فتح السجال الذي دار الأسبوع الماضي،  بين حركتي فتح، وحماس جروح الانقسام الفلسطيني الغائرة، منذ ٢٠٠٧ عقب سيطرة حماس بالقوة المسلحة على قطاع غزة، ودخولها في مواجهات دامية مع حركة فتح، ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الانقسام أحد سمات المشهد الفلسطيني، بجانب صور المقاومة والبطولة.

والحقيقة أن رفض حماس لقرار السلطة تعيين رئيس حكومة جديد، ورفض فتح لموقف حماس، واتهامها إنها المسئولة عن احتلال غزة، وتدميرها “بمغامرة ٧ أكتوبر” على حد وصف بيان فتح، أعاد تكرار نفس المشهد الذي عرفته الساحة الفلسطينية على مدار ١٧ عاما، من انقسام وتراشق وأحيانا مواجهات مسلحة، ونسي وتناسي، أن هناك ٣٢ ألف شهيد فلسطيني، سقطوا وحرب إبادة جماعية، يرتكبها جيش الاحتلال، وقضية عادلة تعمل إسرائيل على تصفيتها، وتهجير شعبها.

والحقيقة أن خطورة هذا الانقسام ليس فقط في السجال الذي حدث، ولا التراشق الذي جرى بين الفصيلين، إنما في تأثير هذا الانقسام على مستقبل القضية الفلسطينية، وعلى ترتيبات اليوم التالي لوقف الحرب.

ويمكن القول، إن هذا السجال سيترتب عليه مسألتان في غاية الأهمية.

الأولى تتعلق بتكريس الصورة الذهنية التي روجتها إسرائيل بغياب الشريك الفلسطيني، أو في عدم قدرة الفصائل الفلسطينية على إدارة الدولة الفلسطينية الواعدة، وهو أمر لا يردده فقط أعداء القضية الفلسطينية، إنما أيضا بعض أصدقائها.

صحيح هناك من لديه موقف مغرض من هذا التشكيك في القدرات الفلسطينية، في الإدارة والحكم، إلا أن هذا لا ينفي وجود إخفاقات إدارية وفنية وسياسية، يتحملها الجانب الفلسطيني، وهي أمور يتحدث فيها، حتى الأوربيين المتعاطفين مع الحقوق الفلسطينية ،ويشيرون لغياب الحوكمة في كل مؤسسات السلطة، والجمود السياسي والإداري، وحتى حكومة الخبراء الجديدة التي يقودها خبير اقتصادي ومالي، وهو محمد مصطفى، شككوا في قدرتها على إدارة المرحلة القادمة، رغم تقديرهم للرجل.

خطورة تكريس الانقسام بعد كل، ما جرى في غزة، وكأن لا فتح ولا حماس تعلموا شيئا، مما يجري على مدار ما يقرب من ٦ أشهر في غزة، وما يجري أيضا في الضفة الغربية من اعتقالات، واستهداف للنشطاء السلميين والمسلحين، وينسون أو يتناسون، أنهم بذلك سيؤكدون ما يتردد في الغرب، ويقوله الأعداء والحلفاء على السواء بضعف، وانقسام الطرف الفلسطيني، وأن الحوار مع كثير من المسئولين الأوربيين الذين يتبنون حل الدولتين سواء، لأنهم يتعاطفون سياسيا مع الحقوق الفلسطينية، أو لأنهم يرون بشكل عملي، أن هذا هو الحل الوحيد للصراع، يتحدثون عن الفارق بين احترافية الجانب الإسرائيلي في أي مفاوضات، وعشوائية الجانب العربي والفلسطيني، وعن الفارق بين منظومة حديثة في الحكم والإدارة، وأخرى يكسوها الترهل، وسوء الأداء، وإذا قلت لهم إن مشاكل السلطة الفلسطينية الأساسية ترجع لحصار الاحتلال، وللجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، فتجدهم يتفقون معك جزئيا، ويقولون نعم هناك مسئولية للاحتلال، ثم بعدها يعددون أمثلة لوقائع سوء إدارة، وفساد لم يكن الاحتلال طرفا فيها.

المسألة الثانية، تتعلق بمعضلة تمثيل غزة أو تمثيل فصائل المقاومة المسلحة، وتحديدا حماس في أي مفاوضات قادمة، أو في اليوم التالي لوقف الحرب، وهنا سنجد، أن حماس التي قاومت، وصمدت بشرف ولها فضل إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى على الواجهة العربية والعالمية، بعد أن أرادت إسرائيل وحلفاؤها قتلها، إلا إنها لا تمتلك جناحا سياسيا مقبول دوليا، يمكن أن يجلس معه أي مسئول غربي متعاطف مع الحقوق الفلسطينية، كما حدث مع قادة منظمة التحرير في مدريد، أو في اتفاق أوسلو، إنما هي بجناحها العسكري القوي، والسياسي الضعيف، مصنفان كجماعة إرهابية.

من الصعب، أن نجد حركة مقاومة لا يستطيع قادة جناحها السياسي التواصل الدقيق مع جناحها العسكري، ولا مع العالم، وحتى المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني، ليس لها علاقة بقادة حركة حماس السياسيين، كما لا توجد أي علاقة بينهم وبين المنظمات الإنسانية، والحقوقية الدولية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، على عكس تجارب حركات التحرر الوطني التي كان لقادتها السياسيين حضور في كل دول العالم من منظمة التحرير الفلسطينية، مرورا بجبهة التحرير الجزائرية، وانتهاء بالمؤتمر الوطني الإفريقي، ومثلوا غطاء شرعيا للجناح العسكري، وحاولوا قدر الإمكان، أن يؤثروا في الرأي العام العالمي، ويدافعوا عن قضايا شعوبهم، وهو بلا شك غير متاح لحركة حماس؛ لأسباب تتعلق ببنيتها العقائدية والأيديولوجية، واستهداف إسرائيل لها.

أخطر ما في سجال فتح وحماس، إنه جاء في اللحظة المفصلية في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأي تعميق للانقسام بينهما سيعني تصفية للقضية الفلسطينية، لأن كلاهما يحتاج للآخر بشروط جديدة، فالسلطة الفلسطينية بوضعها الحالي، لن تستطيع أن تدير غزة، بعد أن  فشلت في إدارة الضفة، وتحتاج لضخ دماء جديدة، وإصلاحات هيكلية في بنيتها، تتجاوز مسألة تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، أما حماس فتحتاج إلي جناح سياسي جديد، أو بالأحرى يجب عليها، أن تدعم وجوه وقيادات محلية جديدة لديها حضور شعبي، ولا تنتمي لها تنظيميا، حتى لو كانت قريبة منها؛ لتضمن وجودها على طاولة المفاوضات في اليوم التالي لوقف الحرب.

وهنا ستحتاج حماس أو القريبون منها إلى مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وعدم تكرار أخطاء الماضي، خاصة أن السلطة الفلسطينية أصابها الوهن والضعف، وحان وقت ضخ دماء جديدة في الضفة وغزة.