“وراح معايا ابن عمي بالزقلة (الشومة) للجنة تقديم أوراق ترشيحي في المجلس المحلي للقرية”؛ خوفا عليها من خصومها في الانتخابات.

هكذا حكت لي صفاء الخريشي رئيسة مجلس إدارة جمعية أهل بلدي بقرية جراجوس عن تجربتها في خوض انتخابات المحليات للقرية في عام ٢٠٠٨، كأول سيدة في القرية، وكيف واجهت اعتراضات المنافسين من الرجال.

الحكايات في الصعيد لها طعم مختلف، وخاصة حكايات النساء التي دائما تدور بين فكرتين أساسيتين: فهن إما مناضلات وإما مقهورات، المساحة المتروكة للحكايات العادية ضئيلة للغاية.

استقل القطار من قنا إلى أسوان حاملا هم طول المسافة، وإرهاق اليوم الطويل، لكن الصعيد يأبى لزائره الملل أو المعاناة، دعوة أمي أن يرزقني بولاد الحلال في طريقي جمعتني بالصدفة بسيدة من القيادات المجتمعية، مناضلة صعيدية.

رحلة طويلة، خاضتها صفاء السيدة الصعيدية الحاصلة على الدبلوم، وأم لأربعة أبناء، والتي بدأت مشوارها كرائدة ريفية، ثم أصبحت من القيادات المجتمعية في محافظة قنا، حتى أنها كانت متحدثة في أحد المؤتمرات أمام رئيس الجمهورية.

استطاعت صفاء، أن تبني صرحا تنمويا في قريتها، يعمل في مجالات متعددة لبناء قدرات الشباب والشابات،  وتطوير وتنمية المجتمع، لكنها واجهت تحديات كثيرة، أتمنى ألا تواجه الأجيال القادمة من النساء والفتيات.
لم تكن وحدها صفاء التي تواجه التحديات، فقد حكى لي سائق التاكسي في طريقي إلى محطة قطار سوهاج عن مهندسة المحافظة التي كانت مثال للانضباط والتفاني في العمل، وكيف كانت تقود حملات إزالة الإشغالات في كل الأوقات، حتى أنها كانت تخرج في ورديات ليلية حاملة معها سلاحها المرخص.

لكنها لم تدم طويلا في مكانها الوظيفي فكما قال السائق: “علشان ماشية دوغري، اتنقلت مركز طهطها وحرمونا منها ”

سألته: هل توافق على أن تُعين ست محافظا لسوهاج؟

لم يتردد في الإجابة وقال: طبعا ما إحنا جربنا الرجالة سنين، نجرب بقى الستات.

القيل والقال في مواجهة النساء

جزء مما تعانيه النساء في الصعيد، هو القيل والقال و محاولات التشهير، وإساءة السمعة، ففي كثير من قرى الجنوب تعليم البنات، وخروجهن خارج القرية يوميا عبء على النساء والرجال في الأسرة.
حيث تجلس العجائز على المصطبة، لا تجد ما تتحدث به إلا النميمة وتلقيح الكلام على تلك الفتاة التي تخرج، وتذهب إلى المدرسة أو الجامعة، ويضطر الأخ أو الأب لمرافقتها في رحلتها اليومية ذهابا، وإيابا في محاولة لتقليل كلام الناس.

الخطاب الديني في الصعيد 

في لقاء مع مجموعة من رجال الدين أغلبهم متجاوزين الخمسين، كان اللقاء عن تعديل تشريعات الأحوال الشخصية، فما زالت المحاكم في الصعيد تحكم بنفقة، لا تتجاوز الأربعمائة جنيه لأسرة كاملة، وما زالت هناك قيود كثيرة تمنع النساء من اللجوء إلى التقاضي للحصول على حقوقهن.

لكن المشايخ كانوا يحدثونني عن الفحولة المفرطة للرجال، وأن ذلك هو سبب التعدد.

واجهتهم بما صرح به الدكتور كمال شعير، أستاذ طب وجراحة أمراض الذكورة والأمراض التناسلية بكلية الطب جامعة القاهرة، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لطب الجنس وجراحاته ومؤسس الجمعية العربية لعلوم أمراض الذكورة، أن إحدى الدراسات التي أجريت في مصر قد خلصت، إلى أن 63.6 % من المصريين يعانون من الضعف الجنسي.

ثم طرحت عليهم سؤال: هل الشهوانية مطلوبة في الإسلام يا مشايخ؟ أم أن الدين جاء لتهذيب الرغبات والشهوات؟

الرغبات الجنسية للرجال لها تقديرها في المجتمع المصري، وبخاصة في الصعيد ومدعاة للفخر.
بمجرد رؤية العضو التناسلي للذكر لحظة الميلاد، مرورا بوقت البلوغ، تفرح الأسرة ببلوغ الذكر، وما يصاحب ذلك من خشونة الصوت وظهور اللحية والشنب .

وعلى خلاف ذلك تعاقب الفتيات على بلوغها، وتواجه الكثير من النقد واللوم والتقريع، وتظهر لائحة بالمحاذير بمجرد بلوغهن، وأكبر دليل علي قهر البنات ومحاولات طمس رغبتهن الجنسية جريمة تشويه أعضائهن التناسلية (ختان الإناث)؛ ظنا منهم أن هذا هو الطريق إلى العفة.

اجتهادات الأزهر لم تصل الصعيد

بالرغم من أن وثيقة الأزهر لحقوق المرأة صدرت في ٢٠١٣، وتلتها العديد من الاجتهادات والتصريحات الهامة لفضيلة الأمام الأكبر أحمد الطيب ،لكن يبدو أن ذلك لم يصل إلى الصعيد، وبخاصة شيوخ وعلماء الأزهر والأوقاف.
حتي هذه اللحظة يمكنك ان تقابل شيوخ ينادون بالختان وتزويج الطفلات من سن ١٠ سنوات وتأديب المرأة بالضرب من زوجها وأبيها وابنها في بعض الأحيان .

الأجيال الجديدة من الشباب

في مناقشات جمعتني مع مجموعة من الشباب في الصعيد، يدرسون الحقوق، كان هناك مجموعة من القناعات تشكل وعيهم تجاه النساء.

١-ميراث البنات يكون أموالا، حتى لا تنتقل الأرض والبيت إلى الأغراب (أبناء الأخت) أو زوجها.

٢-علاقة الزواج علاقة تبعية، فيها زوج مسيطر وزوجة تابعة، يملك فيها الزوج حق الطاعة المطلقة وتأديب زوجته.

3-عمل الزوجة واستكمال تعليمها، لا يكون إلا بموافقة الزوج.

4- يملك الذكر في الأسرة سلطة، تمكنه من فرض سيطرته على إناث العائلة لمجرد، أنه ذكر، هكذا حكى لي شاب في العشرينات من عمره، كيف أنه يملك سلطة ضرب زوجه أخيه المسافر إلى الخليج، إذا خالفت أوامره، مع العلم أن زوجة أخيه تكبره بعشرين عاما.

هذه الأفكار وتلك القناعات، تحتاج إلى مجهود من كافة المؤسسات الرسمية، وغير الرسمية للعمل على مواجهتها؛ فالتنمية لن تتحقق إلا بتحقيق المواطنة والمساواة والقضاء على التمييز.