تقدمت الحكومة كالعادة إلى مجلس النواب بمشروع قانون؛ لتعديل أحكام قانون العقوبات، وذلك بتغليظ العقوبات على جريمة إهانة الموظف العام، ومأموري الضبط القضائي، والمكلفين بالخدمة العامة أو التعدي عليهم، وقد أكدت الحكومة “صاحبة مشروع القانون” في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، أنها تلاحظ في الآونة الأخيرة، أن بعض العقوبات المقررة للتعدي على الموظفين العموميين، وإتلاف الأموال العامة، لم تعد كافية، بما يلزم لتحقيق الردع بنوعيه العام والخاص، وأن بعض فئات الموظفين العموميين كأعضاء هيئة الشرطة، ورجال الضبط، وهيئة التعليم، وهيئة التدريس بالجامعات، والعاملين بالمنشآت الصحية العامة، باتوا أكثر عرضة للتعدي عليهم أثناء تأدية وظائفهم، الأمر الذي استدعى تغليظا للعقوبات المقررة لجرائم الاعتداء عليه؛ بغية بسط مظلة حماية أنجع للوظيفة العامة، وللموظف الذي يشغلها، ولتحقيق حماية كافية للفئات المذكورة من الاعتداءات والممارسات الخطرة التي تقع عليهم، وتقرير عقوبة رادعة حيالها.

كما تضمن مشروع القانون تغليظ عقوبة إهانة الموظف العام أو أحد رجال الضبط بالحبس مدة، لا تقل عن سنة، ولا تزيد عن سنتين، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، بدلا من العقوبة المقررة حاليا، والتي كانت مدة الحبس لا تزيد عن ستة أشهر، أو غرامة لا تتجاوز مائتي جنيه، كما تضمن مشروع القانون أيضا، تغليظ العقوبة على جريمة إهانة المحكمة، أو أحد أعضائها بالحبس، مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تزيد عن 7 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، بدلا من العقوبة بالقانون القائم، وهى الحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة، لا تتجاوز 500 جنيه.

وقد استهدف مشروع القانون أيضا تجريم كل من هدم، أو أتلف أو قطع بالعمد لشيء من الأموال الثابتة، أو المنقولة المملوكة للدولة، أو تساهم فيها أو المعدة للنفع العام، ورصد لها عقوبة، تصل إلى الحبس مدة، لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، وشدد العقوبة؛ لتكون السجن، والغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، إذا وقع الهدم، أو الاتلاف العمدي على إحدى المنشآت الشرطية، أو التعليمية أو الصحية العامة، أو على محتويات أي منها، أو تعطيلها عن العمل، وتكون العقوبة السجن المؤبد، إذا ارتكبت الجريمة؛ لتنفيذ غرض إرهابي؛ فضلا عن إلزام الجاني بدفع قيمة الأشياء التي هدمها أو أتلفها أو قطعها.

وهناك العديد من الملاحظات الجوهرية على مثل هذه المشروعات، والتي يصاحبها في ذات التوقيت مشروع آخر؛ لتعديل قانون الإجراءات الجنائية، والذي لم يمر أكثر من شهرين على آخر تعديل له، والذي صدر بموجب القانون رقم 1 لسنة 2024، وهو أيضا من القوانين التي تبنتها الحكومة، وأول ما يجب ذكره في هذا الصدد، إلى أي مدى ستظل مخرجات السلطة التشريعية كلها لا تخرج إلا من تحت عباءة السلطة التنفيذية؟ وما العلة الحقيقية إذن لوجود مجلس النواب؟ هل يقف دوره فقط عند إقرار ما ترسله السلطة التنفيذية له من مشروعات قوانين؟ إذن فلندمجهما معا؛ توفيرا للإنفاق الحكومي، وترشيدا للموازنة العامة في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.

والملاحظة الثانية، وهي من قبيل الشكل، لماذا لا تستخدم الحكومة حزبها “حزب الأغلبية ” داخل مجلس النواب؛ لتمرير هذه التشريعات المستحدثة؟ فعلى أقل تقدير، سيكون الشكل أفضل قليلاً، لكونه سيكون قانونا نيابيا، منذ لحظته الأولى.

أما عن موضوع التعديل التشريعي نفسه، والذي كانت سمته الرئيسية هي الغلظة، أو التشدد في العقوبات أو الغرامات، وبحسب قول المحكمة الدستورية، “إن إدانة المتهم بجريمة، إنما تعرضه لأخطر القيود على حريته الشخصية، وأكثرها تهديدا لحقه في الحياة، وهي مخاطر لا سبيل إلى توقيها إلا على ضوء ضمانات فعلية، توازن بين حق الفرد في الحرية من ناحية، وحق الجماعة في الدفاع عن مصالحها الأساسية من ناحية أخرى”، ومن ناحية ثانية، فإنه لا تطلق القواعد القانونية، وتحديداً العقابية منها لذاتها، أو للتضييق على حقوق وحريات الأفراد، أو لتحقيق نزعة انتقامية لدى واضعي القانون، ويجب بشكل عام أن توضع القواعد القانونية وفقا لاحتياجات المخاطبين بأحكامها، كما يجب بداهة، أن تُسن بالطرق الشرعية المرسومة والمحددة للتشريع.

وإذا كانت السياسة التشريعية في النواحي التجريمية بشكل خاص تبتغي حماية المصالح الاجتماعية، والتي تقتضي حماية المجتمع والإنسان من الاعتداء عليه، وتتضمن سياسة التجريم أيضا بيان القيم، والمصالح الجديرة بالحماية العقابية، ومنع إلحاق الضرر بها بإهدارها، وتدميرها كليا أو جزئيا أو التهديد بانتهاكها؛ لأن الأضرار الجنائية ما هي إلا نشاط مخل بالحياة الاجتماعية، وكل مجتمع يحتفظ بقواعده وأفكاره، وقيمه التي تضبط النظام الاجتماعي. فالقواعد الاجتماعية تنظم سلوك الأفراد والجماعات التي تمثلهم، وبعض هذه القواعد تهتم بها سياسة التجريم؛ فتنقلها إلى قانون العقوبات، وحيث كانت المصالح الاجتماعية متباينة، أو متضاربة فيما بينها من حيث الأصل العام، وجب على المشرع، أن يوازن بين تلك المصالح، وأن تكون التضحية بإحداها في سبيل حماية الأخرى، يجب أن يكون مبرراً. ومن الناحية النظرية فإن النص الذي يفرض الحماية القانونية على المصلحة، قد يفقد أسانيده، وقتما تتعارض هذه المصلحة مع مصلحة أخرى أجدر منها بالحماية، حيث يجب التضحية بالمصلحة الأقل أهمية، أو قيمة، في سبيل حماية مصلحة أخرى أجدر وأحق بالحماية، إذ أن العلة من إسباغ وصف التجريم هي حماية حق، أو مصلحة يراها الشارع جديرة بالحماية.

وإذ كانت أغلب النظم العقابية الحديثة تسعى إلى استحداث بدائل اجتماعية، وإصلاحية للعقوبات السالبة للحرية، بما تحتويه من نماذج مختلفة، يكون البعض منها عائدًا على المجتمع ببعض النفع، كإلزام المحكوم عليه، بأن يؤدي عملا عاما، أو بما يُقوِّم سلوك المجرمين، كإلزام المحكوم عليه بعدم مغادرة منطقة معينة، أو المتابعة مع اختصاصي اجتماعي أو نفسي، وهو أيضًا ما يعود عليهم، وعلى المجتمع بالنفع. لكن لم يزل المشرع المصري، وبحسب سيطرة السلطة التنفيذية المصرية على مقدرات التشريع بشكل كبير جدا، فإننا نتوجه بخطابنا إليها، في أن تسعى إلى البحث، فيما وصلت إليه غالبية الدول من تطورات في النظم العقابية والقوانين الجنائية، وخصوصاً بشأن العقوبات السالبة للحرية، بما تمثله من عبء كبير، سواء على عاتق الدولة ذاتها، أو على المحكوم عليه وأسرته، أو على حريته بشكل رئيسي، وذلك في توجهها إلى بدائل العقوبات السالبة للحرية، وليس التوسع فيها.