“ألا وجه لإقامة الدعوي”، هذا هو القرار الثالث هذا العام، في قضية التمويل الأجنبي “173 لعام2011″، جاء لينهي واحدة من أطول رحلات التقاضي التي خاضتها 85 منظمة مجتمع مدني، و180 مشكو في حقهم، وربما لا توجد مبالغة في القول أن هذه القضية كانت محاكمة لفكرة العمل الحقوقي بالكامل،
القرار الذي اصدره المستشار أحمد عبد العزيز قتلان، قاضي التحقيق المنتدب من محكمة استئناف القاهرة للتحقيق في القضية، جاء خاصا بمنظمات” مركز المبادرة للدراسات والاستشارات، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والمؤسسة العربية للإصلاح الجنائي العقابي، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف”
كما شمل القرار رفع أسماء من تضمنهم الأمر من قوائم الممنوعين من السفر، وقوائم المنع من التصرف في أموالهم الثابتة والمنقولة.
البداية 2011
القضية بدأت وقائعها فى 3 يوليو 2011، حينما كلف رئيس الوزراء عصام شرف، وزير العدل المستشار محمد عبد العزيز الجندى، بتشكيل لجنة تقصى حقائق للكشف عن تمويل الجمعيات والمنظمات الأجنبية فى مصر، وتشكلت اللجنة برئاسة المستشار عمر الشريف، مساعد وزير العدل السابق للتشريع، وعضوية المستشارة أمانى البغدادي، والمستشار أحمد شريف، والمستشار ماجد صبحي إضافة إلى عدد من الوزراء أبرزهم الدكتورة فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى آنذاك.
وفي سبتمبر من العام نفسه انتدب “الجندي” المستشارين سامح أبوزيد وأشرف العشماوي بمحكمة استئناف القاهرة للتحقيق في تقرير اللجنة.
فى 29 ديسمبر 2011، اقتحمت قوات الشرطة، برفقة مسئولين من النيابة العامة، مقار 17 منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية تعمل فى مصر، بناءً على طلب من قضاة التحقيق المُنتدبين
وفى 5 فبراير 2012، قررت جهة التحقيق المنتدبة من وزير العدل برئاسة المستشارين سامح أبو زيد وأشرف العشماوى، إحالة 43 متهما من الجنسيات المصرية والأجنبية إلى المحاكمة الجنائية أمام محكمة جنايات القاهرة، إضافة إلى استمرار وضع المتهمين المحالين للمحاكمة على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول.
كانت التهم المسندة من النيابة العامة للمحالين هي تأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية بدون ترخيص من الحكومة المصرية، وقبول تمويل أجنبى بهدف إدارة فروع هذه المنظمات الدولية، مما يخل بسيادة الدولة المصرية.
بعدها بثلاثة اسابيع وتحديدا في 26 فبراير 2012، بدأت محكمة جنايات شمال القاهرة نظر القضية، وحضر فى الجلسة الأولى كل المتهمين المصريين الـ 14 وتغيب كل المتهمين الأجانب.
وفي اليوم نفسه ألقى رئيس وزراء مصر وقتها دكتور كمال الجنزوري بيانا امام مجلس الشعب جاءت فيه جملة “مصر لن تركع وسنعامل دول العالم بالمثل”
فى 28 فبراير 2012، أعلن المستشار محمد محمود شكرى رئيس الدائرة الثامنة بمحكمة جنايات شمال القاهرة، تنحيه عن القضية “لاستشعاره الحرج”
فى 29 فبراير 2012، قررت دائرة التظلمات بمحكمة جنايات القاهرة قبول تظلم 17 متهما أجنبيا على قرار منعهم من السفر، وبعد 24 ساعة غادر الـ 17 مطار القاهرة على متن طائرة أمريكية بعد قرار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، برفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر، ودفعهم غرامة 32 مليون جنيه.
فى 24 مارس 2013 أعلن مجلس الشورى عن تقسيم قضية التمويل إلى شقين الأول يختص بالجهات الأجنبية والمنظور أمام القضاء المصرى ويتم فيه الفصل لاحقا، أمّا الشق الثانى كان بخصوص المنظمات المحلية.
في يونيو2013 قضت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار مكرم عواد، بمعاقبة 27 متهما غيابيا بالسجن 5سنوات ومعاقبة 5 آخرين حضوريا بالحبس سنتين وبمعاقبة 11 آخرين بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ و تغريم كل متهم ألف جنيه، وغلق جميع مقرات وأفرع المعهد الجمهوري والديمقراطي الأمريكي و”فريدوم هاوس” و”كونراد ايناور” الألمانية ومصادرة أموالها والأوراق التي ضبطت بها.
وبعد ثلاث سنوات تقريبا في مارس2016 قرر المستشاران هشام عبد المجيد وأحمد عبد التواب، قاضيا التحقيق بقضية “التمويل الأجنبي” منع حسام بهجت وجمال عيد وأسرتيهما و5 آخرين من التصرف في أموالهم. وقيل وقتها انها إجراءات احترازية.
من 24 مارس 2013 وحتى أمس 20 مارس2024، 13 عاما كاملة انقضت حتى فصل القضاء نهائيا في الشق الخالص بالمنظمات المحلية.
حيث خرجت المنظمات والهيئات تباعا، وصولا الي اغلاق القضية نهائيا وبالكامل،
خلال سنوات القضية لاحقت المشكو في حقهم والمجتمع المدني والعمل الحقوقي اتهامات العمالة، والتربح والعمل ضد مصلحة الوطن.
الحقوقي عصام شيحة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان رحب بالقرار معترا انه جزء من الجهود الوطنية المستمرة لتعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة في مصر، لا سيما الحق في التنظيم.
وأعرب عن أمله أن يتبع إغلاق قضية التمويل الأجنبي مزيد من التدابير والإجراءات لخلق مساحة أكبر لعمل منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية في مناخ حر وآمن.
العدالة البطيئة والمطلوب الآن
نائب رئيس الجمهورية الأسبق محمد البرادعي غرد تعقيبا على الخبر قائلا :” فى القانون والعدالة..العدالة البطيئة هى عدالة غائبة”
الناشط الحقوقي حسام بهجت من جهته علق قائلا:” أصدر قاضي التحقيق قراراً بإغلاق قضية المجتمع المدني 173 نهائياً بعد 13 عاماً من التحقيقات ثبت بعدها “عدم كفاية الأدلة” حسب القرار، وبموجبه رفع المنع من السفر والتحفظ على الأموال والممتلكات المفروض ضدي وزملاء آخرين منذ 8 سنوات دون محاكمة، شكراً لكل من سعى لرفع الظلم ولكن”
واستطرد:” المطلوب الآن إسقاط التهم ضد زملائي في المبادرة محمد بشير وكريم عنارة وجاسر عبد الرازق ورفع المنع من السفر والتحفظ على أموالهم، والاعتذار الرسمي من السلطات عن الضرر المعنوي والمادي الواقع علينا لمدة 13 سنة بسبب هذه القضية الملفقة، وتعديل كافة القوانين لمنع تكرار هذه المهزلة”
خلال تلك السنوات اهتم المعنيون بالملف الحقوقي بقراءة وتحليل العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وآليات إزالة سوء الفهم بينهما.
مصر 360 و”دام”.. مساهمات ومواكبة
ومنذ انطلاقه حرص موقع “مصر360” علي مناقشة أوضاع المجتمع الحقوقي والمدني من خلال إطار أشمل ورؤية أعم، لا تفصل هذه القضية أو تلك عن أنماط التفكير والتلقي، وتري إمكانية للخروج من نفق الأزمة المظلم، بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني
في فبراير 2021 قدم مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني،
التوصيات تضمنتها ورقة بحثية نشر “مصر 360″ مقتطفات منها، واتاحها كاملة للاطلاع.
رصدت الورقة، الملامح الرئيسية لسياسات السلطة في مصر تجاه منظمات المجتمع المدني والتي تضمنت استعمال القانون كأداة للسيطرة على عمل منظمات المدني. وكذا الملاحقات الأمنية والقضائية التي ترتبت على هذه السياسة التشريعية. فضلاً عن سعي الدولة لعزل قيادات تلك المنظمات محليًا. وذلك بمنعهم من السفر، وضربت المثل بقرار المنع من السفر في قضية التمويل الأجنبي، التي انتهت أمس بألا وجه لإقامة الدعوى.
تناولت ورقة دام في تحليلها أيضًا كيف استهدفت السياسات المصرية المنظمات الدولية غير الحكومية. الأمر الذي دفع عديد من المكاتب الإقليمية لهذه المنظمات للهروب من مصر. ما أفقد الدولة سنوات مضت كانت فيها القاهرة عاصمة رئيسية للعمل غير الحكومي الدولي.
وفي توصياتها للخروج من الأزمة طالبت الورقة بإغلاق التحقيقات في القضية 173 لسنة2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي ضمن توصيات أخري.
إضافة للورقة السابقة قدم مركز دام ورقة سياسات للباحث والمحامي الحقوقي نجاد البرعي تحت عنوان” 2022 عام المجتمع المدني.. من أين نبدأ”، وهي الورقة التي نشر مصر 360 مقتطفات وافية منها واتاحها ــ كالعادة ـ للاطلاع عليها كاملة.
استعرضت “ورقة نجاد” المشكلات التي تواجه ملف حقوق الإنسان في مصر. وحددتها في 4 محاور، من بينها أزمة انعدام الثقة بين الحكومة والمجتمع المدني وأسبابها وظروفها.
وكذلك مشكلة عدم تحديد الأدوار بين مكونات المجتمع المدني في مصر، التي أدت إلى تداخل الأدوار بين مؤسساته.
فضلاً عن معضلة النظرة الأمنية لهذا الملف منذ خمسينيات القرن الماضي. وأيضًا تمويل العمل الأهلي وازدواجية الحكم على مسألة الاعتماد على التمويل الخارجي.
وبنت الورقة توصياتها على مبدأ أن القفز فوق المشكلات أو تجاهلها لا يمكن أن يؤدي إلى حل دائم.
القضية 173 كانت حاضرة في بناء رؤية الورقة التي طالبت المجتمع المدني بتفهم التخوفات الحكومية، كما طالبت الدولة بالاعتراف ان المجتمع المدني شريك لها وليس “عاملا لديها “.