تعتبر الصناعة إحدى الوسائل الأساسية، التي تعتمد عليها دول العالم، في تقليل معدلات البطالة، وتوفير منتجات محلية رخيصة الثمن، لكن الاقتصاد المصري يسير عكس ذلك الطريق حاليًا.

وعلق القطاع المصرفي، استجابة لتعليمات شفهية من البنك المركزي، منح تمويلات جديدة في قطاع الصناعة ضمن مبادرة الفائدة المنخفضة (11 %) التي تدعمها وزارة المالية؛ بسبب ارتفاع تكلفة الأموال على الموازنة العامة للدولة.

قرار البنوك جاء رغم حديث الدولة في الوقت ذاته عن استراتيجية لإحلال المنتجات الصناعية المحلية، بدلاً من المستوردة؛ لتقليل فاتورة الاستيراد وتخفيف الضغط على العملة الصعبة والاحتياطي النقدي.

بحسب دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات، فإن مدخلات الإنتاج الصناعية تمثل 56 % من إجمالي الواردات، ما يتطلب من صانعي السياسة المصرية تشجيع العمليات الصناعية، التي تتعلق بإنتاج مدخلات الإنتاج.

ويطالب الخبراء بحوافز تمويلية للصناعة من بينها الفائدة البنكية، وطرح أراض صناعية، وإجراءات أخرى بهدف تعزيز نمو تلك القطاعات التي تشهد زيادة في القيمة المضافة باستخدام مكونات محلية، لكن الحكومة اتخذت خطوة مغايرة.

وتشمل الشركات المستفيدة من المبادرة الشركات الكبرى والمتوسطة، والمنشآت الصغرى ومتناهية الصغر المرتبطة بكيانات متوسطة أو كبرى، والمصانع داخل المناطق الحرة، والجمعيات التعاونية العاملة في المجال الزراعي، والتي يسمح نظامها الأساسي بالاقتراض.

أصدر البنك المركزي المصري، قبل عام تعليمات للقطاع المصرفي بتمويل الشركات، والمنشآت الخاصة التي تعمل في الصناعة والزراعة بشريحة تمويلية قيمتها 150 مليار جنيه، بسعر عائد متناقص يبلغ 11%.

هل تعطيل مبادرة الصناعة ضمن شروط الصندوق؟

 

مبادرة الصناعة
مبادرة الصناعة

تتحمل وزارة المالية التكلفة بين الفائدة الميُسرة البالغة 11 % والفائدة البنكية، منذ نوفمبر 2021، وفق قرار من مجلس الوزراء، صدر بعد أسابيع من اتفاقها مع صندوق النقد الدولي

وطالب الصندوق في 2021 بإلغاء كل المبادرات ذات الفائدة المنخفضة، مثل القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع السياحة، والتمويل العقاري من أجل توحيد أسعار الفائدة بالسوق المصرفية، لكن الحكومة فضلت نقل تلك المبادرات لوزارة المالية، لتكون الجهة المسئولة عن إدارتها ومتابعتها.

وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، في ديسمبر 2023، إن حجم التمويلات في مبادرة التمويل الميسر لأنشطة الإنتاج الزراعي والصناعي والسياحي بفائدة 11 % التي تم إطلاقها في 2023، تجاوز 88 مليار جنيه.

يبلغ الحد الأقصى لتمويل العميل الواحد في إطار المبادرة 75 مليون جنيه، وللعميل الواحد والأطراف المرتبطة به مبلغ 112.5 مليون جنيه، تشمل تمويل رأس المال العامل وشراء الآلات والمعدات في ضوء حجم الأعمال والقواعد المصرفية المنظمة.

العمالة المتأثر الأول من وقف المبادرة؟

 

 

بحسب مدير مصنع متوسط للملابس، فإن الفائدة المخفضة كانت نافذة تمويل جيد، في ظل ارتفاع أعباء الاقتراض البنكية إلى 28.5 %، وارتفاع تكاليف التنفيذ.

يعتبر مدير المصنع، أن تعليق الفائدة المخفضة من شأنه دفع أصحاب الأعمال لتأخير التوسعات الجديدة التي من المفترض، أن تساهم في زيادة التشغيل وتوفير فرص العمل للشباب.

ووفقا للدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط، فإن ما بين 650 و750 ألف خريج، ينضمون إلى سوق العمل سنوياً، وتكلفة خلق فرصة عمل جديدة للفرد الواحد، تتكلف ما بين 25 و30 ألف دولار كل عام.

لكن الدكتور أسعد عالم، المدير القطري لمصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي، يرى أن هذا الرقم لا يتضمن تراكمات البطالة الهيكلية بمصر، التي تحتاج لتوفير حوالي مليون فرصة عمل سنويًا، بحسب تقديراته.

ويمثل توفير فرص العمل أحد الحقوق الاقتصادية الأساسية للمواطن، فلكل فرد حق كسب رزقه عن طريق أداء عمل، يختاره أو يرتضيه بحرية، والدولة ملزمة بالتوفير التدريجي لهذا الحق عبر تقديم الإرشاد والتوجيه في مجال التعليم المهني والفني، واتخاذ التدابير الملائمة؛ لتهيئة بيئة ملائمة، تُعزز فرص العمالة المنتجة.

وبلغ معدل البطالة بمصر 7.1 % خلال الربع الثالث من عام 2023، بزيادة 0.1 % عن الربع السابق الذي بلغ 7 % خلال الربع الثاني من 2023، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

القطاع الخاص يواصل الانكماش

عمال القطاع الخاص
عمال القطاع الخاص

وواصل نشاط القطاع الخاص غير النفطي بمصر الانكماش في ديسمبر للشهر السابع والثلاثين على التوالي، بحسب مؤشر “ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات”، الذي كشف أيضًا عن انخفاض المؤشر الفرعي للإنتاج من 47.2 إلى 46.7.

ويواجه القطاع الخاص تحديات كبيرة أهمها ارتفاع تكلفة سعر الفائدة على الإقراض، وأعباء التشغيل خاصة الطاقة ومعدلات التضخم.

ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة، منذ مارس 2022، وحتى الآن بإجمالي 1300 نقطة أساس؛ لمواجهة تسارع معدلات التضخم.

بحسب التقديرات البنكية، فإن القيمة الإجمالية للمبادرة التي تبلغ 150 مليار جنيه، تم تحقيقها العام الماضي موزعة بين 140 مليارا لتمويل عمليات رأس المال العامل، و10 مليارات لتمويل شراء الآلات والمعدات.

وكان يفترض أن ينخفض المبلغ المخصص للمبادرة بنسبة 20 % سنويا لمدة خمسة أعوام، وفي حال امتداد التمويل لفترات أطول بعد انتهاء مدة المبادرة، يتحمل العميل تكلفة التمويل كاملة (فائدة تعادل فائدة البنوك دون دعم) .

صندوق النقد الدولي.. ضغوط على المبادرات

 

حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية
حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية

تقول حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، إنه مع كل مراجعة للاقتصاد المصري يقوم صندوق النقد بدراسة المبادرات التي تقدمها الدولة، مثلما حدث في برنامج التمويل السابق الذي تم خلاله وقف مبادرة إسكان الشباب.

أكدت أن المراجعات الجديدة للصندوق تتطلب توحيد الفائدة، فالفارق بين الفائدتين ترفع عجز الموازنة، ولذلك تم رفعها من 8 % إلى 11 %، مؤكدة أن تعليق المبادرة من شأنه رفع التكلفة على القطاع الصناعي الذي لا يستطيع يفترض بفائدة 28.5 %.

أضافت أن ذلك التعليق يتعارض مع الخطة الطموحة لتنمية الصادرات؛ لتحقيق مستهدفات الـ 100 مليار دولار، لأن التمويل من أهم الوسائل اللازمة؛ لاستكمال رحلة الإنتاج والمنافسة الخارجية، داعية إلى حل وسط برفع الفائدة للقطاع الصناعي ضمن المبادرة إلى 15 %, وهو حل قد لا يرضي صندوق النقد لخفض عجز الموازنة.

وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، في مؤتمر صحفي مساء أمس الأربعاء، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالنسبة للمراجعة الأولى والثانية يرتكز على الاستمرار في تحقيق فائض أولي في السنة المالية القادمة بنسبة 3.5 %، وخفض الدين تحت 90 %، وتخفيض مستوى العجز الكلي.