أثار ما فعله عم ربيع بائع الفاكهة، بإلقاء البرتقال على ناقلة ذاهبة، تنقل مساعدات إلى غزة، والذي أذيع على منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا، ونال انتشارا واستحسانا كبيرا، إعجاب كثير من المصريين الأمر الذي دفع بعضهم للمساهمة في إيجار محل خاص به، على نفقته الخاصة، وهو ما يثير إلى حجم التضامن مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جانب قطاعات كبيرة، تنتمي لمختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، وما يتعرض له من جرائم حرب، وهو ما يعيد الاعتبار لأهمية القضية الفلسطينية في الوعي الشعبي الجمعي المصري.
وهو ما ظهر خلال السنوات الأخيرة بشكل واضح، خاصة في اعقاب الحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة والضفة الغربية، ومن قبلها رفض المذابح التي يقوم بها الصهاينة، ومن أبرزها مذبحة الحرم الإبراهيمي في أواخر التسعينيات، انتهاء بجرائم الحرب التي يقوم بها في الحرب الأخيرة، وظهر ذلك في الفترة الأخيرة في عدد من الأفعال أهمها:
ـ التجاوب الكبير من آلاف المصريين بالمشاركة بالتظاهر تضامنا مع الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الدعوة التي روجت لها أحزاب الموالاة، أو أحزاب الحركة المدنية في أكتوبر الماضي في الميادين، والجامعات والساحات المختلفة في مختلف المحافظات.
وبالرغم من معاناة المصريين من الوضع الاقتصادي الصعب، بما صاحبه من ارتفاع التضخم، طال كافة السلع الغذائية الأساسية، وامتد إلى كافة مناحي الحياة، إلا أن التجاوب مع ما يحدث في القطاع، لم يغب عن أذهان المصريين على المستوى الوجداني، والعملي بالاستعداد للمساهمة في دعم المساعدات المتجهة إلى غزة، إلى جانب دخول قطاعات أخرى على الخط كأمناء الشرطة، كما فعل أحدهم في الإسكندرية برفع العلم الفلسطيني من مكان عال.
وظهر ذلك الدعم من جانب القوى السياسية المصرية المعارضة منها، والمقربة من النظام أيضا، في أنشطة، والوقفات الاحتجاجية للصحفيين والكتاب والمحامين والمهنيين والطلاب، وبشكل خاص تلك التي تمت أمام سلم نقابة الصحفيين، إذ سبق أن شهد مئات المظاهرات، منذ ميلاد حركة كفاية، وحتى ثورة 25 يناير، وانتهاء بالمظاهرات الخاصة بتيران وصنافير.
ـ استعادة نشاط اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، الذي ظهر في بداية الألفية الثانية، بدعم من بعض الناشطين اليساريين والقوميين والليبراليين، والذي دعموا جمع حملات للتبرع من المصريين لأشقائهم في قطاع غزة.
ـ تزايد الاهتمام من جانب الحركة المدنية المعارضة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو ما ظهر في أكثر من بيان، تناول الموقف الرسمي المصري، مما يحدث في غزة. ودعوة الحركة في أكثر من مناسبة لمظاهرات تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
ولم يقتصر هذا التضامن على النخب السياسية، والنقابية والحزبية فقط، بل امتد إلى المواطنين غير المسيسين، أو المحسوبين على قوى سياسية بعينها، من خلال عدد من الفيديوهات التي تم بثها على وسائل التواصل الاجتماعي بالدعوة إلى آليات تضامنية ومواقف سياسية أكثر حدة من جانب الدولة المصرية.
تؤشر هذه الحملات إلى دلالات مهمة أهمها:
ـ فشل كل الحملات الموجهة سابقا بمحاولة تهميش الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وإبعاد مصر عن الاهتمام، بما يحدث على حدودها، وفي الوطن العربي بشكل عام، والإشارة إلى ادعاءات وأكاذيب غير حقيقية، روجتها بعض الأبواق بتخلي الفلسطينيين عن أراضيهم، وهو ما ظهر في الحقبة الساداتية، في محاولة لتبرير الابتعاد عن الاهتمام بالهم الفلسطيني.
وهو ما يؤكد فشل الحملات الأخرى؛ لتبرير خيارات بعض القوى الرسمية أو السياسية، بإبعاد مصر عن الاهتمام بمحيطها العربي، وهو الذي يمثل إحدى أساسيات الأمن القومي المصري والعربي.
ـ الدور المهم الذي تلعبه هذه الحملات الاحتجاجية في استعادة الدور السياسي للأحزاب، والقوى السياسية والنقابات المهنية والعمالية، من خلال دعم دورها النقابي والمهني، والذي من المرشح أن يمتد بالضرورة إلى القضايا الداخلية.
وهو ذات ما حدث في الفترة التي أعقبت الحراك السياسي المصري الذي ظهر، منذ نهاية التسعينيات، وتبلور لاحقا في إنشاء حركة كفاية وأخواتها، ثم ركز البعض من المثقفين المصريين، بأن تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة كمقدمة لتوجيه الاهتمام بتنشيط دور القوى السياسية في مقاومة سياسات النظام وتوجهاته، وهو ما نجح فعليا في الخامس والعشرين من يناير.
تؤكد هذه الحملات، أن القضية الفلسطينية قضية أمن قومي بالنسبة لمصر، وتعيد هذه القضية للصدارة مرة أخرى بعد كل محاولات تصفيتها سياسيا من جانب بعض الأنظمة التي أقبلت على التطبيع مع دولة الاحتلال.
إذن لم يخبُ الاهتمام بالقضية الفلسطينية وفعالياتها أبدا، حتى في ظل الحملات الإعلامية التي تم الترويج لها في ظل حكم الرئيس الراحل أنور السادات، ضد الانتماء العربي لمصر والقضية الفلسطينية، خاصة في أعقاب زيارة القدس، وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979.
بالرغم م كل الحملات الإعلامية التي كان يقوم بها إعلام هذه الفترة، ضد القضية الفلسطينية. سواء بالتضامن ضد مذبحة الحرم الإبراهيمي في عام 1993، وقبلها بالتضامن مع الجندي سليمان خاطر، ثم أيمن حسن، ثم الجندي محمد صلاح لاحقا في العام الماضي، والذي اشتبك كل منهم بدوره مع جنود إسرائيليين، وقتل بعضهم.
والسؤال المهم، هل تؤثر هذه الحملات في صانع القرار المصري؟ وهل تدفعه باتجاه تغيير سياساته باتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية أقوى في ظل استمرار العدوان والمذابح المتوالية التي يرتكبها ضد المدنيين رجالا ونساء وأطفالا؟.
وهل يضعها في الاعتبار لمقاومة المخطط الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية، والتراجع عن كل القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة، والتي تؤكد الحقوق العربية والفلسطينية، وتؤكد على بطلان كل التصرفات الإسرائيلية، سواء بضم الأراضي وبناء المستوطنات. كما يبقى التأكيد على الدور الذي تلعبه محكمة العدل الدولية، والقضاء الدولي في رفض جرائم الحرب التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.