تمثل القـدرة على تحمــل التكاليــف العلاجية، فيما يتعلق بالأدوية والخدمات، خاصــة للفئات الفقيرة من السكان، أحد الاشتراطات الأساسية؛ لتوفير الحق في الصحة في المواثيق الوطنية والدولية.

وزارتا الصحة والتنمية المحلية أثارتا المخاوف؛ بشأن هذا الحق، أخيرًا، بقرارين استهدفا المستشفيات والوحدات الصحية التابعة للحكم المحلى.

جاء القرار الأول، بتوقيع الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة برقم 93 لسنة 2024، وينص على قصر صرف العلاج؛ للمترددين على العيادات الخارجية الصباحية بالمنشآت الصحية التابعة لوحدات الإدارية المحلية على صنف واحد مجاني من قائمة الأدوية الأساسية، على أن تتولى الإدارة المختصة بالشؤون الصيدلية بوزارة الصحة والسكان إصدار قائمة بتلك الأدوية، يتم تحديثها بصفة دورية، بما يراعي المستجدات ومعدلات الإتاحة للأصناف.

أما القرار الثاني، فحمل رقم “95” لسنة 2024، وأصدرته وزارتا الصحة والتنمية المحلية معًا، وتضمن لائحة أسعار جديدة للخدمات الصحية والأشعة والتحاليل داخل المستشفيات الحكومية التابعة لوحدات الادارة المحلية، على أن تخصص ٢٥ ٪ من الأسِرَّة للعلاج المجاني.

وجعل القرار أولوية العلاج المجاني للمواطنين الحاصلين على معاش تكافل وكرامة وحاملي بطاقة الخدمات المتكاملة، أو أسر الشهداء والضحايا ومصابي العمليات الحربية، على أن يتم تقديم بحث اجتماعي بتوصية لجنة البحث الاجتماعي بالمستشفى، ممن لا يتمتعون بتأمين صحى بشرط اعتماده من مدير المستشفى، بجانب منح أولوية أيضًا لحالات الطوارئ والحوادث والحالات الحرجة.

تخضع مستشفيات الوحدات الصحية لوزاراتي الصحة والتنمية المحلية معًا، فمجلس إدارتها، يتشكل بقرار من المحافظ المختص بناء على اقتراح مدير الشؤون الصحية من تسعة أعضاء.

في توقيت خانق

الدكتور محمد عز العرب، المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، قال إن كلا القرارين خطأ، وأنهما صدرا في توقيت اقتصادي خانق، ليس فقط على الفئات تحت مظلة التكافل، بل حتى على الفئة المتوسطة.

وتساءل: كيف تكون نسبة الأسِرَّة المجانية هي ٢٥ % فقط، فيما يجب العكس، أي أن تكون نسبة المجاني لا تقل عن ٧٠ %.

عدد الأسِرَّة في القطاع الحكومي تراجع بشكل ملحوظ من  98.3 ألف سرير عام 2011، إلى 88.5 ألف سرير  عام 2020، رغم تزايد عدد السكان بنحو 20 مليونًا، خلال الفترة ذاتها بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وسجلت تكلفة الرعاية الصحية ارتفاعاً قدره 25.7 % في الفترة بين  فبراير 2024، والشهر ذاته من عام 2023، بسبب ارتفاع أسعار مجموعة المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية بنسبة 28.2 %، ومجموعة خدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة 19 %، ومجموعة خدمات المستـشفيات بنسبة 26.9 %، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أيضًا.

يخالف الدستور

أضاف عز العرب، أن القرار الوزاري 93 الذي نص علي صرف صنف دوائي واحد فقط للروشتة، لا يتماشى مع  المادة 18 من الدستور المصري 2014، والتي تنص صراحة على حق كل مواطن في الصحة، وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة.

وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب، ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.

وتساءل: أين دور مجلس النواب في تلك القرارات، والتي تمس قطاعا كبيرا من المواطنين؟.

من يختار الدواء الطبيب أم المواطن؟

يقول الأطباء، إن القرار لا يوضح من يختار الدواء، فهل سيكون المريض الذي سيختار بالطبع الصنف الأعلى سعرًا، حتى يوفر في فاتورة باقي الأصناف، أم الطبيب المعالج الذي سيختار النوع حسب توافره فى صيدلية المستشفى بغض النظر عن السعر.

بحسب شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية، تعتزم شركات الأدوية التقدم بطلبات لهيئة الدواء المصرية لرفع أسعار حوالي 1500 صنف دواء بمتوسط، يتراوح ما بين 20 إلى 25 %، بسبب ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج.

تؤكد غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية، أن 40 % من الأدوية المتداولة في مصر ناقصة، بسبب أزمة الدولار، التي دفعت المصانع للعمل بـ 60 % من طاقتها الإنتاجية في ظل نقص المواد الخام المستوردة.

يقول الدكتور مصطفى جاويش، وكيل وزارة الصحة الأسبق، إن التوقيت غير مناسب؛ لإصدار قرارات بزيادة أسعار الخدمات الطبية أو تقليص الإقامة المجانية إلى 25 % من عدد الأسرة، مقابل 60 %، والإصرار على دواء واحد فقط، رغم نقص الأدوية  في الصيدليات وارتفاع أسعارها.

تؤكد غرفة صناعة الدواء، أن 15 % من الأدوية الناقصة ليس لها بدائل تحوي نفس المادة الفعالة، فيما تتوفر الأدوية الناقصة الأخرى بأسماء تجارية مختلفة، معتبرة أن الزيادة الكبيرة في أسعار الدولار تتطلب زيادة أسعار الأدوية بنسبة 100 %، حتى تتمكن الشركات من توفير الدواء في مثل هذه الظروف.

أضاف جاويش، أن هيئة التأمين الصحي “القديم” الذي يغطي 59 % من المواطنين، رفعت أسعار  24 خدمة صحية من بينها خدمة الكشف عند الاستشاري والأخصائي، ما يشير إلى توجه نحو زيادة الموارد الذاتية لكل الجهات، خاصة بعدما حصدت هيئة التأمين الصحي الشامل مليار جنيه، من التمويل الذاتي في يناير الماضي.

تسليع الصحة 

حذر جاويش، مما أسماه بـ “تسليع الصحة”،أي التعامل مع العلاج والصحة باعتبارها سلعة ونشاطا للتربح والمكسب، من خلال مطالبة الجهات الصحية تحقيق عوائد من مواردها الذاتية، وهو ما يؤثر على حق المواطن المصري، خاصة محدودي الدخل في الحصول على الخدمة، وهو ما ظهر مؤخرا  في توجه الدولة نحو منح القطاع الخاص حق إدارة المستشفيات.

تؤكد دراسة حديثة للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، والإحصاء والتشريع، وجود علاقة تشابكية بين سياسات الإصلاح الاقتصادي والقطاع الصحي فى مصر، حيث أدت تلك السياسات إلى تغيير مستويات دخول الأفراد، وانخفاض الدخول الحقيقية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات الصحية، وزادت نسبة الأمراض الناتجة عن سوء التغذية مع ارتفاع مستويات الفقر.

وزارة الصحة: زيادات طفيفة ونستهدف بقاء الأطباء 

بحسب مسئول بوزارة الصحة والسكان، فإن القرارات سالفة الذكر جاءت وفقًا لحكم المادة (10) من اللائحة الأساسية للمنشآت الصحية التابعة لوحدات الإدارة المحلية، وتستهدف تعزيز دعم رواتب الأطباء؛ من أجل ضمان بقائهم.

يضيف المسئول، أن الزيادات التي حدثت طفيفة، ولا تؤثر على محدودي الدخل، ولا يمكن مقارنتها بالعيادات الخاصة التي يتراوح فيها الكشف بين 200 و600 جنيه، فقيمة الكشف بالنسبة للممارس العام 15 جنيهًا، والأخصائى 25 جنيهًا، والاستشاري 45 جنيهًا.

وأكد الدكتور محمد معيط وزير المالية، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل، في بيان له مؤخرًا، أن الموازنة الجديدة للعام المالي 2024/ 2025 ستشهد زيادة في مخصصات قطاع الصحة، خاصة الإنفاق الاستثماري؛ بما يسهم فى دفع مسيرة تطبيق «التأمين الصحي الشامل» بالمحافظات؛ باعتباره أداة رئيسية لإصلاح القطاع الصحي في مصر، وتخفيف الأعباء النفسية والمالية المترتبة على المرض، ومن ثم الحد من معدلات الفقر.