أقر مجلس النواب المصري تعديلات جديدة على قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018، وهذا التعديل التشريعي يعد من التشريعات القليلة المقدمة من أعضاء برلمانيين، حيث أنه قد تقدم به النائب/ أحمد مقلد، والذي يمثل تنسيقية شباب الأحزاب، وعلى الرغم من كون هذه الكتلة البرلمانية محسوب توجهها مع السلطة التنفيذية، إلا أن هذا لا يقلل، من أن تقديم قانون من أعضاء نيابيين من الأمور التي شح أو ندر وجودها في ظل هذا البرلمان، وهذا ما يُغيب الدور الأهم لمجلس النواب.

وقد تمت الموافقة في هذا القانون على تعديل نص المادة رقم 71 من قانون حماية المستهلك، وقد أتى هذا التعديل بتوجه المشرع المصري المعروف، وهو النص على تغليظ العقوبة، ولكن هذه المرة ليس في العقوبات البدنية أو السالبة للحرية، ولكن قد جاء التعديل بتغليظ العقوبة المالية “الغرامات المالية”، بحيث تنص المادة بعد التعديل، على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه، ولا تتجاوز مليوني جنيه، أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، كل من خالف حكم المادة 8 من هذا القانون، على أن تُضاعف العقوبة في حالة العود في حديها الأدنى والأقصى، فإذا كان قد سبق الحكم على العائد مرتين بالحبس والغرامة، ثم ثَبُتَ ارتكابه جريمة مُعاقباً عليها بالحبس والغرامة معاً، فتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن 300 ألف جنيه، ولا تجاوز 5 ملايين جنيه. كما نصت المادة أيضاً، على أنه في جميع الأحوال تُضبط الأشياء موضوع الجريمة، ويُحكم بمصادرتها، وبنشر الحكم في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة المحكوم عليه، كما يجب الحكم بإغلاق المحل مدة، لا تجاوز 6 أشهر، وجواز الحُكم بإلغاء رخصة المحل.

ويهدف هذا القانون، بحسب ما تم تقديمه به إلى مواجهة انتشار ظاهرة حبس السلع الاستراتيجية المعدة للبيع عن التداول بإخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها، مما يمس بحقوق المستهلكين، حيث  أظهر التطبيق العملي لهذا القانون في الوقت الحالي الحاجة إلى مراجعة عقوبة الغرامة المقررة؛ فضلا عن وجوب الحكم بإغلاق المحل مدة، لا تجاوز ستة أشهر، وجواز الحكم بإلغاء رخصته، على نحو يحقق الردع بصورتيه العام والخاص، وكذلك أن التعديلات ستسهم في الحد من ارتفاع الأسعار بشأن تلك السلع، ويحقق التداول الآمن والمستمر لها داخل السوق المصرية، ويكون له بالغ الأثر في مكافحة تلك الجرائم على نحو يحقق خفض أسعارها.

وإذ أن هذا التعديل التشريعي من حيث المبدأ قد استهدف مواجهة الأزمات التموينية التي تمر بها البلاد، وما أسفرت عنه من نقصان في بعض السلع، وارتفاع أسعار البعض الآخر على نحو، لا يتحمله المواطن المصري في ظل هذه الظروف التي تعصف بأغلب المصريين، والتساؤل الأهم في هذا الأمر: هل تكفي الغلظة العقابية في مواجهة هذه الأزمات، حتى ولو كانت في نطاق العقوبات المالية؟ أم أن الدولة تسعى في زيادة الغرامات، في أن تكون أحد موارد الدخل القومي، علاوة على كونها سبيل من سبل العقاب. كما أن ذلك يدفعنا إلى تساؤل آخر: فهل تكفي فلسفة الردع العقابي التي تنتهجها الدولة في مواجهة مثل تلك الجرائم؟

وتدَخل التشريعات الجنائية في الميدان الاقتصادي يعد أمراً ضرورياً، وذلك حتى يمكنه من حماية الاقتصاد العام للدولة من ناحية وملكيات الأفراد من ناحية، كما أنه يضمن حسن تصرف المواطنين فيما بينهم في المجالات الاقتصادية والعلاقات التجارية، ويكتسب قانون العقوبات الاقتصادي أهمية دراسته من الآثار التي تسببها الجرائم الاقتصادية على النمو الاقتصادي، والقطاع الضريبي و الإنفاق الحكومي وكذا تأثير هذه الجرائم على سوق الأوراق المالية، فقد ظهرت فكرة قانون العقوبات الاقتصادي مع بداية الحرب العالمية الأولى، فخلال هذه الحرب عرف العالم نظام التسعير للمواد التموينية وتوزيعها بالبطاقات أثناء الحرب. وكنتيجة للحرب تعرضت اقتصاديات الدول للتصدع، وأدت بها الحرب إلى فقدانها جزءا كبيرا من وسائل الإنتاج ومن قوتها العاملة.

ولا يخيب القول، إن قلنا بأن ما تمر البلاد من ظروف اقتصادية ذات تأثير ملموس على الحياة بشكلها العام، بل بات الأمر واقعاً ملموساً على كافة المستويات، فهل تعالج الغلظة التشريعية، ما عجزت عن حله أجهزة الدولة؟ أم أن الأمر يكمن في محاولات من أجهزة الحكم، بأن توصف الأزمة التي تمر بها البلاد، ويشعر بها القاصي والداني مبعثها جشع التجار ورغبتهم في تحقيق أكثر قدر ممكن من المكاسب المالية؟ وهو الأمر الذي يوحي ولو بنظرة سطحية، بأن الأزمة مفتعلة، ولا علاقة لمؤسسات الحكم بها، أو أنها تخص علاقات وتصرفات المواطنين مع بعضهم، وهو ما يجب أن تتم معالجته تشريعيا، بما يضمن حسن تعامل الأفراد في هذا المستوى مع بعضهم البعض، أو يضمن حسن تداول للسلع ومنع احتكارها من بعض التجار.

وهذه النظرة السطحية، ربما يكون لها بعض الأثر في تخفيف مدى الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، واختفاء بعض السلع، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال، أن يكون ذلك هو السبب الرئيس والمباشر لهذه الأزمة، لكونها بحسب ما يبدو تراكم العديد من الأزمات الاقتصادية على مستوى الدولة، وهو ما أنتج غلاء لبعض السلع الضرورية، واختفاء بعضها، كما أنتج أيضا ظاهرة الاحتكار من قبل بعض التجار، سواء لكونهم قد تعرضوا لشرائها بأثمان غالية، أو لكونهم يرغبون في ضمان تحقيق أكبر قدر من المكاسب المالية.

وإن كانت تلك الظواهر تقتضي مواجهتها قانونياً بشكل أو بآخر، لكن ذلك لا بد وأن يصاحبه تصرفات إدارية من قبل الدولة ممثلة في أجهزتها الإدارية المعنية بتلك المسائل، وذلك بأن يكون لديها القدرة على مراقبة الأسواق، وإيجاد البدائل حال اختفاء بعض السلع أو المواد التموينية، بمعنى أن يكون لديها القدرة على صناعة السياسات التي تستطيع مواجهة الأزمات، فليس فقط بالحلول القانونية أو المزيد من العقوبات، ستجد الدولة سبلا للحلول، إلا إذا كانت ترغب في جعل الغرامات سبيلا من سبل زيادة الموارد، وليس عقوبات فحسب.

وفي جميع الأحوال لا بد أن يرى القائمون على الأمر، أنه بالفعل هناك أزمات اقتصادية تمر بها مصر، أنتجت حالة من الفقر وزيادة معدل الاحتياج، وأن ذلك لا يكفيه المعاملة العقابية مع التجار أو غيرهم، لكون الأزمة في مبتداها لا تقف عند حد التجار، بل أن أجهزة الدولة أحد أدواتها، وبالتالي يجب أن تكون حلول اقتصادية قبل أن تلجأ الدولة إلى الحلول التشريعية.