لا يتوقف الجدل حول طبيعة حركة حماس قبل عملية 7 أكتوبر، وبعدها عربيا ومصريا، وهل ستعتبر حركة مقاومة أم إسلام سياسي؟ وبعيدا عن التصنيف الإسرائيلي الأمريكي، بأنها جماعة إرهابية، فإن الخلاف حولها في العالم العربي يتفاوت بين غالبية، تضع في المقدمة حجم المآسي والجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد قوات الاحتلال، ويعتبر بالتالي حماس حركة مقاومة، حتى لو اختلفت مع جانب من وسائلها، لكنه يعتبرها بالأساس رد فعل على جرائم الاحتلال، وبين من يرى أن المشكلة فقط أو أساسا في حركة حماس، باعتبارها جزء من فصائل الإسلام السياسي الذي يمثل أحد الأسباب الرئيسية لأزمات العالم العربي والمنطقة.
وفق هذا الانقسام، اختلفت مواقف البعض مما يجري في غزة، فهناك من حمل حماس المسئولية الأساسية، لما يجري في القطاع؛ نتيجة عملية 7 أكتوبر، حتى لو أدان إسرائيل، إلا إنه ظل متأثرا، بأن حماس هي إخوان مسلمين، وإسلام سياسي “لا يأتي من ورائها الخير”، أما من حملوا إسرائيل مسئولية، ما يجري في غزة فغالبيتهم ليس من باب التعاطف مع حماس، إنما لأنهم يدينون أي سلطة احتلال، مهما كانت قوميتها أو دينها، وإن الاحتلال يتطلب مقاومة مسلحة أو مدنية تبعا للظروف، وبصرف النظر عمن يقوم بها حماس، أو الجبهة الشعبية أو فتح، فإن إيقاف المقاومة يتطلب أولا زوال الاحتلال.
صحيح أن هناك من سجل دعمه للمقاومة الفلسطينية المسلحة، بما فيها حماس، ولكنه عبر عن مخاوفه، من أن يترتب على صمود حماس، وربما خروجها شبه منتصرة في هذه المواجهة، أن تؤثر على تيارات الإسلام السياسي، بحيث ستعتبر هذه التيارات، أن صمود الحركة لـ 7 أشهر بطولة، ونموذج يحتذى به يقوي من حضور “الإسلام السياسي”، خاصة في ظل تاريخ من الإخفاقات العربية في مواجهة إسرائيل.
الحقيقة، أن هذا التخوف مشروع، ولكنه غير دقيق، لأنه يخلط بين كون نجاح أو صمود حماس، يتعلق فقط بجانبها المقاوم وشجاعة عناصرها وإيمانهم العقائدي القوي، وليس نجاح في الإدارة والحكم والتنمية، بحيث لا يمكن الترويج “لنموذج حماس” في إدارة قطاع غزة لباقي الدول العربية والإسلامية، إنما لنموذجها المقاوم المرتبط بوجود الاحتلال، وإنه في حال زواله لا توجد مؤشرات على وجود قدرات لحماس؛ لتقديم نموذج “نجاح” في إدارة الدولة الفلسطينية الواعدة.
والحقيقة إن التخوف من “إنعاش” حماس حركات الإسلام السياسي بعد تجارب إخفاق كبيرة، شهدتها في الحكم والإدارة، وخاصة في مصر مع جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي حماس لمدرستها الفكرية والسياسية، قبل أن تعلن فك ارتباطها بهيكلها التنظيمي، ليس له أساس قوي في الواقع، لأن قوة حماس وحضورها وتأثيرها العربي والعالمي، يكمن في أدائها العسكري المقاوم والبطولي، وليس في الحكم والإدارة.
والحقيقة أن النقاش في معظم البلاد العربية يدور حول الحكم الرشيد، ودولة القانون والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وهي كلها قضايا لم تنجح فيها حماس، ولم تهتم بها، ولم تكن ضمن أولوياتها، في حين أن معظم الدول العربية تنتظر حلولا، وإجابات لهذه التحديات والمشاكل.
إن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وسقوط 34 ألف شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال، أثار تعاطف الرأي العام العالمي مع الشعب الفلسطيني بدوافع إنسانية وحقوقية، وأن آلاف الجمعيات والمؤسسات المدنية ومئات الآلاف الذين يتظاهرون في أوروبا وأمريكا ومعظم دول العالم؛ دفاعا عن الحقوق الفلسطينية بعيدين عن البناء العقائدي لحركة حماس، ومعظم تيارات الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي.
حماس لن تنعش، ولن تحيي تيارات الإسلام السياسي، لأن الجوانب الإيجابية فيها هي جوانب، تتعلق أساسا بمقاومة المحتل، وهي ليست المطلوبة في العالم العربي، ولن تزيد من قوة تيارات الإسلام السياسي التي تعاني من مشكلات هيكلية في بنية مشروعها السياسي، وفي قدراتها على الإدارة والحكم.
الجانب الأكبر من الكتابات العربية والعالمية، انطلقت من فرضية، أن حماس سبب أو عرض لمرض اسمه الاحتلال، وبزواله يمكن أن تظهر حماس أخرى، أو جديدة أو تيار سياسي ديني محافظ “وغير حمساوي”، حتى لو كان متشددا، لكنه لن يحمل السلاح وسيفكك تنظيمه المسلح في مقابل بناء دولة فلسطينية مستقلة.
نعم، حركة حماس جزء من تيارات الإسلام السياسي التي يرفضها كثيرون، ولكن الأقدار جعلتها توجد في ظل دولة احتلال استيطاني، ربما أكثر سوءا من جنوب إفريقيا، فقاومته وأصابت في بعض وسائلها المقاومة، وأخطأت في أخرى، وحتى عملية 7 أكتوبر، كان يمكن أن تبتعد تماما عن استهداف المدنيين، (حتى لو كان المبرر أنه رد على استهداف إسرائيل الدائم للمدنيين الفلسطينيين)، ولكن الخلاف سيصبح مع حماس على بعض الأساليب والتكتيكات، وليس على مبدأ المقاومة، طالما بقي هناك احتلال.
في الوقت الحالي المقاربة الصحيحة لفهم حركة حماس، تتعلق بجانبها المقاوم، والاتفاق والاختلاف يجب أن يكون على هذه الأرضية، أما إذا حدثت المعجزة، وقامت الدولة الفلسطينية المستقلة فسيتم تقييم حماس، باعتبارها فصيل إسلام سياسي غير مسلح.