أعلنت وزارة المالية عن زيادة مخصصات قطاعي الصحة والتعليم، بنسبة أكبر من 30%، باعتبارهما يأتيان ضمن أهم أولويات الدولة؛ لاستكمال استراتيجية بناء الإنسان المصري، خلال الموازنات المقبلة بدءًا من العام المالي 2024/2025.

يقضي الدستور المصري الصادر عام 2014 في المواد 18، و19، و20 و21 بإلزام الحكومة بإنفاق، ما لا يقل عن 3% للصحة، و4% للتعليم قبل الجامعي (المدرسي)، و2% للجامعي، و1% للبحث العلمي، ويفترض أن تحسب كل النسب من إجمالي الدخل القومي/ الناتج المحلي.

رغم حديث وزارة المالية عن تحقيقها المقررات الدستورية، لكن المشاركين في الحوار الوطني بالشق الاقتصادي، الذي حصل “مصر 360” على توصياته، كان لديهم تحفظات، وطالبوا بأن يصاحب الزيادة في الإنفاق خططًا؛ لتحسين هذه الخدمات للمواطنين، وطالبوا بأن يكون التعليم الجيد بمراحله المختلفة مجانيًا، كما جاء في دستور 2014.

وقالت التوصيات، إن التوجه الحالي للحكومة معاكس، ويبدو أنه قائم على التوسع في إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمة على مستوى التعليم العالي بتكلفة مبالغ فيها، وفي إعطاء صفة الرسمية، لما يسمى بالسناتر على مستوى التعليم الأساسي.

هل يتم زيادة الإنفاق فعلاً؟

تقوم وزارة المالية بتوسيع مفهوم الإنفاق على التعليم؛ ليشمل ما يتم إنفاقه على أي أنشطة تعليمية من قبل جميع الوزارات، والمصالح التابعة لها والهيئات العامة، سواء كانت خدمية أو اقتصادية أو أي مراكز علمية أو بحثية حكومية، بالإضافة إلى إنفاق شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام المملوكة للدولة.

الأمر ذاته يمتد إلى قطاع الصحة الذي تم توسيع مفهومه؛ ليشمل الإنفاق على خدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحي، وغيرها من الأنشطة التي لا تندرج ضمن اختصاصات وزارة الصحة، وإنما تتبع وزارة الإسكان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة تعتبر نصيب القطاعين من سداد أقساط القروض والفوائد إنفاقًا على التعليم والصحة، ما يضخم ميزانية القطاعين على غير الحقيقة، بحسب دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية.

كانت وزارة المالية قد رفعت مخصصات القطاع الصحي بنسبة ٣٠,٤٪ خلال العام المالي 2023/ 2024، لتصل إلى ٣٩٧ مليار جنيه، مقارنة بـ ٣٠٤,٥ مليارات جنيه خلال العام المالي ٢٠٢٢ / ٢٠٢٣، كما رفعت المخصصات المالية للتعليم قبل الجامعي والجامعي بنسبة ٢٤,٣٪؛ لتصل إلى نحو ٥٩١,٩ مليار جنيه في العام المالي الحالي، مقارنة بـ ٤٧٦,١ مليار جنيه خلال ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، رافعة المخصصات المالية للبحث العلمي بنسبة ١٧,٥٪؛ لتصل إلى ٩٩,٦ مليار جنيه، مقارنة بـ ٨٤,٨ مليار جنيه في ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣.

تقول الدكتورة مها عبد الناصر، عضوة مجلس النواب، إن فكرة الزيادة أمر جيد، لكن يجب تحديد قيمة الزيادة وكيفية توجيهها، فمشكلتنا الدائمة مع الحكومة، أنها تنظر للأرقام، لكن الأرقام لها دلالات ومؤشرات، مضيفة: “تثير الزيادة تساؤلات هل الزيادة عن العام الماضي؟.. وهو بالتأكيد رقم غير كاف، لأننا لا زلنا دون الاستحقاقات الدستورية”.

أضافت عبد الناصر، أن النسب الدستورية التي كانت مقررة منذ 2014، لم يتم تحقيقها حتى الآن أي منذ عشر سنوات، فضلاً عن أن إضافة خدمة الدين في بنود وزاراتي الصحة والتعليم، يمثل “تستيف ورق”، حتى تعطي وزارة المالية إيحاءً، بأنها تحقق النسب المستحقة دستوريًا، فالدستور تحدث عن الخدمة، وليس خدمة الدين”.

ييثير بند خدمة الدين العام بوزارتي الصحة والتعليم حساسية لدى الخبراء؛ فهي رقم كبير في المخصصات بجانب تكلفة التعيينات الجديدة، إذ خصصت وزارة المالية 6 مليارات جنيه؛ لتعيين 120 ألفاً من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى في الموازنة الجديدة، فضلاً عن وجود خدمات، ليس لها علاقة بالصحة أساسا تم إلحاقها بموازنتها.

تقول عبد الناصر: “ميزانية الصحة تضم حالًيا الصرف الصحي، وهذه الزيادة الأخيرة هي رد فعل للمطالبة المباشرة من قبل مجلس النواب بتحقيق الاستحقاقات الدستورية، ودائما الحكومة ترد، على أنها ليس لديها أموال، رغم أنه لن يحدث تنمية مستدامة، بدون تعليم جيد متسائلة: ما قيمة بناء مدارس ومستشفيات، دون تعيين طواقم لها؟

جلسات “الحوار الوطني” تطرقت لتلك النقطة أيضًا في خضم مطالبتها بتقييم تجربة التأمين الصحي الشامل حتى تاريخه، وإشراك المجتمع في مناقشة خطة وبرنامج عمل المنظومة مستقبليا، ودارت تساؤلات حول مدى توظيف أعداد كافية من المعلمين والأطباء؛ لتعظيم الفائدة للمواطنين، مما تم الانتهاء منه من إنشاءات.

الاعتماد على القطاع الخاص في الصحة والتعليم

وزارة التخطيط، التي تشارك وزارة المالية في إعداد الموازنة العامة للدولة، كشفت عن بعض ملامح الموازنة الجديدة التي يبدأ مجلس النواب النقاش بشأنها، إذ تحدثت في محور الصحة عن تفعيل تنفيذ حزمة حوافز استثمار للقطاع الخاص، التي تم إقرارها؛ لزيادة مساهمته في تقديم الخدمة الصحية من 30% إلى 50% بحلول عام 2030.

وعدت الوزارة، بأن تتضمن الموازنة الجديدة توفير الكوادر الطبية اللازمة؛ لتشغيل المستشفيات والوحدات الصحية، وكذا أطقم المسعفين لضمان الاستفادة من الاستثمارات الضخمة التي يتم توجيهها لقطاع الصحة، وكذا توفير الاستثمارات اللازمة لقطاع الصحة بإنهاء تنفيذ 58 مستشفى، واستكمال تطوير وتجهيز 55 مستشفى، تتبع أمانة المراكز الطبية المتخصصة، واستكمال تطوير وتجهيز المراكز والوحدات الطبية، واستكمال ميكنة المستشفيات الجامعية.

وحركت وزارة الصحة في مارس الفائت أسعار الخدمات العلاجية في المستشفيات العامة، والمركزية ومستشفيات التأمين الصحي، في خطوة بررها الوزير خالد عبد الغفار، بأن لائحة أسعار خدمات عدد من المستشفيات العامة والمركزية لم تتحرك، منذ ٢٧ عامًا رغم الارتفاع في أسعار الأدوية، والمستلزمات الطبية عالميًّا.

بحسب وزير الصحة، فإن رفع الأسعار الخدمات بالمستشفيات يستهدف تحسين موارد المستشفيات، وتمكينها من تقديم أفضل خدمة طبية للمرضى المترددين على العيادات والمستشفى، مشيرًا إلى قدرة المستشفى في التعاقد مع الاستشاريين وغيرهم من الكوادر الطبية ذات كفاءة، لكنه قال، إن اللائحة الجديدة وضعت في الحسبان المرضى والمواطنين غير القادرين على دفع تكاليف أبسط الخدمات الطبية من خلال علاج بعض الفئات بالمجان، بما يضمن الحق الدستوري للمواطن في الحصول على العلاج.

الموازنة الجديدة: هل تنهي مشكلة تقديم الحجر على البشر؟

بالنسبة للتعليم، تتضمن محددات خطة العام الجديد ضمان إتاحة وجودة خدمات التعليم قبل الجامعي؛ وذلك من خلال التوسع في إتاحة مدارس المتفوقين والمدارس التطبيقية؛ لتغطية عدد أكبر من المحافظات، وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص، وتوجيه الاستثمارات لإنشاء فصول جديدة؛ لحل مشكلة الكثافات خاصةً في المحافظات ذات الكثافات المرتفعة، وزيادة الاهتمام بتأهيل المدارس للحصول على الجودة.

من بين مخصصات التعليم سيكون الالتزام بتعيين 150 ألف معلم، خاصةً في مرحلة التعليم الأساسي، والتركيز على المحافظات ذات الأولوية، ووضع خطة طموحة وجادة؛ لخفض معدلات الأُمية بالتركيز على محافظات الصعيد، وتطوير 3500 مدرسة قائمة، وإعادة تأهيلها، وإنشاء 16 ألف فصل جديد، وإحلال وتجديد 13 ألف فصل، وتوفير التابلت لطلاب الصف الأول الثانوي.

أما مستهدفات الخطة بالنسبة للتعليم الفني، فتشمل إنشاء 18 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية، وإنشاء ألف فصل جديد، وتطوير 200 مدرسة قائمة، وإعادة تأهيلها، وإحلال وتجديد 1083 فصلًا.

بالنسبة للتعليم العالي، وضعت الوزارة خطة لتوسعات ورش ومعامل لـ 9 جامعات تكنولوجية، واستكمال الاختبارات الإلكترونية بالجامعات المصرية، واستكمال دراسات وأبحاث الجينوم المرجعي للمصريين “وتعني زيادة سرعة ودقة التشخيصات وتحسين العلاجات والوقاية”، واستكمال مشروعات المباني التعليمية والمدن الجامعية، والدفاع المدني بعدد 27 جامعة حكومية.

تقول وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، إن محددات خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2024/2025 تتضمن زيادة تنافسية التعليم العالي، من خلال وضع حزمة من حوافز الاستثمار المشجعة للقطاع الخاص، وزيادة الاهتمام بمشروعات تأهيل الجامعات الحكومية المصرية للحصول على الجودة وزيادة التنافسية الدولية.

كما تتضمن استكمال التوسع في إنشاء الجامعات التكنولوجية؛ لتغطية عدد أكبر من المحافظات بالشراكة مع القطاع الخاص، واستهداف زيادة عدد الطلاب الوافدين، لزيادة صادرات خدمات التعليم، وربط مخرجات التعليم العالي بسوق العمل، لا سيّما من خلال التوسع في انشاء الجامعات التكنولوجية.