رغم تبني الحكومة سياسة للإصلاح الاقتصادي على مدار السنوات الثماني الماضية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، لكن مؤشرات مصر لم تتحسن على مستوى الحرية الاقتصادية، لتظل أقل من المستوى العالمي، وكذلك منطقة الشرق الأوسط بنحو درجة.

احتلت مصر المرتبة الـ 146 عالميًا على مؤشر الاقتصاديات الأكثر حرية اقتصاديًا الصادر عن مؤسسة التراث العالمية، والتي تقيس الاقتصاديات الكلية على أساس سيادة القانون، وحجم الحكومة والكفاءة التنظيمية والأسواق المفتوحة على مدار الـثلاثين عاما الماضية في الاقتصاد الكلي لـ 184 دولة حول العالم.

ومؤسسة التراث، هي منظمة أمريكية فكرية، مهمتها صياغة وتعزيز السياسات العامة على أساس مبادئ الحريات الاقتصادية، ولها مكانة بارزة في الاقتصاد العالمي، فأكثر من 100 من خبرائها وباحثيها، يتم دعوتهم للإدلاء بشهاداتهم أمام الكونجرس حوالي 40 مرة سنويًا.

احتلت مصر المرتبة العاشرة من بين 14 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحصلت على 49.7 درجة من المؤشر الذي يتم ترتيبه من صفر إلى 100 درجة، وهي أقل من المتوسطات العالمية والإقليمية، وفقًا لمؤشر 2024.

على مستوى المؤشرات الفرعية الـ 12، كانت درجة مصر مرتفعة في مؤشر “العبء الضريبي” بنحو 85 درجة، وكذلك الإنفاق الحكومة بنحو 80 درجة، بينما حصلت في مؤشر حرية التجارة على 60 درجة، ومؤشر حرية الاستثمار 65 درجة، وحرية القوى العاملة 35 درجة، وحرية البيزنس 50 درجة، وحقوق الإنسان 40 درجة، والنزاهة الحكومية 25 درجة وسيادة القانون 25 درجة، والصحة الجسدية 10 درجات.

مؤشرات تحتاج لتدخل سريع

على مستوى سيادة القانون بشكل عام، قالت المؤسسة، إن درجة حقوق الملكية في البلاد أقل من المتوسط العالمي؛ ودرجة فعاليتها القضائية أقل من المتوسط العالمي؛ كما أن درجة نزاهة حكومتها أقل من المتوسط العالمي.

بالنسبة للمؤشرات الحكومية، ذكرت المؤسسة، أن أعلى معدل لضريبة الدخل الفردي هو 27.5%، وأعلى معدل ضريبة على الشركات هو 22.5%، ويعادل العبء الضريبي 14.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

ارتكزت المؤسسة على تقديرات لمتوسط الإنفاق الحكومي، وعجز الميزانية على مدى ثلاث سنوات عند 25.3% و6.7% على الترتيب من الناتج المحلي الإجمالي، وقياس للدين العام 88.5% عند الناتج المحلي الإجمالي.

بالنسبة للكفاءة التنظيمية، قالت إن البيئة التنظيمية العامة بمصر تتسم بالضعف المؤسسي وعدم الكفاءة، فدرجة حرية الأعمال بالبلاد أقل بكثير من المتوسط العالمي؛ وكذلك درجة حرية العمل لديها أقل من المتوسط العالمي؛ كما أن درجة حريتها النقدية “أي السياسة النقدية الموكولة للبنك المركزي” أعلى من المتوسط العالمي.

فيما يتعلق بحرية الأسواق، قالت المؤسسة، إن متوسط معدل التعريفة الجمركية المرجح تجاريًا 12.4%، لكن هناك أكثر من 150 إجراءً غير جمركي ساري المفعول، ولا يزال الاستثمار بعدة قطاعات مقيدًا.

إصلاحات ملحة في الانتظار  

بحسب المنظمة، تحتاج مصر إصلاحات مؤسسية أعمق لدعم النمو الطويل الأجل والتنمية الاقتصادية المستقرة في مصر، وتعزيز حماية حقوق الملكية، والقضاء على الفساد بشكل أكثر فعالية.

وطالبت بسياسات، تساعد على فتح الأسواق، وتقليص الوجود المكثف للدولة في الاقتصاد، مشيرة في الوقت ذاته لوجود إصلاحات؛ تهدف إلى الحد من العبء التنظيمي، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال التجارية في السنوات الأخيرة.

المنظمة أشارت إلى وجود عناصر إيجابية في الاقتصاد مثل، القطاع المصرفي الذي يتمتع برأسمال جيد ومستقر، كما تحقق البنوك المحلية ربحية مستمرة، والسوق المالية بشكل عام مفتوحة للأجانب.

لماذا الحرية الاقتصادية مهمة؟

بحسب المنظمة، فإن ازدهار الإنسان يأتي من العدالة الاقتصادية، والفرص، والحرية، والمبادئ الجماعية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، وتجاهل تلك العناصر، يتسبب في المقابل بنتائج كارثية مثل، الركود الاقتصادي، والفقر، والحرمان.

وفق المنظمة، فإن مستوى المعيشة، الذي يقاس بدخل الفرد، أعلى بكثير في البلدان الأكثر حرية اقتصاديا، فالدول المصنفة على أنها “حرة” أو “حرة في الغالب” أو “حرة إلى حد ما” في مؤشر 2024، تولد دخلاً، يزيد عن ضعف متوسط المستويات في البلدان الأخرى، وأكثر من ثلاثة أضعاف دخل الأشخاص الذين لا يتمتعون بالحرية الاقتصادية.

حافظت سنغافورة على مكانتها، باعتبارها الاقتصاد الأكثر حرية في العالم، مما يدل على مستوى عال من المرونة الاقتصادية. تعد سويسرا ثاني أكثر الاقتصادات حرية في العالم، تليها أيرلندا، وانتقلت تايوان إلى المركز الرابع، وهو أعلى تصنيف حققته البلاد على الإطلاق في مؤشر الحرية الاقتصادية.

عوائق يجب إزالتها 

بحسب المجلس الوطني المصري للتنافسية ، فإن أهمية مؤشر الحرية الاقتصادية الذي تضعه مؤسسة التراث، يوفر معيارا للبلدان؛ لتقييم سياساتها الاقتصادية، وتحديد مجالات التحسين، مع  تركيزه على حقوق الملكية، والإنفاق الحكومي، وحرية العمل، والحرية النقدية، وحرية التجارة، وحرية الاستثمار.

يضيف المجلس، أن مؤشر الحرية الاقتصادية أداة مفيدة للبلدان؛ لتقييم سياساتها الاقتصادية، وتحديد مجالات التحسين المطلوبة، بجانب كونه موردا مهما للمستثمرين الذين يفكرون في ممارسة الأعمال التجارية بتوفيره معلومات موضوعية عن البيئة التنظيمية، والمناخ الاقتصادي العام،.

على سبيل المثال، قد يحتاج البلد الذي يحتل مرتبة سيئة في حماية حقوق الملكية إلى تعزيز إطاره القانوني؛ لتوفير حماية أكبر للمستثمرين والشركات، وكذلك البلد الذي يحتل مرتبة متدنية في الحرية التجارية، إلى تقليل الحواجز التجارية، وتحسين إطاره التنظيمي؛ من أجل جذب المزيد من الاستثمار، وخلق فرص عمل.

وقال الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد، إن مصر بالنسبة لمؤشرات الحرية الاقتصادية الـ 27، دائما ما تحصل على مراتب متدنية، حتى في بعض الأمور التي شهدت تقدمًا مثل تمكين المرأة، ما يتطلب خططا حكومية؛ للتعامل مع التحديات بشكل جدي وحقيقي، وليس دعائي فقط.

يضيف فهمي، أن مصر تحتاج للتركيز على التصنيع الحقيقي، وليس المنتجات الاستهلاكية مثل، المقرمشات والمأكولات السريعة، وتوفير عوامل جذب الاستثمار ومواجهة التحديات، فيما يتعلق باستقرار العملة ونقص الطاقة وقطع الكهرباء؛ فالمستثمر يريد أن يأتي؛ ليشارك في أكل التورتة وليس صناعتها، أو بمعنى آخر يريد أن يأتي للاستثمار في مصانع، وليس تأسيسها من البداية.

ويشدد فهمي على ضرورة الاهتمام الفعلي بالحقوق الاقتصادية مثل، الحق في الصحة في ظل ارتفاع التكدس بالمستشفيات ونقص بعض الأدوية.