كتبت: آية أشرف
من مدينة المنصورة، انتقلت إلى العريش لتدرس الطب البيطري، بالتأكيد كانت لديها وأسرتها أحلاما للمستقبل، ولما يمكن أن تحققه، لكن الأحلام اغتالتها مكالمة، وصلت لأهلها، تفيد وفاتها، قبل أن تصل للمستشفى، بعد شكوى من مغص حاد، أصابها عقب تناول وجبة الإفطار.
حضر الأهل، واستلموا جثمان نيرة صلاح الزغبي النحيل، ودفنوها فوراً؛ لأن “إكرام الميت دفنه” في المعتقد الشعبي.
لكن الحقيقة أبت أن ترافقها إلى القبر؛ فتسللت على استحياء إلى منصات السوشيال ميديا عبر بوست، كتبه مجهول على فيس بوك، يشكو من عدم القدرة على الكتمان، لينفجر شلال الحقائق مزيحا الكثير من شوائب الوجع الإنساني، وقاذورات تشوه النفس بمتلازمة السلطة والسطوة .
يحمي قانون العقوبات المصري ضحايا الابتزاز الإلكتروني، عبر قوانين مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وقانون حماية البيانات الشخصية، فضلا عن مواد معاقبة الابتزاز الإلكتروني، ورغم ذلك لم يتمكن من حماية نيرة، التي لم تحمها أيضا إدارة الجامعة، التي تنتمي إليها، بل اكتفت بالتشديد على الطلبة عدم تداول، ما يخص المسألة، وكأنه من الممكن دفن الحقيقة مع الضحية في قبر واحد.
قضية نيرة التي انتحرت ــ كما قيل أولاًــ أو قتلت بالسم، كما قد يحسم الطب الشرعي الأمر لاحقاً، ستدرج في إحصائيات جهاز الأمن الوطني، التي سجلت العام الماضي وحده 5969 قضية العام الماضي، بمحتوى ذي طبيعة ابتزازية بلغ 4070 محتوى، تمت بسببه إحالة 874 موقوفا للعدالة.
لكنهاــ قضية نيرةــ قد تكون مدخلا لدرسات اجتماعية “سوسيولجية” جديدة، ترصد التحولات المجتمعية التي سمحت، وربما دفعت شبابا، لم يغادر أغلبهم سن المراهقة، لاستخدام التقنيات الحديثة في انتهاك خصوصية زميلتهم، ثم انتهاك حياتها ذاتها، في قسوة مفرطة.
وساهمت عدة أسباب في الاهتمام الزائد بحالة الراحلة نيرة، منها ربما لتبني بعض مؤثري السوشيال للحالة، وربما لكون المشتبه بهم من ذوي الارتباط العائلي بنافذين في جهاز الأمن، الأمر الذي جعل الداخلية توقف والد “شروق” أحد المشتبه بهم في القضية، والذي يعمل ضابطا بقوات أمن الإسماعيلية، ومنتدباً إلى العريش ــ كان أمينا للشرطة وترقى لاحقاـ
وهنا نرجع، لما قيل إن نيرة لجأت لوكيل الكلية دكتور حاتم محفوظ، الذي قال لها: “والد شروق ضابط، وإنتي مش قدها”.. حسب شهادات وفيديوهات منشورة لزملاء الضحية على السوشيال ميديا.
الداخلية من جهتها، أوقفت الضابط والد المشتبه بها عن العمل، حتى لا يتأثر التحقيق، بعد أن قررت النيابة العامة إعادة فتحه، واستخراج جثمان الضحية، وتشريحه لمعرفة السبب الحقيقي للوفاة.
تعرضت نيرة لتهديد وابتزاز من زميليها شروق وطه، بعد أن قامت الأولى بتصوير نيرة عارية في دورة المياه، وأعطت الصور والفيديو للثاني ــ الواقعة لا زالت قيد التحقيق، لكن هذا هو المتداول إعلاميا وعبر السوشيال ــ الذي قام باستخدام تطبيق الواتس آب ونشر في “جروب الدفعة” تلميحات بفضح إحدى الزميلات، ثم تصويت “vote” على موعد نشر الفيديو العاري.
صدمة نيرة، جعلتها تسأل عن المطلوب في المقابل، فكان الاعتذار العلني لشروق وأخريات، وبالفعل بادرت بالاعتذار على جروب الدفعة، لكن هذا لم يكن كافيا، فيما يبدو فتواصل التهديد، في قسوة غير مبررة، فحتى لو كانت أساءت لزميلتها، أو طلبت كما قيل الانتقال من الغرفة التي يتشاركنها؛ لاعتراضات على سلوكها، فإن هذا لا يبرر الإصرار على إذلالها، وتجاهل توسلاتها بإنهاء الأمر، الذي لم تستطع الاستعانة بأسرتها لتجاوزه.
هل تولدت القسوة من ذلك الإحساس الزائف بسطوة الانتماء لعائلة، ربها ضابط شرطة كما شروق، أو أسرة تضم “شقيق” أمين شرطة وشقيق آخر ضابط حربية، كما في حالة طه، وبالتالي الشعور، بأننا بتنا فوق القانون وفوق الإنسانية.
بعضهن انتحرن وأخريات واجهن الأوغاد
أم أن الأمر كان مرجعه للإحساس بضعف الضحية وعجزها عن المواجهة، كما تقول الصحفية صفاء صالح التي وثقت الحكاية في حسابها على منصة إكس، ثم كتبت عنها مقالا تتوقف فيه عند تلك النقطة، القدرة على مواجهة الأوغاد، وكيف لا تتعلمها الفتيات القادمات من المدن الريفية من بنات الطبقة المتوسطة.
انتحرت نيرة، أو قتلت قبل نشر الفيديو الذي تم تهديدها به، وتم دفنها، قبل أن تفتح أسرتها هاتفها، وتكتشف تفاصيل المعركة التي خاضتها الفتاة وحيدة.
توالت بعد ذلك فيديوهات الأسرة والأصدقاء التي تشكك في الانتحار.
القضية كاملة باتت بعهدة النيابة العامة التي أصدرت حتى اللحظة، قرارات بإعادة فتح التحقيق، وسألت والدي الضحية وشقيقتها، الذين شككوا في أن تكون ابنتهم قد انتحرت.
كما أمرت النيابة باستخراج جثمان المجني عليها، وتشريحه لبيان سبب الوفاة، واستدعاء كل من أشارت إليه وسائل التواصل الاجتماعي، وتحريات الشرطة، أن له صلة بالواقعة سواء من نسب إليه ثمة اتهام، أو لديه معلومات عن الواقعة، وكذا فحص الهواتف الخاصة بكل متهم، وتفريغ محتواها وكذا تفريغ الكاميرات الخاصة بالمدينة الجامعية.
دور الجامعة
قبل نيرة ذهبت فتيات أخريات ضحايا للابتزاز الإلكتروني بعضهن انتحرن، وتمكنت أخريات من النجاة والإيقاع بالمبتز.
المحامية الحقوقية نتصار السعيد، رفضت التعليق على الواقعة، عندما تواصلت “مصر360″ معها، لكن على صفحة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، تم طرح تساؤل عن دور الجامعة، جاء فيه: ” هو دور جامعة العريش في الحد من العنف ضد طالباتها، خاصة وان هذه الواقعة بشأن طلاب/ طالبات هذه الجامعة ليست الأولى من نوعها، وأيضا في ظل ما تم تداوله من ادعاءات عن شكوى سابقة من نيرة لإدارة الجامعة، ضد المبتزين وعدم تجاوب، بل وتواطؤ الإدارة مع الشكوى؛ بسبب نفوذ والد الطالبة المتهمة، مما أدى في النهاية لوفاة نيرة.
ولماذا لم تصدر الجامعة أي بيان عن هذه الجريمة المؤسفة حتى الآن؟
واعتبرت المؤسسة، أنه من المهم صدور قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء.