في إطار دوره ونشاطه كمركز تفكير مصري، نظم مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” بالتعاون مع موقع “مصر 360″، ندوة بعنوان “الوضع الإنساني في السودان بعد عام من الحرب”، بمشاركة خبراء وناشطين، مستهدفا إلقاء الضوء على الحالة الإنسانية في جنوب وادي النيل بعد اثني عشر شهرا من اقتتال أهلي، طرفاه القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وفصائل أخرى متحالفة مع هذا الطرف أو ذاك.

لم يغفل”دام” عن حساسية المشهد السوداني، رغم أن العدوان الإسرائيلي على غزة استقطب أضواء أكثر، الأمر الذي خصم من أرصدة التغطيات الإعلامية والحقوقية، لما يحدث في السودان.

شاركت في الفعالية د. أماني الطويل خبيرة الشأن السوداني، ومديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية، عضو المجلس المصري للشؤون الإفريقية، وعضوة مجلس إدارة مركز الدراسات السودانية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، ورحاب مبارك الناشطة الحقوقية السودانية، وعضوة “محامي الطوارئ”، وعدد كبير من المهتمين بالملف السوداني.

في البداية، تحدثت دكتورة الطويل، التي توجهت بالشكر لموقع مصر 360؛ لاستضافته ما وصفته بـ “هذه المبادرة عن الأمن الإنساني في السودان” وقالت: “لمن لا يعرف.. مصر 360 هوــ على ما أظن ــ الموقع الصحفي والإعلامي المصري الوحيد، الذي قدم متابعة يومية على المستوى الإخباري، ومستمرة على مستوى التحليل السياسي، فيما تعلق بالأزمة السودانية”.

د. أماني قالت إن الناشطة رحاب مبارك، لها مجهود مشكور قبل وبعد الحرب، ووصفت هذا المجهود، بأنه مؤطر وواع، فيما يتعلق برصد الانتهاكات، ونشرها والتعامل معها.

وأضافت: “تعامل مجموعات “محامي الطوارئ” والمحامين بشكل عام، فيما يتعلق بوضع الأمن الإنساني في السودان ــ وأنا استخدم هنا مصطلح الأمن الإنساني كتعبير شامل عن الأوضاع في السودان ــ مؤسس على خبرة، رغم حداثة هذه المجموعات، كون الانتهاكات في السودان ذات تاريخ طويل”.

وتابعت: “هذا التاريخ مرتبط بطبيعة الحروب الأهلية التي حدثت في السودان، سواء على مستوى الشمال والجنوب، أو على مستوى حرب دارفور، ما منح هذه المجموعات خبرات متراكمة، وذات طابع متخصص، فيما يتعلق بالتعامل مع قضايا الأمن الإنساني ورصد الانتهاكات”.

نصف قرن من السلام للعودة لأوضاع ما قبل الحرب

تواصل د. أماني طرحها: عندما نتحدث عن مرور عام على الحرب، فإننا نتحدث عن تدمير السودان، وتدمير مقدرات الدولة، وجميع مؤسساتها الصناعية والاقتصادية”.

أضافت: على صعيد الأمن الإنساني، لدينا نزوح ولجوء، النزوح الداخلي أكثر مراراً، كونه يجبر الأسر على الانتقال مرات عديدة، قد تبلغ سبع مرات، أو أكثر من مكان إلى آخر حسب توفر شروط الأمن، والتي تتدنى فترة تلو الأخرى.

تابعت: الاحتياج الأساسي للإنسان، وهو الغذاء غير متوفر، ومحاولات إمداد الأسر المتضررة بالغذاء لمجرد الحفاظ على الحياة، بات مهددا بالانهيار بالكامل، لأن المجموعات التي تعمل على إطعام الموجودين في مناطق الصراع، خاصة الخرطوم، لم يعد لديها القدرة؛ للإمداد بالغذاء؛ نتيجة أن الإنترنت، وشركات محددة مثل، ستار لينك سوف توقف خدمتها فى السودان، وأتصور أنه مطلوب الآن تكثيف الجهود؛ لإقناع هذه الشركات بالاستمرار في تقديم خدماتها، التي لم تعد قاصرة على التواصل، بل باتت خدمات “منقذة للحياة” فالهيئات الإغاثية ليس أمامها أي بديل آخر للتواصل مع المحتاجين للدعم الغذائي سوى استخدام الإنترنت .

وأضافت: “400 منشأة صناعية تم تدميرها بالكامل. ومعدلات نمو اقتصادي؛ كي تصل إلى معدلات ما قبل الحرب ــ التي تراجعت بدورها بنسبه 80% عن معدلات، ما قبل 2018ــ نحتاج 50 عاما في حالة إقرار السلام الآن وليس غدا”.

وواصلت: إمكانية استمرار دولة السودان، أصبحت على المحك؛ لأن طبيعة التفاعلات السياسية والعسكرية على الأرض، أصبحت تفاعلات بينية، فالجيش القومي لديه مجموعات غير مؤطرة، تعمل إلى جانبه، وسمعنا مؤخرا عن تحالفه مع موسى هلال، الزعيم القبلي ورئيس “مجلس الصحوة الثوري”.

واعتبرت أن هذا التحالف يعني أن التصنيف المحدد للمركز والأطراف تحول اليوم إلى صرعات بينية في الأطراف بين عناصر منتمية عرقيا وقبلياً، وهو ما يدخلنا في معضلة تشظي الصراعات المسلحة على الأرض.

ما يحدث ــ تواصل ــ يصنف في الأدبيات السياسية، باعتباره حربا أهلية، ويقود بالضرورة إلى تفكيك الدولة، وظهور مجموعات مسلحة لها مصالح جهوية أو مناطقية، أو حتى اقتصادية، وفي مراحل ما يحدث تناقض بين هذه المصالح بعضها البعض، وفي هذا السياق، سمعت مؤخرا عن مجموعة في مروي، قالت إنها مستنفرة “مجندة”؛ ليتضح لاحقا أنها مجموعة تعدين تحاول حماية “البزنس” الخاص بها.

فإلى هذا الحد، تقزمت أهداف ممارسة الأعمال العسكرية على الأرض، ترصد دكتورة أماني الطويل.

وتتابع: “هذه الحالة من الالتباس، فيما يتعلق بتحالفات الجيش القومي، ومواقف الفصائل المسلحةــ غير قوات الدعم السريع ــ وتحالفات الدعم السريع ذات الطابع القبلي، كل هذا يعطينا مؤشرا لحجم انتهاكات لقانون الأمن الإنساني، في مناطق وتوقيتات الصراع، انتهاكات ضخمة وواسعة.

إذلال ممنهج

وتواصل: “تتنوع الانتهاكات، ويبقى أكثرها إيلاما للنفس، هو اغتصاب النساء، الذي يرتبط بعملية إذلال ممنهج، وللأسف هذا السلوك ليس قاصرا على السودان، بل موجود في كل أنحاء القارة الإفريقية، حيث يتم اغتصاب النساء؛ لخفض المعنويات وإذلال كل طرف للآخر.

وتواصل رصد المشهد قائلة: بالنسبة للقتل، أنا أظن الأرقام الموجودة بين أيدينا ـ من عشرة لخمسة عشر ألف ــ أظن أنها أرقام غير دقيقة، حتى ما وثقه “محامو الطوارئ” في الجزيرة ودارفور وغيرها، أظن أن الأرقام غير دقيقة بالنسبة للقتل، وخصوصا القتل على الهوية، الأرقام ليست متاحة بشكل دقيق، فمجموعات التوثيق ليست موجودة في كل مواقع النزاع، ونحن نعلم أن السودان بلد مترامي الأطراف.

وبالنسبة للاغتصاب هناك عدم إفصاح عن حجم الضحايا الحقيقي، وهو سلوك مبرر في ظل طبيعة البيئة والثقافة السائدة.

“ماذا نفعل؟”.. السؤال طرحته دكتورة أماني.. وأجابت عنه قائلة:

هل المطلوب هو فقط رصد الانتهاكات وتوثيقها؟ هل ندفع باتجاه تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات ومحاكمة مرتكبيها؟ هل تساهم هذه الانتهاكات في تأجيج واستمرار الصراع؟

علينا أن نمحص جيدا هذه التساؤلات، ولا نتوقف عند إدانة هذه الممارسات، والأطراف التي تمارسها؛ لأنه رغم قسوة هذه الانتهاكات وعدم إنسانيتها، إلا أن التجييش والتحريض ضد هذه الانتهاكات، سواء رفضها أو اتهام أطراف معينه بها، يساهم في زياده دوران عجلة الصراع، وإمكانية استمرار الحرب، وهو ما يعني تفكيك دولة السودان.

وتواصل: طبعا الرصد والتوثيق لا مناص منه، لكن كيف نتعامل مع حصيلة هذا الرصد.. الإجابة في منتهى الصعوبة.

نحن بحاجة لجبر الأضرار التي وقعت، وتعويض المضارين، ومنع إفلات من ارتكب الانتهاكات من العقاب، وتبقى إشكالية أساسية، هي كيف نتعامل مع هذا الأمر، بحيث أنه لا يؤجج، ولا يساهم في زيادة دوران عجلة الحرب.

أنا لا أزعم كـ “أماني الطويل” أن لدي موقفا محددا في مسألة التعامل مع الانتهاكات على الصعيد السياسي، لكن أظن أنه سؤال مفتوح، علينا أن نجيب عليه في إطار محددات اقترحهاـ أولها أن هذا الصراع ليس الأول من نوعه، لا في السودان ولا خارجها، ثاني المحددات، أنه رغم قسوة الانتهاكات وعدم إنسانيتها، فهي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في التاريخ الإنساني.

وتتابع: “نحن بحاجة لإيقاف عجلة هذه الحرب، وهناك تجارب سياسية حول العالم، تعاملت مع هذه المشكلة، الجزائر مثلا تعاملت مع الأضرار الناجمة عن العشرية السوداء بمنهج ما، في المغرب الصراعات السياسية التي أسفرت عن انتهاكات واسعة، وقتل معارضين أشهرهم المهدي بن بركة، هذه الصراعات تم التعامل معها، بما يساوي استقرار البلد، والحفاظ على المقدرات الشاملة للدولة، بحيث لا تكون معرضة للانهيار، وهناك تجارب أخرى في أمريكا اللاتينية، وتحديدا الأرجنتين، للتعامل مع حجم انتهاكات مرعب”.

كلها تجارب يمكن الاستفادة منها من وجهة نظر دكتورة الطويل؛ للتعامل مع الوضع الراهن الذي تراه شديد الحساسية، ومؤثر على التفاعلات السياسية.

وتستكمل: أظن أنه إلى جانب المشاورات، والمساومات الجارية حاليا؛ لوقف الحرب، يجب على القوى المجتمعية، وهنا لا أتحدث عن القوى السياسية السودانية فقط، لأن المسألة هنا متعلقة بما أسمته الكتلة الحرجة من الشعب السوداني “غير الناشطين سياسيا”، وليست مرتبطة بالقوى السياسية فقط. وهنا ختمت الدكتورة أماني كلمتها؛ لينفتح باب الأسئلة.

بهجت: لماذا التجاهل؟

وكان السؤال الأول من مدير الندوة الكاتب الصحفي حسين بهجت، الذي قال: “أريد أن أعرف أسباب تجاهل المجتمع الدولي للأزمة في السودان.. لا حديث عن الانتهاكات، وحتى مخرجات مراكز الأبحاث والتقارير الإعلامية، تدور كلها حول الصراع السياسي، والحلول المطروحة أو المقترحة، لكن لا حراك يماثل رد الفعل تجاه، ما حدث في غزة، أو أوكرانيا قبلها “.

وتابع: “عندما حدث الهجوم الروسي على أوكرانيا، أشعرونا أن الإنسانية انتهت.. بينما حتى العاملون في مجال حقوق الإنسان في المنطقة العربية، لم يكلف أحدهم نفسه إبراز هذا التناقض”.

وتساءل عن عملية المحاسبة على الانتهاكات، ما هي الطريقة المناسبة في ظل حجم الانتهاكات ونوعيتها، وتحديدا العنف الجنسي، وما يمثله في منطقتنا وثقافتنا، معتبرا أنه لا يمكن مثلا تطبيق الطريقة الرواندية في المصالحة، لاختلاف طبيعة الصراع وملامحه.

حسين واصل تساؤلاته قائلا: “كيف يمكن أن تنتهي الحرب في السودان؟ وماذا عن ووضع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وما ارتكبه من انتهاكات، والذي يضعه في مصاف مجرمي الحرب، كيف يمكن أن يتعامل معه المجتمع الدولي؟ وكيف يلتقي مسئولون أمميون ويجد داعمين دوليين”؟

تعقيدات الوضع السوداني

دكتورة أماني ردت قائلة: “فيما يتعلق بالمجتمع الدولي وبصراحة، فإن جزءا من المشكلة أن السودان يعاني من حروب أهلية، منذ ما قبل الاستقلال، وحدوث انتهاكات في السودان ــ تاريخيا ــ هو خبر عادي ومتكرر، وليس مفزعا، وثانيا، فيما يبدو أننا على المستوى الإفريقي قضايانا، لا تهم أحدا.

وعادة لا يتم تناول ما يحدث في إفريقيا إلا من زاوية مصالح أطراف دولية، بينما أطراف الصراع هنا محلية، وعند المقارنة مع  غزه، فنحن نتحدث عن إسرائيل و فلسطين، إسرائيل في الذهنية العربية و الإسلامية، هي العدو، والفلسطينيون هم الطرف المظلوم، أما بالنسبه للوضع في السودان، عندما أنظر لها كمصرية، فإنني أتوقف عند من هو العدو”؟

وواصلت: بطبيعة الفسيفساء “التباينات والتنوعات العديدة” السودانية، فإن الصراعات السودانية، وطبيعة التداخلات فيها، يجعل الذهنية العادية غير المتابعة، تشعر أن الوضع ملتبس.

وعن نفسي ــ تقول الخبيرة د. أماني ــ أتابع يوميا كل الميديا السودانية، مواقف الأطراف كلها، ولو فاتني أحدهم “الدنيا تضلم قدامي”. وذلك في إشارة للتنوعات الواسعة التي قد تلتبس حال عدم المتابعة الدقيقة.

التدخلات الدولية

دعني أتساءل ــ تواصل ــ هل هناك مصلحة لأطراف ما أن يظل السودان هكذا؟ نعم تجيب بلا تردد

هناك أطراف لها مصلحة مباشرة، وأنا أجريت دراسة ــ والكلام للدكتورة أماني ــ في أمريكا عام 2009، عن “الدور اليهودي في أزمة دارفور، ووقتها كانت حكومة البشير تقول، إن اليهود ضالعون في أزمة دارفور.

أنا أخذت الفرضية، وأخضعتها لوسائل البحث العلمي، ولمدة عام كامل، كنت في أمريكا أتابع جلسات الكونجرس، وأتابع لغة الخطاب، وأطراف المشكلة، وزرت متحف الهولوكوست في واشنطن، لأجد هناك “كشك” خاص بدارفور في المتحف، واليهود هناك يدونون ما أسموه بالتاريخ الشفهي نقلا عن سيدات شبه أميات من دارفور.

وتتوقف لتقول: “بحكم خبرتي ودراستي أعرف أن أي مجتمع يصاب بالضعف في القارة الإفريقية، ومنطقة الشرق الأوسط تخترقه على الفور الاستخبارات الإسرائيلية تحت مسميات المجتمع المدني، أو العون الإنساني الذي لا يحمل بالطبع اسم أو عنوان يهودي”.

وتتابع: هناك الكثير من الوثائق الإسرائيلية، والكتب التي ألفها عناصر محسوبون على المخابرات الإسرائيلية حول دعم ما أسموه بالأقليات غير العربية التي تعيش على الأراضي العربية”.

وتابعت: “هذا الأمر ليس قاصرا على السودان قدر ارتباطه بالاستراتيجيات الإسرائيلية المتعلقة بإضعاف المحيط المتاخم لها، وأنا نشرت هذا الكلام في دراسة، أعددتها عن انفصال جنوب السودان”.

مصر

وتضيف: “دولة الطوق الأساسية بالنسبة لإسرائيل هي مصر، و بالتالي هدفهم هو إضعاف قدرات الدولة المصرية الشاملة، واختراقها من جنوبها، وهو مخطط موجود في الاستراتيجيات الإسرائيلية التاريخية، والجانب الآخر مرتبط بالصراعات الجيوسياسية في المنطقة، وخصوصا من إثيوبيا، وهذا ليس ذنب الإثيوبيين ــ لأكون أمينة ــ لكن تم توظيف إثيوبيا رغماً عنها من خمسينيات القرن الماضي؛ لتكون نقطه ارتكاز للمصالح الإسرائيلية والغربية”.

والهدف كما تقول دكتورة أماني هو تنفيذ الاستراتيجية التي يسمونها “شد الأطراف”، وهي استراتيجية بريطانية شهيرة، تحولت لمدرسة عالمية.

وهنا إثيوبيا نقطة ارتكاز للمصالح الإسرائيلية كي تـ “شد أطراف” التخوم العربية كلها.

هناك استراتيجية أخرى هي رفع مستوى الطموح لدى دول أو مجموعات سكانية في تسيد الإقليم، وهذا ما فعله البريطانيون في السودان ضد المصريين.

حيث رفعوا سقف وطموحات السودانيين في مجال زراعة القطن، بهدف تغذية مصانع لانكشاير، وزرع القطن في المناطق النهرية، بينما كان يمكنه زراعته في مناطق أخرى.

تتابع: “هناك مصالح وأهداف لا تخص السودان، ولا ترتبط به، لكنها تمارس على أراضيه، واستجدت مؤخرا مسألة الموارد التي تحولت من الزراعة إلى التعدين، وساهم التقدم التكنولوجي في وسائل الاستكشاف في رفع المكتشف من احتياطيات المعادن، وبالتالي أصبح من صالح القوى الكبرى تقسيم السودان لـ 100 حتة”.

طبعا غياب الوعي والتنمية المستدامة ساهم في الوصول لهذه النتيجة، وأنا لدي مقولةــ الكلام لدكتورة أماني ــ أن من حكم السودان منذ 1956، لم يكن لديه الوعي بالبلد التي يحكمها، وكان متصور أن السودان هي الخرطوم فقط.

وهذا جزء كبير من المشكلة، لكن الوقت الحالي ليس مناسبا لفتح هذا الملف.

وتتابع: “المتضرر الأول من الوضع الحالي هو الكتلة الحرجة “الكتلة اللازمة لإحداث التغيير” من الشعب السوداني، وليس الزعماء السياسيون ولا غيرهم، ومصلحة  هذه الكتلة  هي الوقف الفوري للصراع، وبالتالي الانحياز لأي طرف أو جهة تمارس الاستقطاب، أو الكراهية ضد الأطراف الأخرى خطأ، وأنا أول من قلت، عندما سُئلت: هل يمكن أن يكون حميدتي حلا. إنه حل، لا يليق بالسودان”.

وأضافت: “الانتهاكت التي مارسها الدعم السريع في السودان، أنهت شرعيته السياسية والأخلاقية”.

واستدركت: “المعطي الواقعي، أن هناك قوى اجتماعية وقبلية.. وبالتالي يبقى الأمر مطروحا للنقاش”.

وتتابع: الدول الأخرى لديها تجارب متنوعة، فيما يتعلق بالتعامل مع الانتهاكات، وإشارة الأستاذ حسين، بخصوص حساسية اغتصاب النساء بالنسبة لثقافتنا العربية والإسلامية، تحتاج لحوار مجتمعي، ولا يمكن الجزم بما يمكن، أن تؤول إليه الأمور، ومدى التفاوت بين طريقة تعامل كل مجتمع محلي مع المسألة”.

وحول طرق التعامل المختلفة، رصدت دكتورة أماني الطويل التجربة الجزائرية في جبر الأضرار، دون الاعتراف بالحقيقة، وهو الأسلوب الذي رفضه الأرجنتينيون، الذين رأوا أن الحقيقة يجب أن تعلن.

وشددت على أن ضميرها يرفض تماما فكرة الإفلات من العقاب، لكن التمترس وراء الرغبة في الانتقام لن يؤدي للحل، خصوصا في ظل غياب ثقافة العدالة الانتقالية.

وردا على سؤال من الصالة حول قبول الدعم السريع ككيان سياسي قالت دكتورة أماني: “دعنا نقر أن الدعم السريع يحقق مصالح أطراف خارجية، ودعنا نقر أن حميدتي هو صنيعة النظام السوداني، ومأسسة قوات الدعم السريع هي مسئولية الدولة السودانية، وإلغاء المادة 5 الخاصة بمأسسة الدعم السريع داخل القوات المسلحة، هي مسئولية مباشرة للفريق البرهان، الذي لا أعلم لماذا أقدم على هذه الخطوة، رغم أنها ضد حتى مصلحته الشخصية، وهذه العناصر لا بد من وضعها في الاعتبار، عندما نتكلم عن الدعم السريع، فلا يمكنني تجاهل أو عزل هذه الخلفية”.

انتهاكات المنشور 54

وانتقلت دفة الحديث للمحامية رحاب مبارك عضو مجموعة “محامي الطوارئ” التي تمنت في البداية، أن تنتهي “الحرب الملعونة” في أقرب وقت، وأن يعود أهل السودان لبلادهم سالمين.

وقالت: “عام كامل ملئ بالانتهاكات مضى، منذ اندلاع الحرب، ودعوني أبدأ بآخر انتهاك حصل، وأثار الجدل والتساؤلات، وأقصد الإجراءات التي اتخذت بحق المقيمين في كمبالا، حيث تقدم بعض المواطنين السودانيين هناك بحجز مواعيد في السفارة؛ لاستكمال إجراءات استخراج جواز سفر، ليفاجأ بعض الشباب برفض استخراج جواز لهم؛ والسبب أمر الحظر وفق المنشور 54، والذي حظر بعض القبائل السودانية “.

وتابعت: قيل للشاب القادم من منطقة عديلة، قبيلتك أصبحت محظورة وفقا للمنشور، ورغم نفي وزارة الخارجية، أكد أحد ضباط الداخلية صدور القرار في آخر ورشة؛ لمراجعة الهوية السودانية”.

وأضافت: إذن كانت هناك محاولة؛ لتجريد حوالي 15 شخصا أو أكثر من جنسيتهم، وهو انتهاك فاضح ومجحف، وكأنه تمهيد لانفصالات جديدة”.

وأشارت أن هذا آخر انتهاك حصل، والإجراءات “فوقه قايمة وقاعدة” دون جديد.

وتابعت: “تأكدنا بالفعل، أن هناك ورشة يوم 24 مارس الماضي، نظمتها وزارة الداخلية، في أم درمان بعنوان ضبط الوجود الأجنبي، ومراجعة الهوية السودانية”.

وتوقفت رحاب لتقدم مجموعة “محامو الطوارئ” قائلة إنهم مجموعة من المحامين المتطوعين، تدعو في بداية الثورة السودانية، للدفاع القانوني عن الثوار والثائرات، الذين اعتقلوا من قبل “النظام القديم”.

وواصلت المجموعة عملها ــ بحسب رحاب ــ من 2018، حتى سقوط النظام، وفي الفترة الانتقالية دافعت عن الحقوق والحريات.

وبعد الانقلاب ــ تقول رحاب ــ عادت مجموعة الطوارئ للدفاع عن الثوار الذين تعرضوا لانتهاكات جمة.

وتتوقف الحقوقية رحاب مبارك لتقول: “للعلم الاغتصابات الموجودة حاليا، هي امتداد للاغتصابات في فترة الانقلاب، ونحن كمجموعة الطوارئ وثقنا ما يقارب عشر حالات اغتصاب، حدثت في محيط القصر بواسطة القوات المشتركة التي هي الشرطة والجيش وجهاز الأمن”.

وتابعت ساخطة: “كل هؤلاء النظاميين في ذهنهم هذا الأسلوب، ويسلكون هذا السلوك”.

واستطردت: وكذلك التحرشات، وحتى السرقة والنهب، كانت موجودة، حيث كانوا يهجمون على التظاهرات، ويسرقون الهواتف وغيرها، وكنا نقدم بلاغات، لكن الأجهزة لا تتحرك، ولم يحدث أن أوقفوا شخصا سرق أو اغتصب.

ولفتت إلى مثول العديد من المتظاهرين امام القضاة مجردين من أموالهم وهواتفهم وكان يقول للقاضي “شفشفوني” وهو مصطلح يعني سرقة كل متعلقاته

وتابعت: “فور انتهاء الأحداث جاءت الحرب؛ لتتواصل الانتهاكات بنفس الأسلوب ونفس النهج، بدأت الانتهاكات في منطقة الديم وأم درمان، وتوسعت الدائرة وكل يوم في زيادة”.

وواصلت: نحن في مجموعة الطوارئ، أصدرنا أربعة تقارير الأول، بعنوان “معتقلات الموت في الخرطوم”، وكشفنا فيه باستفاضة عن معتقلات الدعم السريع، ومعتقلات الجيش، سواء الدائمة أو المؤقتة، وحددنا الانتهاكات التي تقع بحق الرجال والنساء داخل المعتقلات، ومنها الضرب والتصفية والتجويع والاغتصابات، وللعلم الاغتصابات حصلت للجنسين، وليس للنساء فقط، التقرير الثاني، كان “السودان تحت الحمم”، ورصدنا فيه الغارات الجوية والقصف المدفعي على دارفور، وسط وشمال الخرطوم، والمناطق الأخرى التي طالها القصف، وأوضحنا مقدار، ما يمتلكه الدعم السريع من أسلحة، ومقدار ما يمتلكه الجيش، وعشوائية القصف من الطرفين، دون مراعاة للمدنيين، وكيف يستغل الدعم السريع الأحياء السكنية كمنصات إطلاق مدفعي، دونما اعتبار للمدنيين، واستخدام الجيش للأسلحة الممنوعة دوليا مثل، صاروخ شواظ، الذي يمزق الضحية لأشلاء.

وتابعت: التقرير الثالث، كان عن الانتهاكات في منطقة الجزيرة، حيث طالت انتهاكات الدعم السريع، ما يقارب 221 قرية، متضمنة القتل والسحل والنهب والاغتصابات، والتي وثقنا منها 57 حالة من برتقال، و12 حالة من مدني، والبقية توزعت على بقية القرى. إضافة لعدد لا يحصى من التحرشات، و25 حالة إجهاض لقاصرات وسيدات، حملن نتيجة الاغتصابات، أما السرقات فلا تحصى، فقد سرق الدعم السريع ثمانية ألف سيارة دفع رباعي “بوكس” من الجزيرة فقطـ إلى جانب تشريد المدنيين عن قراهم، واستغلالهم بكل أنواع وأشكال الاستغلال، فمثلا يؤجر الدعم السريع الساعة من ستار لينك للمواطن بثلاثة آلاف جنيه سوداني، وسرقتهم للحبوب والمنتجات الزراعية، حتى “البليلة العدسية”، لم يتركوها لهم.

وانتقلت رحاب إلى التقرير الرابع لتقول: تناولنا فيه الاعتقالات، التي طالت الناشطين، وأعضاء لجان المقاومة، والسياسيين في مناطق سنار وما حولها، وهي تتضمن محليات أبو حجار وسنجة وغرب وشرق سنار.

واضافت: شهدت هذه المناطق حملات اعتقالات ممنهجة بواسطة الاستخبارات العسكرية، وفي حال لم يجدوا الشخص المطلوب، يتم اعتقال أسرته بالكامل، وهو ما حدث مع صحفي ومحامي، وبعد القبض على الأسر وضربهم، وتعذيبهم كانوا يطوفون بهم في السوق، وهم يضربونهم؛ كي يصبحوا عبرة لمن يعتبر.

وتابعت: تم عمل ارتكازات في مدخل كل مدينة لاعتقال أعضاء قوى الحرية والتغيير، ورافضي الحرب والناشطين، وتم اعتقال المئات.

واستطردت: لو تكلمنا باختصار عن الانتهاكات الجسدية، رصدنا 481 حالة، ممن طالبوا بالبروتوكول، وللأسف لم يسلم الناشطون الذين كانوا يرصدون هذه الانتهاكات، فاغتال الدعم السريع الناشطة المحامية بهجة عبد الله، بعد تهديدها عشرات المرات، وتم اعتقال ناشطين آخرين، وطلبوا فدية، وعندما لم يدفعا قتلوهما، وألقوا جثتيهما في الشارع.

وتابعت: الدعم السريع كرر عملية القبض على ناشطين، وطلب فدية لإطلاق سراحهم، حدث هذا في شرق النيل، والعشرة والدولاشار، بينما تم قتل خمسة ناشطين في منطقة الجنينة بدم بارد.

واستطردت: اتفق مع دكتورة أماني، أن الرصد ليس دقيقا، فهناك مناطق مقفولة، لم نتمكن من دخولها، تحديدا منطقة الجنينة، وجريمة التطهير العرقي، التي حدثت في منطقة الجنينة، لا زالت بالنسبة لنا “كتابا مغلقا”، حتى اللحظة، وما عرفناه من خلال اللاجئين واللاجئات، الذين خرجوا منها إلى منطقة أدري “حكاية ما تتحكي”.

بالنسبة للاغتصابات أو القتل وخطاب الكراهية، فتحكي دكتورة إيثار خليل نقلا عن إحدى اللاجئات هناك، كيف ألبست أطفالها الذكور ملابس البنات، حتى لا يقتلوهم، وكيف قتلوا اثنين منهم، عندما دخلوا منزلهم، وتركو اثنين آخرين، يرتديان ملابس النساء.

وواصلت: “تم رصد عشرات الحالات من الإصابة بالزهري والسيلان، لدى النازحات، ممن تعرضن للاغتصاب، وقالت المسئولة الصحية في جوبا، إنها أجرت ما يقارب 50 إجهاضا شرعيا في الشهرين الماضيين.

دواعش مع الجيش 

كانت رحاب تغالب دموعها، وهي تقدم الأرقام التي تكشف عن وضع إنساني مرعب، واضطرت للتوقف أكثر من مرة، قبل أن تواصل: وفي أم درمان ظهرت مجموعة دواعش، شاركوا في الحرب وهذه المجموعات المسماة بكتائب البراء بالشراكة مع الجيش السوداني، تذبح الشعب السوداني، وبعد الذبح تسلخ ضحاياها، أو تفصل رؤوسهم، وتحتفي بهذه الأفعال، وتنشرها لتبث الرعب في القلوب.

وتابعت: أول مرة حدث هذا كان لشابين تم ذبحهما، وفصل رأسيهما، وهما لا علاقة لهما بالدعم السريع أو غيره، مجرد مدنيين، وآخر حادثة كانت ذبح نازح وأسرته بالكامل وصوروا عملية الذبح، كما صوروا عملية صلب مدني آخر وسلخه أمام الناس، وهم يرددون، أن أي دعامي” منتسبي الدعم السريع” سنقتله بهذا الشكل، وللأسف هم يفعلون ذلك في المدنيين.

وهم موجودون بكثافة في أم درمان، ويستهدفون الأضرحة، والمزارات، وخطورة الأمر أن هذه المجموعات يستعين بها الجيش السوداني تحت عنوان المحافظة على الأرض والعرض، وهذا كذب بواح ـ تقول رحاب: لأن هذا الجيش ارتكب جريمة اغتصاب 200 سودانية في 2009، بمساعدة الدعم السريع، وفي وجود عبد الفتاح البرهان ذاته.

وانتقلت إلى المعاملة السيئة التي يتلقاها الأسرى والمدنيون، لتقول: الجيش السوداني قام بتجويع مدنيين، كانوا معتقلين في منطقة الشجرة بالخرطوم، وغيرها، وشاهدنا مدنيون خرجوا أشبه بهياكل عظمية من شدة الجوع، بخلاف من مات بالفشل الكلوي وأمراض أخرى.

هنا تداخلت الدكتورة أماني الطويل لتسأل: “هل من ارتكبوا هذه الانتهاكات من القوام القومي للجيش أم من الفصائل المدمجة”؟

وأجابت رحاب مبارك: أتكلم هنا عن الفصائل المدمجة، هذه جرائمهم.

وعقبت دكتورة أماني: كلمة الجيش يجب أن تدقق، الجيش عمل تحالفات مع الإخوان المسلمين، والذين لهم امتدادات في الدواعش، وتحالف مع مجموعات وفصائل مسلحة أخرى تم إدماجهم، هؤلاء ليس لديهم العقيدة العسكرية والكود الأخلاقي للقوات المسلحة، ولذلك أرجو التفرقة بين القوام القومي من خريجي الكليات العسكرية، وبين الفصائل المدمجة، وهذه التفرقة مهمة، لأنها مرتبطة بدولة السودان، واستمرار مؤسسة الدولة.

وتابعت: انا هنا أبحث عن معلومة مدققة مستقلة، لأني عندما أسمع كلمة الجيش، يذهب ذهني إلى خريجي الكلية العسكرية الرسمية، هل من يمارسون هذه الانتهاكات هم منسوبو القوات المسلحة المتخرجين من الكلية الحربية، أم القوات التي أدمجت بموجب اتفاقية جوبا، وفي ظل الحرب الراهنة التي أضعفت الجيش، فالفصائل التي تحالف معها الجيش، تضم ثقافتين الأولى، داعشية متطرفة، وثقافة أبناء دارفور، وأبناء الجضارف، وهذا مهم؛ حفاظا على مصداقية معلوماتنا وتقاريرنا، ومن أجل إجراءات جبر الضرر، وعدم الإفلات من العقاب، وكيلا يستخدم هذا الكلام سياسيا ضد أي طرف.

وردت رحاب مبارك قائلة: دعيني أفصل الأمر، هذه الفصائل المسلحة دخلت هذه الحرب منذ شهر، قبلها كانت محايدة، أما بالنسبة لمالك عقار قواته مدموجة من قبل الحرب، وعندما اشتكى منه الشعب، قال لا يوجد شيء اسمه قوات عقار، هذا الجيش السوداني، وتم دمجنا في الجيش قبل الحرب.

وتابعت: نحن مصرون، أن الجرائم التي ارتكبت في مناطق كرري ارتكبتها قوات عقار، لكن “ناس طنبور” والجماعات التي اندمجت مؤخرا، لم نر منها ما ينافي قواعد الحرب المعتادة، السلوك الشاذ الذي تكلمت عنه، هو ما حدث في منطقة الشجرة والمسئولين عنه “كتائب البراء بن مالك”، وهذه المجموعات على رأسها قائد من الجيش السوداني.

وقاطعتها دكتورة أماني: “علميا أنا أقول إن الانتهاكات حدثت من فلان المدمج بتاريخ كذا، لكن لا أستطيع القول، إن قائده كذا؛ فهناك سيولة أمنية على الأرض، وهذا القائد يمكن أن يضرب بالرصاص من هذه الكتائب”.

وهذا مهم ــ تقول دكتورة أماني ــ حتى لا يتم الاستخدام السياسي للانتهاكات، ولكي تقع العقوبة على من ارتكب الفعل على وجه الدقة.

وعقبت رحاب: هذا صحيح لكن السؤال، وقد سبقتني لطرحه، لماذا تم إلغاء المادة 5؟ ولماذا تمت الاستعانة بهذه المجموعات؟ ولماذا تزور هذه الكتائب يا عبد الفتاح البرهان، وتلتقي رؤساء هذه الكتائب.

انتقلت الندوة إلى فتح باب الأسئلة للحاضرين، والتي انطلقت من خلال تعقيب من الصالة قال صاحبه: ” أنا رجل عسكري، وهذه القوات مشتركة، والفيديو الأخير الذي يصور ذبح أربعة مواطنين، قائد المجموعة معروف، وكان موجودا، بينما من ارتكب عملية الذبح ليسوا عسكريين”.

وردت دكتورة أماني، أن هذا يستلزم بحثا للمحددات القانونية لهذه الحالة.

تساؤل وتعقيب آخر، جاء من أحد المحامين قدم نفسه كأحد مؤسسي المرصد السوداني لحقوق الإنسان، قال إن الجهد الذي بذله محامو الطوارئ جيد، ومطلوب أن يكون أكثر دقة وإتقانا، من أجل حقوق المتضررين.

وأضاف: التهجير القسري واللجوء، لم تعرف أعداده بعد وكلها تقديرات تقريبية.

عادت الكلمة للناشطة رحاب مبارك، التي طالبت بدور أكبر للمؤسسات الدولية معترفة بصعوبة الوضع، ومعاناة هذه المؤسسات في العمل على الأرض.

والقيام بدورهم، حيث تم استهدافهم مثلا في منطقة الشجرة بالخرطوم.

وأضافت: نريد دورا حقيقيا للصليب الأحمر في حماية المدنيين العالقين داخل المدن.