أثار قانون المالية الموحد، الذي أقره مجلس النواب في جلسته العامة تمهيدا للإقرار النهائي، جدلاً كبيرًا فيما يتعلق بتولي وزارة المالية تحديد حد أقصى سنوي لسقف الدين العام، ما يفقد ذلك القرار بحسب الكثير من الخبراء الهدف منه في ملف الاستدانة وعبء الفوائد.
يُعرف سقف الدين بالمبلغ الإجمالي الذي يمكن للحكومة اقتراضه لسداد مصروفاتها، ومن المفترض أن يكون وسيلة تضبط اعتماد وزارة المالية على الاستدانة؛ لسد عجز ت الموازنة العامة للدولة عبر أذون وسندات الخزانة.
ووضعت وزارة المالية مستهدفًا للعام المالي الجديد 2024/2025، الذي يبدأ في أول يوليو المقبل بخفض معدل الدين للناتج المحلي لأقل من 90 %، وترشيد الإنفاق، بحيث لا تزيد الاعتمادات المالية المخصصة لكل جهات الموازنة عن المقرر لها.
اعترض النائب أحمد البرلسي، عضو مجلس النواب، على منح وزارة المالية سلطة تقدير سقف الدين العام، معتبرًا أن الحكومة التي تسببت في زيادة ديون مصر 300 % غير مؤتمنة على تحديد سقف الدين على حد قوله.
وتضاعف الدين الخارجي خلال السنوات السبع الأخيرة وفق بيانات البنك المركزي، وارتفع من 55.8 مليار دولار في نهاية العام المالي 2015- 2016 إلى نحو 164.72مليار دولار في نهاية 2022- 2023.
يقول النائب، إن تحديد سقف الدين هو حق أصيل لمجلس النواب، وليس الحكومة، محذرًا الحكومة من استغلال تعديلات قانون المالية الموحد في زيادة القروض.
يقصد النائب النموذج الأمريكي لسقف الديون الذي يمنح الكونجرس سلطة وضع سقف الدين، وحال رغبة الحكومة في تخطيه، فإنه تخوض معركة؛ من أجل إقناع نواب الكونجرس بالموافقة عليه تحسبا للإغلاق.
وكشف وزير المالية محمد معيط، في مؤتمر صحفي الأحد الماضي حضرته، “مصر 360″، أن حزمة التمويل التي تستهدفها وزارته تتعدى 20 مليار دولار (تريليون جنيه تقريبًا)، تتوزع بين 9.2 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، و3 مليارات دولار من البنك الدولي، بينما يعلن الاتحاد الأوروبي سيعلن قريبًا عن مبلغ جيد لمصر، والمبلغ المتبقي من باقي المؤسسات الدولية مثل جايكا والبنك الإفريقي للتنمية وصندوق النقد العربي وغيرها.
موازنة البرامج.. وسيلة لضبط الدين تتأخر فيها المالية
سعي وزارة المالية لوضع سقف للدين، جاء مع مطالبتها في تعديلات القانون فترة تطبيق موازنة البرامج، والأداء إلى أربعة أعوام إضافية، وذلك النوع من الموازنات، يهدف إلي رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق العام من خلال ربط الاعتمادات المخصصة بالنتائج المراد تحقيقها، ما ينعكس على ملف عجز الموازنة وبالتبعية الحاجة للاقتراض.
بحسب أحمد البرلسي، فإن الوزارة تتحدث، منذ ستينيات القرن الماضي حول التوجه نحو تطبيق موازنة البرامج، وطوال تلك الفترة، كانت هناك مقاومة كبيرة من الحكومة ذاتها لعدم تطبيق هذه الموازنة، وكان آخر المحاولات قانون المالية الموحد الصادر عام 2022، الذي تحدث عن 4 سنوات للتطبيق، مر منها اثنان لكن الحكومة أضافت تعديلات جديدة لمنح نفسها 4 أعوام إضافية.
تعود محاولات وزارات المالية، تطبيق موازنة البرامج والأداء إلى موازنة العام المالي 1965 /1966، لکنها لم تستمر في إجراءات التطبيق، ولم يتعدى الأمر محاولات متقطعة على فترات زمنية طويلة.
تستهدف موازنة البرامج والأداء مواجهة عيوب الموازنة التقليدية التي تقوم على “البنود والاعتمادات”، وتركز على اعتماد إنفاق، دون أن تولي اهتمامًا للأهداف الأساسية والعوائد الاقتصادية والاجتماعية المحققة من وراء ذلك الاعتماد.
بحسب محمد معيط، فإن الحكومة طبقت البرامج والأداء في عدة وزارات، لكن التطبيق الكامل يحتاج إلى 6 سنوات من تاريخ العمل بقانون المالية الموحد في 2022، حيث مضى على صدور قانون المالية العامة الموحد عامان فقط.
وعزا وزير المالية طلبه بالتأجيل لعدم جاهزية وزارة المالية للتطبيق الذي يتطلب تدريب الموظفين في جميع الوزارات، وإنشاء البنية التحتية اللازمة على مستوى وضع الموازنات الخاصة بكل جهة.
التأجيل لمشكلات حقيقية أم عجز عن التطبيق؟
النائب عبد المنعم إمام، عضو مجلس النواب، اعتبر تأخر وزارة المالية نوع من عدم الجدية، معتبرا أن سقف الدين الذي تقترحه الوزارة مثل أستك “مطاط”، يمكنها كل سنة من تحديد الرقم مثلما تريد.
وأضاف النائب، أن قانون المالية الموحد يتضمن تشوهات عديدة تفرغه من مضمونه، ما يجعل التعديلات الأخيرة، لا تحل المشكلات، ولكنْ استمرار على نفس النهج، وتأكيد على أن الحكومة غير جادة في الانتقال إلى موازنة البرامج والأداء، فالموازنة الحالية، ليست موازنة بالمعنى الصحيح، ولكن مجرد شكل موازنة أو بيان مالي بالمصروفات والإيرادات.
المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، حاول امتصاص الهجوم الشديد على قانون المالية الموحد بمداخلات هاتفية في عدة قنوات فضائية خلال يوم واحد فقط، أكد فيها أهمية وضع سقف إلزامي للأعباء السنوية للديون بالتزامن مع ترشيد الإنفاق، واعتبره أحد أساسيات الإصلاح الاقتصادي.
ضم الهيئات الاقتصادية.. تحسين الدين العام
يخشى خبراء من سعي وزارة المالية؛ لتحسين صورة الدين العام عبر ضم الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة، فزيادة إيرادات الدولة، سيقلل حجم الدين العام أو أي مؤشر آخر، يتم قياسه وفقًا لتلك الموارد، حتى دون تحسن فعلي. .
أعلنت وزار ة المالية، في بيان صحفي مؤخرًا، عن ضم ٤٠ هيئة اقتصادية لموازنة «الحكومة العامة» بدءًا من العام المالى ٢٠٢٤/ ٢٠٢٥، على أن يضم الـ 19 هيئة المتبقية بغضون خمس سنوات.
لكن الدكتور محمد البنا، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، يقول إن تضخيم إيرادات الموازنة العامة سيقابله، تضخيم مماثل لمصروفات الهيئات الاقتصادية، وفي كل الأحوال فإن عجز الهيئات يضاف إلى عجز الموازنة.
ويطالب الخبراء بربط إدارة الدين العام بإطار اقتصادي كلي، تسعى الحكومة من خلاله لضمان القدرة على الاستمرار في تحمل مستوى معين للدين، ومعدل نموه. ووضع حزمة من السياسات الاقتصادية، يتم تنفيذها على المدى القصير والبعيد والمتوسط.
بحسب دراسة بعنوان “آليات علاج الدين العام” للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فإن الدين الخارجي يؤدي إلى تحويل الموارد الاقتصادية إلى الخارج، والدين المحلي يتمثل في إعادة توزيع الدخل بين المقيمين، فالاستخدام المتزايد لجانب من القروض العامة، فى الإنفاق على الاستهلاك العام، يعني نقل العبء المالي لهذه المصروفات إلى الأجيال المقبلة.
ويشير البنا إلى اختلاف أساسي بين المبدأ النقدي الذي تعد على أساسه الموازنة العامة، ومبدأ الاستحقاق الذي تعد على أساسه موازنة الهيئات الاقتصادية التي تدار على أسس تجارية، وتعد قوائم مالية، مثل قائمة الدخل والمركز المالي والتدفقات النقدية، وهو ما لا يصلح في الحسابات الحكومية.
لفت إلى أن الموازنة توفر “السلع والخدمات العامة” مثل الأمن والضمان الاجتماعي، والتعليم والصحة العامة، ويتم توفيرها للجميع دون مقابل، والأصل أن الهيئات الاقتصادية تقوم على إدارة مرفق عام أو توفير سلعة أو خدمة، ذات منفعة خاصة ونفع عام في آن واحد، وتوفر السلع والخدمات بمقابل، في شكل ثمن عام أو رسوم، لذا تم فصل موازناتها منذ عام 1979، وأكد قانون المالية الموحد الذي أصدرته الوزارة فبراير 2022 ذلك الفصل، متسائلاً: ما الذي حدث لتغيير ذلك التوجه؟