تأتي الغارة الجوية التي قامت بها إسرائيل في الأول من إبريل ٢٠٢٤، حيث تم تدمير المبني الملحق بالقنصلية الإيرانية المجاورة للسفارة الإيرانية في دمشق العاصمة السورية، والتي أسفرت عن مقتل ١٦ شخصاً، من بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، العميد محمد رضا زاهدي، وسبعة ضباط آخرين في الحرس الثوري الإيراني، بكل المعايير بمثابة إعلان واضح وصريح للحرب ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم سوريا الدولة، وحزب الله في لبنان وغيرهم من الحلفاء الموالين لإيران في المنطقة، وأي محاولة لإطلاق مسميات أخرى  على ذلك الهجوم الجوي الصريح والموجه والمصحوب بإعلان واضح وصريح من الجانب الإسرائيلي، بأنها هي من قام بتنفيذ تلك الغارة، هو نوع من التضليل وتزييف الحقائق الواضحة والجلية.

والجدير بالذكر، أن تلك العملية لم تكن الأولى من نوعها الذي نفذته إسرائيل ضد أهداف إيرانية، فقد سبقها عدد كبير من العمليات التي لا تتسع مساحة ذلك المقال لذكرها…. سواء ما تم تنفيذه في الداخل الإيراني ضد شخصيات، وأماكن هامة في إيران، بمعرفة الاستخبارات الإسرائيلية وبواسطة عملاء إيرانيين وأجانب، أو ما تم تنفيذه خارج الأراضي الإيرانية في أماكن متعددة، معظمها في دول عربية، في مناطق نفوذ خاضعة لحلفاء إيران في المنطقة، وذلك في إطار حالة العداء المتبادل، بل يمكننا القول، الحرب غير المعلنة رسميا بين كل من الكيان العنصري الصهيوني المسمى بدولة إسرائيل، ونظام الملالي الإيراني، والتي تعكس صراعا ممتدا لعقود مضت، ذلك الصراع الذي تزايدت وتيرته وحدته أيضا في السنوات الأخيرة.

إن الهجوم المدروس بدقة شديدة والمنطلق من الأراضي الإيرانية مباشرة مساء السبت الموافق 13 إبريل كرد إيراني، ليس على الممارسات الوحشية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وإنما رداً على عملية الهجوم الجوي على المبنى التابع للقنصلية الإيرانية بدمشق، وذلك حسب تصريحات الممثل الرسمي لدولة إيران بالأمم المتحدة، باستخدام مسيرات إيران الشهيرة، والذي تصدت له وتعاملت معه 4 دول بجانب إسرائيل، هم تحديدا أمريكا وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى دولة الأردن العربية، يأتي في إطار تلك الحرب المحكومة بحسابات دقيقة، والغير معلن عنها رسمياً حتى الآن.

إن فهم طبيعة ذلك الصراع وجوهره والأغراض المتوخاة منه، تحتم علينا بداية، أن نفصل بينه وبين العملية الكبرى التي نفذتها حماس ضد إسرائيل، والتي عرفت بطوفان الأقصى الذي أسفر عن قتل وأسر عدد من جنود الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وما تلاها من الغزو الصهيوني لقطاع غزة، وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، منذ ذلك التاريخ والصمود البطولي للشعب الفلسطيني حتى الآن.

إسرائيل كدولة استعمارية عنصرية مزروعة بالمنطقة، بالأصالة عن نفسها وبحكم كونها تشكل رأس حربة للحلف الذي يحمي مصالح وأطماع أمريكا والغرب، فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط الكبير، تريد أن تبسط نفوذها وتقود المنطقة منفردة، بعد أن تم ترتيب الأوضاع لها، بما يمكنها من لعب هذا الدور بالاستعانة بعدد من الشركاء الذين على ما يبدو، أنهم اضطروا جميعاً، سواء بالرضا أو قسراً، إلى القبول بذلك الوضع.

إيران دولة الملالي التي نجحت أن تمد أذرعها في عدد من دول المنطقة، وتحديداً في سوريا الدولة الحليفة استراتيجياً، والعراق ولبنان واليمن والبحرين ومؤخرًا في فلسطين المحتلة، وربما أماكن أخرى كالسودان وليبيا وغيرهم، تلك الأذرع التي تأخذ جميعا شكل التكوينات العسكرية المسلحة على نمط الحرس الثوري الإيراني، والتي نجحت في عدد من الأماكن، أن تستولي على السلطة في بعض البلدان، وتتقاسمها قسرا مع السلطة الشرعية في بلدان أخرى، بل وتتبنى توجهها وخطها السياسي رسميا في بلدان ثالثة. إن دولة الملالي تلك تطمح أيضا إلى أن تقود الإقليم بما لها من قوة تواجد على الأرض، ترى أنه يعطيها الحق في لعب ذلك الدور، وربما تقبل بأن تكون شريكا كبيرا مساويا لإسرائيل في قيادة ذلك الإقليم الكبير كحد أدنى.

إذا كانت هذه هي طبيعة الصراع المحتدم بين كل من إسرائيل من ناحية وإيران من ناحية أخرى، فإن جوهر ذلك الصراع الذي تسارعت وتيرته وحدته في الآونة الاخيرة، يكمن في كون إيران باتت قاب قوسين أو أدنى من امتلاك السلاح النووي، بعد أن قطعت أشواطاً وأشواطا في عملية تخصيب اليورانيوم القابل لتصنيع السلاح النووي، وهو الأمر الذي تسعى إسرائيل بكل ما تستطيع من قوة، أن تعرقل حدوثه، ذلك أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيغير من موازين القوى في المنطقة المُتصَارع عليها.

واذا أضفنا إلى ذلك مباركة كل من روسيا والصين لتلك الخطوة التي ستحدث توازن مع الوجود الغربي في هذه المنطقة الهامة، والتي ستساهم أيضا في تسريع عملية تفكيك العالم أُحادي القطبية، الجارية على قدم وساق في الوقت الراهن، فإنه يصبح مفهوما لكل ذي عينين، أن الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران هي أشبه بالصراع الإمبراطوري للهيمنة، ولبسط النفوذ على الممالك، هي صراع بين كيانين اصحاب اطماع استعمارية بالمعني الواضح والصريح للكلمة، وان السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ ليس أكثر من جملة فلسطينية خارج السياق بالنسبة لإيران، يمكن استخدامها بالقطع، ويمكن الاستفادة منها جزئيا، طالما تُحّسن من وضعها في الصراع، أما بالنسبة لإسرائيل فهي تشكل جوهر صراعها الذي لا تكف عنه أبدا، ألا وهو الرغبة في التهام باقي فلسطين، ولذلك حديث آخر بالتأكيد….

إن أغلب الظن يا سادة، أن ذلك الصراع الإيراني- الإسرائيلي سيبقى تحت السيطرة، طالما لا يوجد خروج كبير عن النص من أي من الأطراف الرئيسية في الصراع الدائر، والأغلب أنه سينتهي بمجرد إعلان إيران عن امتلاكها بشكل نهائي للسلاح النووي؛ لتبدأ جولة جديدة من الصراع على ممالك الشرق الأوسط الكبير، والتي ربما تنتهي بتحالف الخصمين، وتوزيع الأدوار بينهما تحت إشراف ورعاية دولية جديدة.