أصدر مركز التنمية والدعم والإعلام (دام) ورقة بحثية، حاول خلالها تسليط الضوء على أثر تطبيق قانون الإرهاب على الحريات من خلال تناول صياغات القانون، وحدود تطبيقه مقارنة بالحقوق والحريات الواجب وصيانتها.
الأسباب الداعمة لظهور الحركات الإرهابية
في مقدمتها، سلطت الورقة البحثية التي أعدها المحامي الحقوقي طارق عبد العال، الضوء على نشأة الحركات الإرهابية، والتداعيات التي طرأت عقب حادثة 11 سبتمبر 2001، عندما بدأ الاقتناع، بأنَّ غياب العقل وانعدام التنمية وعدم اندماج الأقليات داخل المجتمعات، إضافة إلى الاستبداد السياسي في المجتمعات العربية، والبعيد عن هوامش التداول السلمي للسلطة السياسية، من أهم الأسباب الداعمة لظهور الحركات الإرهابية، على الرغم من تواجد المعاهدات والاتفاقيات القانونية، سواء كانت دولية أو إقليمية، لمكافحة الظواهر الإرهابية.
للاطلاع على الورقة البحثية كاملة:
وتتطلب مواجهة الإرهاب التعامل مع التحديات التي تُمليها دولة القانون، ومتطلبات الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وهى تحديات تنبعث من مبادئها، مضافًا إليها قيم العدالة؛ ولهذا احتلت جريمة الإرهاب جانبًا مهمًا من مسئوليات النظام القانوني.
وارتكزت هذه المسئولية على القدرة على التوازن بين متطلبات المبادئ الأساسية للقانون والديمقراطية، وحقوق الإنسان وإعلاء قيم العدالة، ومتطلبات مكافحة الإرهاب في منع الجريمة أو العقاب عليها. ولم تعد التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب قطاعًا منفصلاً عن غيرها من التحديات، بالنظر إلى أنَّ عالمية حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من قيم المجتمع الدولي، بحكم الشرعية الدستورية في دساتير مختلف الدول؛ مما جعلها إطاراً لا يمكن تجاوزه لمواجهة الإرهاب بكافة وسائله، أيًا كان التكييف القانوني للإرهاب؛ وهو ما يجعل التحديات القانونية في مواجهة الإرهاب ركنًا ركينًا في المواجهة الشاملة للإرهاب على اختلاف أنواعها وأبعادها.
اقرأ أيضًا: مشروع تعديل قانون الإرهاب.. مصادرة الملكية الخاصة والعقوبات تطول الجميع
الورقة عرضت رؤية لقانون مكافحة الإرهاب، من زاوية أنَّ الشرعية الجنائية تعني ألا يكون التشريع مخالفاً للدستور، وأنه إذا التزمت السلطة التشريعية بما نص عليه الدستور، فإنَّ أعمالها تتفق مع أصول الشرعية، غير أنَّ السلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة، وهو ما يجعل هذه السلطة بمنأى- في بعض الأحيان- عن الرقابة الدستورية.
وفي مجمل القول، تشدد الورقة على أنّ الشارع حينما يُخطط أو يشرع في معالجة موضوع الإرهاب، عليه ألا يتجاوز أو يجور على حقوق الأفراد العامة بالمصادرة أو الانتقاص، أو بما يُفرِّغها من مضمونها؛ إذ على الرغم من كون الإرهاب بعواقبه الوخيمة يلقى تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، فإنَّ التحديات القانونية لمواجهة الإرهاب تبدو هامة وحاسمة، في ظل عصر سادت فيه قيم دولة القانون، والديمقراطية وحقوق الإنسان، وأصبحت هذه القيم جزءاً من الضمير العالمي.
مواد بقانون العقوبات المصري تصلح للتطبيق على جرائم الإرهاب
ورغم أنّ قانون العقوبات المصري تضمن موادَّا، تصلح في الغالب للتطبيق على جرائم الإرهاب، وخصوصًا ما هو متعلق بحماية أمن الدولة من الداخل أو الخارج، لكن لم يقف المشرع المصري عند هذا الحد، فقد عرف التشريع المصري القانون رقم 97 لسنة 1992، وهو الذي يعتبر أول قانون متعلق بالإرهاب.
اقرأ أيضًا.. فاتورة 5 سنوات من الحياة في ظل “مكافحة الإرهاب”
كما أصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 بعنوان قانون مكافحة الإرهاب، ويُعد ذلك تماشياً- من الناحية النصيَّة- مع ما جاء بالدستور المصري، حيث نص دستور 2014 بشكلٍ صريح من خلال المادة 237 منه، “على الدولة مواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتعقُّب مصادر تمويله، وفق برنامج زمني محدد، على اعتبار كونه تهديدًا للوطن والمواطنين”.
التوسع في نطاق التجريم
وتلفت ورقة عبد العال النظر إلى أوجه من العوار شديدة الصلة بمضمون التوسع في نطاق التجريم، والمغالاة في العقوبة، والتشدد في العقاب مع المحرضين أو المُسهِّلين. وذلك وفقًا للتعريف الوارد في المادة الأولى من قانون مكافحة الإرهاب، والذي توسَّع في تعريف الجريمة الإرهابية، وتحميلها فوق طاقتها، بأن اعتبرها “كل جريمة منصوصٌ عليها في هذا القانون، وكل جناية أو جنحة تُرتكب باستخدام إحدى وسائل الإرهاب، أو بقصد تحقيق هدف إرهابي”، حيث يسمح هذا التعريف بإدخال أيّ جريمة عادية تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب، حتى ولو لم يكن منصوصًا عليها بين نصوصه بشكل صريح، وذلك على أساس اعتبار إحدى وسائل تنفيذها وسيلة إرهابية، أو أنَّ الغرض من ارتكاب تلك الجريمة كان إرهابياً.
وفي سياق الحديث عن تلك التوسعات، يأتي مفهوم الحبس الاحتياطي، ومدته بشكلٍ لا يتفق وحقيقة الحبس الاحتياطي ذاته؛ إذ يتعين لإصدار قرار الحبس دون استجواب، أن يثبت للمحقق هرب المتهم ثبوتًا إيجابيًا، يتضمن اتصال علمه بأنه مطلوب للتحقيق، ثم قصده إلي التهرب من المثول أمام المحقق.
وبعدما تتبعت مواد القانون، خلصت الورقة، إلى أنه “في جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي، في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية، ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز 6 أشهر في الجنح، و18 شهرًا في الجنايات، وسنتان إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”.
ورأت الورقة، أنّ المشكلة الأكبر بقانون مكافحة الإرهاب هي التوسع في تطبيقه، ووضع العديد من السياسيين والحقوقيين تحت مظلته، دونما ارتكاب أية جريمة مرتبطة فعليًا بمكنون أو تعريف الإرهاب على نحوٍ فعلي وحقيقي، ودون أن يكون أيٌّ منهم قد اتخذ من العنف وسيلةً لتحقيق هدفه.
اقتراحات بشأن مدة الحبس الاحتياطي
واقترحت الورقة تدخلاً تشريعيًا، لقصر مدة الحبس الاحتياطي إلى أقصى مدى ممكنًا، وعدم اللجوء إليه إلا في حالات ضرورية ومحددة، وأن يتم الاعتماد على البدائل الأكثر تماشياً مع التطورات الاجتماعية القانونية.
الحبس الاحتياطي.. ثقب مصر الأسود
هل ينجح “السوار الإلكتروني” في إنهاء دائرة الحبس الاحتياطي؟
كما طالبت بإعادة النظر في بدائل الحبس الاحتياطي، والتي تمثل نوعاً من العقاب المُغلَّف، من بينها الإلزام بعدم مغادرة المنزل، بما يمثله من حبس داخل جدران منزل الشخص محل التدبير، وذلك في حال إحالة قضاياهم إلى المحكمة الجنائية.
وشددت الورقة، على أن الدولة القانونية مطالبة بحماية جميع المصالح القانونية، وهذه المصالح ليست مقصورة على مصلحة الدولة فقط؛ بل إنّها تشمل أيضاً حقوق الفرد وحرياته، ولا يجوز إهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع، بل يجب التوفيق بين المصلحتين، وعدم طغيان إحداها على الأخرى.
صياغات مُوسَّعة في قانون الكيانات الإرهابية
لم يقف أمر التوسع في استخدام القوانين فقط عند حد قانون مكافحة الإرهاب، بل امتد ليشمل أيضًا قانون الكيانات الإرهابية، والذي طال تطبيقه العديد من السياسيين وأصحاب الرأي، ممن ليس لهم أدنى علاقة بحقيقة الإرهاب أو دوائره.
وعرّفت الورقة بمصطلحات الإرهابي والأموال أو الأصول الأخرى التمويل، باعتبار أن القانون تضمن بتعديلاته صياغات مُوسَّعة على تعريف الكيانات الإرهابية وتمويلها، بالإضافة إلى تشديد الآثار الناتجة عن الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
وتختم الورقة باستنتاج مفاده، أن تنظيم قانون الإرهاب أو الكيانات الإرهابية، تضمن المزيد من الغلو، والبعد عن القواعد العادلة في صياغة النصوص العقابية، وتجاوز- كثيراً- في حقوق الأفراد وحرياتهم على مستويات عدة، أهمها الحق في المحاكمة العادلة، بما تتضمنه من الحق في الدفاع؛ وهو الأمر الذي يصب في الخانة السلبية لحالة العدالة المصرية بشكل عام.