على الرغم من أن منظومة الحكم والتطرف الديني في إسرائيل، استخدمت مفردات داعشية بحق الفلسطينيين، ووصفتهم بالحيوانات البشرية، ودعت لضربهم بالقنابل الذرية، وكرر الحاخامات اليهود جملا، تدعو لقتل الفلسطينيين نساء وأطفالا، ومع ذلك لم يصفهم الكثيرون في الغرب بالإرهاب، في حين صنفت حركة حماس كجماعة إرهابية، ووصفها الخطاب الإسرائيلي، بأنها أسوأ من داعش، وهو بالتأكيد خطاب تحريضي، لا علاقة له بالحقيقة، وجزء من الأكاذيب الإسرائيلية التي ملأت العالم، وفاقت الحدود.

والمؤكد أن حماس تنتمي لفصائل الإسلام السياسي، وهي فصيل ديني متشدد، يستخدم العنف، ويمكن الاختلاف مع كل أو جزء من بنائه العقائدي وممارساته، ولكنه من الناحية العلمية ليس داعش، ولا يمكن مقارنة بنيته العقائدية، والفقهية بجانب خطابه السياسي بتنظيمات مثل القاعدة أو داعش.

والمؤكد أن خبرة داعش هي بالأساس خبرة إرهابية، حتى لو كان جانب كبير من دوافعها انتقامي، فقد استهدفت كل الأديان والمذاهب، وقتلت من المسلمين أكثر مما قتلت ممن تسميهم الكفار والمرتدين، كما أنها انتعشت في بلاد، عانت من حروب أهلية وانقسامات مجتمعية، ولم تطرح بديلا واحدا، قابل للتحقيق، فقد تحدثت عن دولة الخلافة، دون أن تمتلك القدرة على الوصول إليها، ولم تبن حتى خطة عمل، ولو بعيدة المدى لتحقيقها.

والمعروف أن داعش انتقلت بعد فترة من وجودها في العراق وسوريا من الحديث عن دولة الرسول، والخلفاء الراشدين إلى الحديث عن “دولة داعش”، باعتبارها “النموذج” أو منبع التسويق الدعائي؛ لجذب مئات الشباب؛ من أجل الانضمام للتنظيم المتطرف، بحيث انتقل مشروعها “الإسلامي” من مشروع تأسيس، أو استعادة دولة الخلافة الضاربة في التاريخ إلى صور “خلافة داعش” التي قدمت كنموذج عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيه إغراء للشباب المستهدف، بتحقيق الذات من خلال قتال “الظلم والظالمين”، والزواج اليسير في الدنيا وبـ “حور العين” في الآخرة.

بالمقابل، فيمكن القول إن الجانب العقائدي والفكري لحركة حماس ملئ بأفكار تتحدث عن الدولة النموذج التي تطبق شرع الله، وتلتزم بتعاليم الإسلام، وهي دولة الرسول في مكة والمدينة، ودولة الخلفاء الراشدين الأربعة، وانتمت لمدرسة الإخوان المسلمين الفكرية، ومع ذلك فهي لم تسع لتطبيق أي من هذه الأفكار، وانفصلت تنظيميا عن الإخوان، وأصبح هدفها الوحيد مقاومة الاحتلال، وليس بناء “الدولة الإسلامية”.

إن بنية حماس العقائدية تختلف تماما عن داعش التكفيرية والانتقامية، فهي تنطلق من فكرة المقاومة، ورفض الاحتلال، ولا تتعامل مع إسرائيل، باعتبارها دولة كافرة، ولا تعتبر أن مشكلتها مع اليهود، لأنهم يهود إنما لأنهم محتلون.

كما أن حماس اختلفت مع نظم عربية كثيرة، واختلفت معها قوى وتيارات سياسية فلسطينية وعربية، كما صنفتها الدول الغربية جماعة إرهابية، ومع ذلك لم تقم بعملية إرهابية واحدة في مواجهة أي دولة أو نظام، يختلف معها أو يصنفها كحركة إرهابية، وكان يمكن أن تقول: “بما أنهم يصنفوننا كإرهابيين، فلا يوجد ما يمنع من استهداف اليهود في فرنسا أو أمريكا أو داعمي الاحتلال” في أي مكان بالعالم، وهو ما لم يحدث.

أما داعش فقد استهدف جيوش النظم العربية التي وصفها بالمرتدة، وحارب مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة، ووصفهم تارة بالطواغيت، وتارة أخرى بأوصاف طائفية، ولم يضبط تنظيم داعش لمرة واحدة متلبسا بمحاربة إسرائيل في أي مكان، إنما كان خنجرا حقيقيا في وجه كثير من القوى التي حاربتها.

بنية حماس العقائدية ليست بنية تكفيرية، وهذا لا يعني الاتفاق مع مشروعها الفكري والسياسي، إنما يعني التأكيد، على إنه حين نكون أمام حركة مقاومة في مواجهه دولة احتلال، فإن النقاش يجب أن يكون حول صحة أدواتها وأساليبها المقاومة من عدمه، وحول ما إذا كان النموذج الذي قدمته في إدارة قطاع غزة، منذ سيطرتها عليه في ٢٠٠٧ نموذج نجاح أم لا؟

كل هذه الأسئلة مشروعة، ومطلوب النقاش حولها، أما القول إنها حركة إرهابية مثل داعش، فهذا خارج أي فهم علمي لظواهر جماعات الإسلام والسياسي، والأهم إنه يعطي غطاء لإسرائيل؛ لكي ترتكب ما تشاء من جرائم، وأن تعتبر جرائمها في غزة “حرب ضد الإرهاب”.

حماس تحرص، على أن يكون لديها بيئة حاضنة داعمة لها، وتعتبر الجمهور الفلسطيني والعربي، أحد مصادر قوتها ولذا يفرق معها، أن تخسره أو على الأقل تخسر جانبا منه، وهي تتمسك بصورتها كنموذج للصمود والمقاومة، أما تنظيم داعش فقد سيطر على حوالي ثلث أراضي العراق، واستقبله كثيرون بالترحاب نكاية في التنظيمات الشيعية المتطرفة، ولكنه سرعان ما فقد هذا الدعم الشعبي في أشهر قليلة؛ بسبب الجرائم التي ارتكبها وفشله الكامل في إدارة هذه المناطق، وانتظر سُنة هذه المناطق الجيش العراقي؛ لكي يخلصهم من سيطرة داعش، أي أن الأخير “أي داعش” لا يهمه الجمهور والشعب والبيئة الحاضنة، في حين أن حماس هي بنت هذه البيئة الحاضنة والخيار الشعبي، حتى لو فقدت جانبا منه.

لا يوجد باحث غربي أو عربي، يمتلك حد أدنى من النزاهة العلمية، يمكن أن يعتبر داعش مثل حماس، حتى لو اختلف معها كليا، مثلما لا يمكن اعتبار حزب الله هو داعش، حتى لو اختلف معه، لأن الفروقات الفكرية والعقائدية والممارسة العملية واضحة تماما بين الجانبين، وإن الاختلاف مع حماس، بل ورفض مشروعها العقائدي والسياسي مقبول، ولكن نتيجة أسباب تختلف عن تلك التي تجعلنا، نرفض تنظيما إرهابيا مثل داعش.