لن يحتفل مصطفى الخطيب، مع زملائه باليوم العالمي لحرية الصحافة “الثالث من مايو” هذا العام، كما العام السابق، والذي سبقه، كونه لا زال رهن الحبس الاحتياطي، منذ 1600 يوم.

الخطيب مراسل وكالة أنباء الأسوشيتدبرس في مصر، ليس الصحفي الوحيد الذي سيمر عليه اليوم العالمي لحرية الصحافة خلف القضبان، هناك أيضا “حمدي الزعيم” المصور الصحفي الذي غاب عن أعياد ومناسبات أخرى عديدة، على مدار سنوات، حيث تم القبض عليه من أمام نقابة الصحفيين عام 2016، وقضي عامين رهن الحبس الاحتياطي، تلتهما ثلاثة أعوام من التدابير الاحترازية، قبل العودة إلى الحبس الاحتياطي مرة أخرى في قضية جديدة بنفس التهم تقريبا.

الاثنان ليسا حالتين فريدتين، فهناك عشرات الحالات، وربما يكون أحدثها القبض على عضو نقابة الصحفيين ياسر سيد أبو العلا، وإخفائه قسريا، الأمر الذي حرمه من حضور جلسة محاكمة مجدولة سابقا؛ ليتم الحكم عليه فيها غيابيا، بحسب زوجته، نجلاء فتحي، والتي قال مركز عدالة الحقوقي، إنها اعتُقلت وشقيقتها بعد تكرار، إبلاغها عن اختفاء زوجها قسريا.

ورغم سجن الصحفيين، وحرمانهم من المعلومات، والتضييق عليهم ظاهرة تعاني منها الدول الديكتاتورية، كما رصدت لجنة حماية الصحفيين الدولية، والتي وضعت دولة الاحتلال الإسرائيلي على رأس قائمة الدول التي تحبس الصحفيين، إلا أن مصر بحسب تقرير اللجنة عن عام 2023: “ظلت بصفة روتينية من البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم، وقد احتلت المرتبة الثامنة متعادلة مع تركيا، إذ يوجد في السجون المصرية 13 صحفياً سجيناً”.

تحايل

كما توقف التقرير عند ما وصفه بالتحايل على التشريع المقيد لفترة  الحبس الاحتياطي من خلال توجيه اتهامات إضافية؛ لتمديد فترة الاحتجاز. ومن الأمثلة على ذلك حالة الصحفي المستقل محمد سعيد فهمي، الذي أمضى أكثر من أربع سنوات ونصف السنة في الحبس الاحتياطي بعد اعتقاله بتهمة نشر أخبار كاذبة وتهمة الإرهاب في عام 2018. وكان من المقرر الإفراج عنه في عام 2020، ثم في عام 2021، لكن تم تمديد احتجازه، بعدما وجهت النيابة العامة اتهامات جديدة ضده. كما تحتجز السلطات المصرية المصور التلفزيوني الذي يعمل في قناة الجزيرة القطرية، مصطفى محمد سعد، في الحبس الاحتياطي، منذ عام 2019 بتهمة الإرهاب ونشر أخبار كاذبة”.

لا توجد أرقام نهائية أو موثقة عن عدد الصحفيين المسجونين أو المحبوسين احتياطيا، أو المرتكب انتهاكات بحقهم، وإن تناثرت الأخبار والبيانات هنا وهناك، بينما يخلو موقع نقابة الصحفيين الرسمي، وصفحتها الموثقة علي فيس بوك، من إحصائية شهرية أو سنوية، وكذا موقع وصفحة المجلس الأعلى للإعلام.

ووثق تقرير المرصد العربي لحرية الاعلام مارس 2024، استمرار  حبس 37 صحفيا، وسط ظروف احتجاز غير مناسبة، من بينهم 7 من أعضاء نقابة الصحفيين، وصحفية واحدة هي علياء عواد.

حسب التقرير بلغ إجمالي الانتهاكات 18 انتهاكا، تَصدرها تجديد الحبس في المحاكم والنيابات في 6 انتهاكات، ويلي ذلك انتهاكات السجون ومقار الاحتجاز، وقيود النشر وبلغ عددها 4 انتهاكات لكل منهما، ثم القرارات الإدارية التعسفية والبالغة 4 انتهاكات، والاعتداءات على الصحفيين حيث سجل التقرير انتهاكا واحدا.

الإحصاء السابق لم يشمل القبض على صحفيين الأسبوع الماضي، من أمام مقر المكتب الإقليمي للأمم المتحدة، والذين تم الإفراج عنهم بكفالة على ذمة قضية بالاتهامات المعدة سلفا والمعروفة في مصر من قبيل نشر أخبار كاذبة وباقي قائمة الاتهامات المعلبة.

على مدار السنوات العشرة الماضية، تضاءلت هوامش العمل الصحفي، وغابت حقوق عديدة، كان القانون يكفلها للعاملين بالمهنة، وتراجعت مصر إلى المركز الـ 166 على مؤشر حرية الصحافة 2023، بعد أن كانت في المرتبة الـ 168 في العام الذي سبقه، متأخرة عن دول عربية، وإفريقية عديدة، بل وفي مرتبة أقل من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

المؤشر الذي يصنف مصر ضمن الدول “شديدة الخطورة”، فيما يتعلق بالعمل الصحفي، يعكس الوضع المتردي الذي تعاني منه المهنة، والصحفيون المصريون خلال السنوات العشرة الأخيرة.

بالعودة إلى المرصد العربي لحرية الإعلام، وهو لا يضع أي معلومات تعريفية على موقعه على الإنترنت، حول القائمين عليه أو مموليه، كما يستخدم ألفاظا مثل الانقلاب العسكري، وحكومة السيسي.. إلخ، بينما وصفته قناة الجزيرة بـ “المستقل” وقالت، إن أمينه العام، هو الصحفي المصري قطب العربي. وهو معروف بانتمائه لجماعة الإخوان.

يقول المرصد في تقريره السنوي الأخير: “شهدت السنوات العشر الماضية تغييرا في بنية الإعلام المصري من إعلام، تمتع بحريات واسعة عقب ثورة 25 يناير 2011، إلى إعلام مقيد عقب الانقلاب وحتى الآن، بل تغيرت ملكية وسائل الإعلام من الملكيات الخاصة المستقلة إلى ملكية الدولة ممثلة في الشركة المتحدة المملوكة للمخابرات المصرية، والتي تمكنت من السيطرة على 90% من القنوات والصحف الخاصة، في صفقات تخارج إجبارية، وإن تمت وفق عمليات شراء شكلية”.

ويرصد انتهاكات العام 2023 كالتالي: “وفقا لما أمكن رصده فقد شهد العام 366 انتهاكا بواقع انتهاك واحد يومياـ وكان أعلى الانتهاكات من حيث العدد تجديد الحبس الاحتياطي بواقع 145 انتهاكا، تلاه القرارات الإدارية التعسفية بواقع 69 انتهاكا، ثم انتهاكات السجون (47)، وكذا الإدراج في قوائم الإرهاب (47)، وانتهاكات الانتخابات 23 وقيود النشر 13 انتهاكا، والمنع والمصادرة 10 انتهاكات، وانتهاكات نقابية 4، وحجب مواقع 3، واعتداءات 2، واستهداف أقارب 2، واختفاء قسري1.

ومن حيث الشهور التي شهدت أكثر الانتهاكات، جاء شهر إبريل 2023 في الصدارة بـ 57 انتهاكا، تلاه يناير بـ 42 انتهاكا، ثم يوليو بـ 37 انتهاكا، وديسمبر 36 انتهاكا، وفبراير 31 ، ونوفمبر 30، وسبتمبر 27، وأغسطس 24، ثم مارس 23 انتهاكا، وأكتوبر 22، ومايو 19، ويونيو 18 انتهاكا.”

هذه الانتهاكات تأتي في ظل التزامات قانونية ودستورية، تحمي حرية التعبير، نابعة من الدساتير المتعاقبة، منذ دستور 1971 وصولا لدستور 2014، وكذلك قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، وأخيرا أحكام المحاكم المصرية بمختلف درجاتها وولاياتها.

فقد نصت المادة (65) من الدستور المصري 2014، “حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك من وسائل النشر والتعبير”.

وحرص قانون تنظيم الصحافة والاعلام رقم (180) لسنة 2018، على الحفاظ على حرية الصحفي، وحمايته، فجاء في مادته رقم (8) “لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي والإعلامي، أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها؛ سببا للمساس بأمنه، كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماتية، وذلك كله في حدود القانون”.

ويقدم الجدول التالية معلومات تقريبية بعدد الصحفيين المحبوسين خلال السنوات العشر الماضية

السنه العدد
2014 104 سجناء حتي نهاية العام
2015 24 مسجونا حتى نهاية العام
2016 98 مسجونا حتى نهاية العام
2017 62 حالة حبس جديدة واحتجاز

61 اعتداء بدنيا

106 مساجين حتى نهاية العام

2018 41انتهاكا

89 صحفيا خلف الأسوار و18 تحت المراقبة والتدابير الاحترازية

2019 35 حالة حبس جديدة و5 إعادة حبس

67 مسجونا حتى نهاية العام

 

2020 27 انتهاكاً جديد من حبس واحتجاز مؤقت

75 مسجونا حتى نهاية العام

 

2021 25 الحبس والاحتجاز المؤقت

66 مسجوناً حتى نهاية العام

2022 32 محبوس احتياطياً

14 أحكام قضائية

المصدر: المرصد العربي لحرية الإعلام.

قمع الصحافة والصحفيين

ورغم صحة الظاهرة في ذاتها من حيث وجود قمع لحرية الصحافة والصحفيين ظاهر ولا يمكن إخفاؤه، إلا أنه لا يمكن الاتكاء بشكل مطمئن على الأرقام السابقة لعدم وجود مصدر مستقل موثق، وأيضا بسبب وجود صحفيين نقابيين وآخرين غير نقابيين، وعدم وجود جهة واحدة يمكن الرجوع إليها لإحصاء أكثر دقة.

فنجد مثلا تقرير المرصد يضم “علاء عبد الفتاح “لقائمة الصحفيين المسجونين، باعتباره صحفي ومدون حر.

أو نشر خبر الإفراج عن الصحفية دنيا سمير، ثم يتضح لاحقا، أن الخبر غير صحيح، وطبعا لا يصححه من نشره أو يعتذر عنه.

دنيا سمير نفسها، تعد علامة استفهام، حيث تعرف نفسها على حسابها على فيس بوك، بأنها تعمل لدى شركة سيناء للسفر والسياحة، بينما تعرف نفسها على تويتر، بأنها كاتبة صحفية، تعمل لدى محافظة جنوب سيناء!

انتهاكات بلا حدود

ولا تتوقف الانتهاكات عند حدود السلامة الشخصية للصحفي، بل طالت منصات النشر ذاتها، حيث تم حجب ما يقارب الـ 600 موقع إلكتروني بينها 126 موقعا إخباريا، وإعلاميا خلال الأعوام العشرة المنقضية، ولعل “أغرب” وقائع الحجب تلك التي طالت موقعي مصر360، والسلطة الرابعة، أثناء مداخلة نقيب الصحفيين المصريين في جلسة لجنة حقوق الإنسان، والحريات العامة في الحوار الوطني، والتي كانت مخصصة لمناقشة قانون حرية تداول المعلومات.

كما قرر المجلس الأعلى للإعلام في أكتوبر الماضي، حجب موقع “مدي مصر” لستة أشهر عقابا على نشر، ما اعتبره المجلس أخبارا كاذبة، رغم أن الموقع محجوب منذ سنوات!

وتأتي قرارات الحجب بالمخالفة للمادة 71 من الدستور، التي تنص على أنه” يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف، ووسائل الإعلام المصرية، أو مصادرتها، أو وقفها، أو إغلاقها، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين، أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون”.

وخلال العام الماضي، لم يتم رفع الحجب سوى عن موقع وحيد، يصدر عن حزب التحالف الاشتراكي، وكان يرأس تحريره نقيب الصحفيين الحالي، في مقابل حجب موقعين جديدين.

نتائج وتوصيات

يمكن إجمال ما رصدته الجهات المتعددة، في أن المشهد الصحفي المصري عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، ليس بخير، أو بلغة أكثر تحديدا، في وضع سيء وقمعي. ويمكن التوقف عند نقاط أهمها:

ــ تعددت اشكال انتهاك حرية الصحافة، وملاحقة الصحفيين، ويبقى أخطرها السجن، والحبس الاحتياطي، الذي يتجاوز مدته القانونية، ليطول لأكثر من عامين مرة، دون سند من قانون، ومرات من خلال “التدوير” في قضايا جديدة بذات الاتهامات السابقة.

ــ دور الصحافة هو نقل الواقع، بعيدا عن التحزبات والآراء السياسية، ودور الدولة هو تيسير أداء الصحفيين لعملهم، ما داموا يلتزمون بالقواعد المهنية.

ــ ضمان حق الصحفي في العودة لعمله بعد انتهاء حبسه، لأن ذلك جزءا من أمنه الاقتصادي هو وأسرته، ما دام لا يوجد مانع قانوني.