نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 14 تابع في 4 إبريل الحالي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1114 لسنة 2024، وذلك بتحديد رسوم خدمات الإدارة المتكاملة للمخلفات، أو إحدى هذه الخدمات من الوحدات المبنية، والأراضي الفضاء الخاضعة لأحكام قانون تنظيم إدارة المخلفات الصادر بالقانون رقم 202 لسنة 2020، وقد تضمن هذا القرار، أن تحدد رسوم خدمة الإدارة المتكاملة للمخلفات البلدية على مستوى المحافظات والمدن والأحياء والقرى وتوابعها، وأجهزة المجتمعات العمرانية الجديدة، بأن تكون هذه الرسوم ثلاثة جنيهات شهريا في العزب والنجوع، وعشرة جنيهات شهريا على القرى، وخمسة عشر جنيها على المدن، وعشرين جنيها في عواصم المحافظات والأحياء، وبخصوص المجتمعات العمرانية الجديدة فقد تم تحديدها بعشرة جنيهات في مناطق الإسكان المنخفض، وخمسة عشر جنيها في مناطق الإسكان المتوسط، وعشرين جنيها في مناطق الإسكان الفاخر.

ولكن بمراجعة للقانون رقم 202 لسنة 2020، والمسمى بقانون تنظيم إدارة المخلفات، لم نجد به بشكل مباشر إشارة واضحة إلى فرض رسوم على المواطنين، وما يؤكد ذلك، أنه في النص على موارد الجهاز في المادة رقم 12 من هذا القانون، لم يكن من بين عناصر الموارد المالية أية رسوم، يتم فرضها على المواطنين، لحصره تلك الموارد، في ما يتم تخصيصه من ميزانية الدولة والتبرعات، وما يتم تحصيله من رسوم في مقابل التراخيص، ومخالفات قانون البناء.

ومن زاوية أصولية، نجد أن نص الدستور المصري، وتحديداً في المادة رقم 38 والمعدلة في عام 2019، على أنه: يقوم النظام الضريبي، وغيره من التكاليف العامة على أساس العدالة الاجتماعية، وأدائها واجب وفقًا للقانون. ولا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغائها إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب، أو الرسوم، إلا في حدود القانون.

إذن، فإن ما يتم فرضه بموجب هذا القرار يعد غير مشروع، وحتى لو افترضنا على سبيل الجدل، أن هناك سندا لهذا الفرض، فلا بد وأن يكون له مقابل، بمعنى أن تكون هناك خدمة يتم تقديمها مقابل هذا الرسم، وليس دون أي شيء يتم فرض الرسوم على المواطنين، وقد أكدت على ذلك المعنى المحكمة الدستورية العليا في حكمها رقم 175 لسنة 22 قضائية، والصادر بجلسة 5 سبتمبر لسنة 2004 ، حيث أكدت على أنه: وحيث إن القيود التي قيّد بها الدستور السلطة التشريعية في تفويضها للسلطة التنفيذية في شأن الفرائض المالية الأخرى غير الضريبة العامة، تتفق وكون هذه الفرائض مصدرا لإيرادات الدولة، ووسيلة من وسائل تدخلها في التوجيه الاقتصادي والاجتماعي، تأكيدا لإتاحة الفرص المتكافئة للحصول على الخدمات العامة التي تؤديها الدولة، وحتى لا تكون الرسوم مجرد وسيلة جباية، لا تقابلها خدمات حقيقية، يحصل عليها من يدفعها، ولا يتأتى ذلك كله إلا بمسلك متوازن من المشرع، لا يكتفي فيه بمجرد إقرار مبدأ فرض الرسم، وإنما يتم تحديده في نطاق السياسة المالية التي تنتهجها السلطة التشريعية في مجال تحديد الإيرادات وضبط الإنفاق، وكفالة تقديم الخدمات التي تلتزم بها الدولة على أساس من العدل الاجتماعي. ولا يتنافى ذلك مع المرونة اللازمة في فرض الرسوم؛ لمجابهة الظروف المتغيرة في تكاليف أداء الخدمة، طالما أن فرضها أو تعديلها لا يكون بقانون في كل حالة على حده، وإنما يتم ذلك في حدود القانون، أي بقرار من السلطة التنفيذية يقع في دائرة السلطة المقيدة، ولا يتجاوز نطاق التفويض الممنوح من المشرع.

وقد سبق وأن حسم القضاء الإداري وأيده في ذلك المحكمة الإدارية العليا، وذلك في الطعون أرقام (الطعنين رقمي 13860 &14439 لسنة 49 ق0 علياـ جلسة 11/12/2004)، بأنه لا يجوز أن يتم فرض رسوم، دون مقابل خدمة حقيقية، وقد انتهت إلى إلغاء ما صدر من قرار بذلك، وأكدت على أنه “ومن حيث إنه لا يغير من ذلك القول، بأن القرار الطعين كان يستهدف تحسين خدمة النظافة وزيادة الموارد اللازمة؛ لأن ذلك لا يكون إلا عن طريق تدخل المشرع سواء بتعديل نسبة الرسم، أو وعاء تحصيله احتراماً لمبدأ الفصل بين السلطات، أو بزيادة الموارد اللازمة لتحسين مرفق النظافة”.

هذا جميعه على المستوى الدستوري والقانوني والقضائي، إلا أن ذلك لم يكن شفيعاً لدى السلطات، حتى تمتنع عن إصدار مثل هذه القرارات بشكل متوال، وإن كان يدفعها في ذلك الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وأزمة الديون الخارجية والداخلية، فإنه يجب أن يدرك أهل الحل والعقد، أن هذه الأزمات الاقتصادية مردودها الأول والأخير على المواطن، فهو من يتحمل تبعات الأزمات الاقتصادية بشكل مباشر، وهو ما أثر على مستوى حياة ومعيشة المواطنين بشكل بات ملحوظا للجميع، فليس هناك أي مدعاة لزيادات أو فرض رسوم جديدة، دونما خدمات حقيقية، ولم يمر أكثر من شهر على زيادة أسعار الكهرباء وزيادة الشرائح، وكذلك زيادة أسعار المنتجات البترولية، وهو ما عاد على الحياة بمزيد من الغلاء، إذ بشكل بسيط لم تعد هناك قدرة مالية على تحمل المزيد من الرسوم والمزيد من الزيادات في أسعار السلع، أو الخدمات، على النحو الذي يلاحظه المتابع، لما تصدره الحكومة من قوانين أو قرارات، ولك على سبيل المثال ما تجده في قانون المرور ولائحته التنفيذية، وقرارات وزير الداخلية المرتبطة به، وكذلك ما صدر من تغيير سعر استخراج جوازات السفر.

وإذ أنه تُعتبَر مشكلة الفقر، هي واحدة من أهم العقبات الأساسية التي تواجهها الدول في رفع معدل النمو الاقتصادي بها، وتحقيق التنمية المستدامة. خاصة وأن ظاهرة الفقر تمثل خطراً مباشراً على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكذلك الأمني في أي دولة، وهذا لأنه يُولد بيئة، ينشأ فيها أشكال متنوعة من التطرف والانحراف. فالفقر ظاهرة متعددة الأبعاد الأمر الذي جعلها، تنال اهتماماً كبيراً من مختلف قادة الدول والمخططين، وكذلك العلماء والهيئات الدولية المختلفة، وذلك نظراً للآثار السلبية المترتبة على الفقر، والتي تؤثر على المجتمعات بشكل كبير، وهذا ما يجب ان يكون مانعاً ثانياً من الناحية الاقتصادية، على أن تتجه السلطات على أسلوب فرض الرسوم المتكررة على المواطنين كطريقة؛ لسد عجز ما ولو بنسبة بسيطة في الموارد المالية للدولة، لكون ذلك يزيد من معدل إحساس المواطنين بالفقر والعوز، وهذا ما يضعف لديهم شعور الانتماء بشكل رئيسي، كما وأنه بشكل أساسي، فإن الهدف الرئيسي لوجود الحكومات على رأس الدول هو الإدارة الحكيمة لمواردها، ومشاكلها وحسن التصرف في أزماتها، ويكون كل ذلك بغرض تحسين حياة المواطنين.