا للقطاع الخاص في الدخول كشريك مجتمعي في مجال حماية أو رعاية المسنين.
لكن وفي النهاية قد صدر تشريع بعد مناقشات مجتمعية وحوارات، لم يشهدها المجتمع المصري منذ فترة طويلة، إذ أن المعهود في ظل مجلس النواب الحالي وسابقه، هو الانتظار لما تقدمه السلطة التنفيذية من مشروعات بقوانين، على الرغم من كون ذلك السبيل هو أحد السبل الدستورية، والتي يجب أن تكون في المرتبة الثانية لأعضاء مجلس النواب، بحسب أن وظيفتهم الأساسية هي سن القوانين، فلعل في صدور هذا القانون فأل حسن، لما هو قادم من تشريعات.