في اليوم العالمي للعمال، يحتفل الملايين على مستوى المعمورة بهذه الذكرى التي عادة، ما ترتبط بحقوق الطبقات العاملة وسعيها؛ لإقرار هذه الحقوق وضمان الحصول عليها، والمطالبة بها، وما يتخلل ذلك من مظاهرات وفعاليات متنوعة.
هنا في مصر تعتبر الموازنة العامة للدولة مقياسًا حقيقيًا لتوجهات الحكومات؛ إزاء توفير الحقوق الاقتصادية للمواطنين، والعمال في الصدارة، باعتبارها توضح أولويات الإنفاق الخاصة بوزارة المالية، ومدى اتساقها مع تطلعات العمال والمواطنين في حياة أقل عنتا ومعاناة.
مؤشر على التراجع
في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد 2024 /2025، يكشف تطور هيكل الإنفاق الحكومي عن استمرار هيمنة وجور بند فوائد الديون على باقي مخصصات الإنفاق الاقتصادية المرتبطة بالمواطن، إذ التهمت الفوائد 47% من مصروفات الموازنة في العام الجديد.
يظهر هيكل الإنفاق العام بحسب التصنيف الاقتصادي (يقيس المصروفات والإيرادات بصورة عامة)، أن نسبة الأجور من إجمالي الإنفاق تبلغ 15% في مشروع موازنة العام المقبل، مقابل 20% بموازنة العام الحالي.
حال مقارنة مخصصات الأجور بالناتج المحلي الإجمالي، بلغت مخصصات الأجور في العام المالي الحالي نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9.5% لفوائد الديون.
من ناحيته، يقول مسئول بوزارة المالية، لـ “مصر 360″، إن الأجور شهدت تحسنًا غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة؛ لتبلغ 575 مليار جنيه، مقابل 494 مليار جنيه في العام المالي الحالي؛ لاستيعاب الحزمة الأخيرة المقررة للعاملين بالدولة، لكن مصروفات الموازنة ارتفعت في المقابل بنسبة 29% إلى 3.870 تريليونات جنيه للعام المالي المقبل.
أعلنت وزارة المالية، خلال مارس الماضي، حزمة لتحسين الأجور، تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50٪؛ ليصل إلى 6 آلاف جنيه شهريًا، وزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية بحد أدنى، يتراوح بين 1000 جنيه إلى 1200 جنيه، وفق الدرجة الوظيفية.
كما عجلت موعد صرف العلاوة الدورية للمخاطبين بقانون الخدمة المدنية في شهر مارس 2024 بنسبة 10% من الأجر الوظيفي، و15% من الأجر الأساسي لغير المخاطبين، وبحد أدنى 150 جنيهًا بتكلفة إجمالية 11 مليار جنيه، وصرف حافز إضافي يبدأ من 500 جنيه للدرجة السادسة، ويزيد بقيمة 50 جنيهًا لكل درجة، ليصل إلى 900 جنيه للدرجة الممتازة.
وأضاف المصدر: “لا يجب أن ننسى رفع حد الإعفاء الضريبي لكل العاملين بالدولة بالحكومة والقطاعين العام، والخاص بنسبة 33% من 45 ألف جنيه، إلى 60 ألف جنيه، بتكلفة إجمالية سنوية 5 مليارات جنيه، وهو يندرج ضمن بند تحسين الأجور، ولا يتم حسابه ضمن مخصصاتها، فضلاً عن تخصيص وزارة المالية 6.6 مليارات جنيه؛ لتعيين 120 ألفًا من أعضاء المهن الطبية والمعلمين والعاملين بالجهات الإدارية الأخرى”.
وعود بمراعاة التضخم
يقول المصدر، إن الوزارة تستهدف في موازنة العام الجديد زيادة باب الأجور بمعدل سنوي، يفوق التضخم مع التركيز على تحقيق معدل نمو سنوي أعلى لإجمالي الأجر المستحق للعاملين بالدرجات الوسطى، والعاملين بقطاعي الصحة والتعليم.
أقرت وزارة المالية، في مارس الماضي، زيادة إضافية في أجور المعلمين بالتعليم قبل الجامعي، تتراوح بين 325 جنيهًا، و٤٧٥ جنيهًا، وزيادة إضافية لأعضاء المهن الطبية، وهيئات التمريض، تتراوح من 250 إلى 300 جنيه في بدل المخاطر للمهن الطبية، وزيادة تصل إلى 100% في بدل السهر والمبيت.
ارتفع بند الأجور بوتيرة مستمرة، منذ العام المالي 2015 /2016 من 213.7 مليار جنيه، إلى 225.5 مليار في 2016 /2017، ثم 240.1 مليارا في 2017 /2018 فـ 266.1 مليارا في 2018 /2019، ثم 318.8 مليارا في 2019 /2020 فـ 358.7 مليار جنيه في 2021 /2022 ثم 412.5 مليار جنيه في 2022 /2023 فـ 493.9 مليار جنيه في 2023 /2024 وأخيرًا 575 مليار جنيه في مشروع موازنة 2024 /2025.
ماذا تخبرنا الأجور بالموازنة؟
ارتفعت مخصصات الوظائف الدائمة بمشروع الموازنة 2024 /2025 إلى 113.2 مليار جنيه، مقابل 102.03 مليارا خلال العام الحالي بزياد قدرها 11.2 مليار جنيه، وزيادة في مرتبات المُعارين الذين تتحمل الموازنة مرتباتهم بنحو 189.6 مليون جنيه إلى 675.2 مليون جنيه، مقابل 485.6 مليون جنيه في الفترة المقارنة ذاتها.
تراجعت مخصصات الوظائف المؤقتة من 12.6 مليار جنيه، مقابل 9.9 مليارات جنيه بتراجع قدره 2.6 ملياري جنيه، بفضل ترجع مكافآت الأساتذة المتفرغين من 7.9 مليارات جنيه إلى 5.6 مليارات جنيه.
كما تراجع إجمالي أجور الأطباء وأخصائيي العلاج الطبيعي (ضمن الوظائف المؤقتة) بنحو 17.7 مليون جنيه؛ ليبلغ 829.3 مليون جنيه، مقابل 846.5 مليون جنيه العام المالي الحالي، ما يشير إلى استمرار هجرة الأطباء من أجل العمل بالخارج بحثا عن رواتب أفضل.
في المقابل، زادت مكافآت معاوني ومساعدي الوزراء من 60.9 مليون جنيه العام الحالي إلى 79.4 مليون جنيه العام المالي المقبل، ومكافآت الخبراء المحليين من 42.2 مليون جنيه إلى 45.3 مليون جنيه، والخبراء الأجانب بنسبة طفيفة من 33.7 مليون جنيه إلى 33.8 مليون جنيه.
المفارقة
المفارقة هنا، أن بند “المكافآت” قفز بشكل كبير بمشروع الموازنة الجديدة إلى 206.9 مليارات جنيه، مقابل 170.6 مليار جنيه في العام المالي الحالي، مع زيادة المكافآت التشجيعية من 9.8 مليارات إلى 10.3 مليارات جنيه، وحوافز العاملين بالكادر من 9.5 مليارات إلى 9.7 مليارات جنيه، بينما تراجعت مكافآت التدريس من 2.9 ملياري جنيه إلى 908.3 ملايين جنيه، مع سعي الوزارة لتثبيت عدد من المعلمين بالموازنة الجديدة، بدلاً من نموذج مكافأة الحصة.
تقول حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، إن الوصول بالأجر المرضي للموظفين سواء في القطاع الخاص، أو العام أمر صعب في ظل معدلات التضخم الحالية، لكن الدولة تراهن على ضبط التضخم عبر زيادة المعروض من السلع عبر الإفراجات الجمركية، ما يعطي المواطن القدرة على تلبية احتياجاته بمصروفات أقل، ما يقلل من الإنفاق الشخصي، وينعكس على مستوى المعيشة.
أشارت إلى أن الدولة تسعى إلى دعم المواطنين عبر فرض الحد الأدنى للأجور، وتقليل ذلك البند فكثير من الجهات التي لديها فائض في العمالة، أو ما يُسمى بالبطالة المقنعة، لا يتم استبدال العاملين المحالين للمعاش بموظفين جدد، كما تشجع على ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة، بحيث لا يكون الارتكان في التوظيف على الحكومة.