تمكنت الصين وإيران من فرض تصوراتهما المعنية بالأمن والاستقرار في إقليم البحر الأحمر؛ وهو الأمر الذي يمثل ضغطًا على مساعي الولايات المتحدة الانفراد بهذا الملف.

هكذا تخلص الدراسة التي خلص إليها الباحث محمد عبد الكريم، المعني بشؤون ملف البحر الأحمر، والتي ينشرها موقع مصر360، ضمن اهتمام خاص بمتابعة تطورات الوضع، وتقاطعات مسارات النفوذ في الشريان الملاحي الأهم بالنسبة لمصر.

لقراءة التقرير كاملا

نظرة عامة

الدراسة تقدم أولا نظرة عامة على المصالح الصينية في البحر الأحمر، رصد خلالها الباحث كيف تمكنت الصين في السنوات الأخيرة من تعميق نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في القارة الإفريقية، بحيث باتت بلا منازع-وطوال العقد الأخير- الشريك الاقتصادي الأول للقارة.

ويوثق كيف استفادت الصين في رحلة تحولها لعملاق اقتصادي من السلع الإفريقية المختلفة (التعدينية والزراعية والطاقوية)، والتي لها دور بارز في تحقيق الصين نموها الاقتصادي المضطرد في العقود الثلاثة الأخيرة.

في إطلالته العامة، يرصد الباحث أيضا كيف مثل الحضور التجاري والاقتصادي الصيني في حوض البحر الأحمر دلالة بالغة الأهمية، باعتبار الصين هي الشريك التجاري الأول أو الرئيس لدول الحوض.

ومن خلال أرقام التبادل التجاري، يتضح مدى عمق نفوذ الصين الاقتصادي في حوض البحر الأحمر، وطبيعة مصالحها القائمة فيه مع مختلف دوله، وعلى نحو لا ينافسه دوليًا، سوى الحضور العسكري الأمريكي في الإقليم وفي ترتيبات أمنه.

من خلال الصورة العامة، كشف الباحث عن أهمية الممرات الملاحية التجارية والعسكرية الدولية المارة بسواحل القرن الإفريقي، والبحر الأحمر بالنسبة لبكين، التي تمرر أكثر من 95% من تجارتها الخارجية عبر الطرق البحرية وحدها، أخذًا في الاعتبار أن جزءا كبيرا من الصادرات الصينية إلى أوروبا ودول البحر المتوسط كان يمر عبر الممرات الملاحية بالبحر الأحمر.

وترصد الدراسة، كيف تأثرت مصالح الصين عقب اضطرابات الملاحة في البحر الأحمر؛ بسبب هجمات الحوثيين، رغم إعلانهم أنهم لن يستهدفوا السفن الصينية والروسية.

اللاعب الإقليمي

ومن العملاق الصيني، ينتقل الباحث إلى اللاعب الإقليمي الأبرز إيران، ليرصد تمددها في الإقليم عبر بوابة السودان.

يتوقف أولا عند رغبة واشنطن حل إشكالية الضربات الحوثية عبر الضغط على طهران التي ترغب بدورها في تخفيف التوتر، والصراع المباشر مع واشنطن في سوريا والعراق، عبر مطالبة الميليشات الموالية لها في البلدين العربيين، حسب تقارير غربية بالتهدئة والتحرك في مستويات، دون دفع الولايات المتحدة للصدام مع إيران.

الدراسة تتوقف عند سعي طهران؛ للضغط باتجاه قبول الخرطوم، التي تواجه بدورها تقلبات إقليمية حادة تجاه أزمتها السياسية، ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، بتمكينها من إقامة قاعدة بحرية على سواحل السودان، لا سيما أن العلاقات بين البلدين شهدت تطورات مهمة، منذ مطلع العام الجاري، بإقدام طهران على إمداد الجيش السوداني بمسيرات متطورة، وتعهدت بتقديم سفينة حربية للبحرية السودانية.

ويعتبر الباحث، أن تصاعد الحضور الإيراني في السودان بات يحظى بمقبولية كبيرة وسط قطاعات شعبية سودانية داعمة لجهود القوات المسلحة؛ لمواجهة قوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة كبديل ناجع للتخاذل الإقليمي في هذا المسار، وهو ما قد ينظر إليه على أنه قد يمثل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة، وعدد من الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

ولذلك بذلت طهران جهودًا مضنية للحيلولة، دون تطور هذا الحضور عبر الانخراط بشكل مباشر في مناقشات مع دول متهمة بتأجيج الصراع في السودان، أبرزها الإمارات وبمستوى أقل السعودية، وتشجيع أطراف إقليمية مهمة في إشارة إلى مصر التي اتسمت مواقفها الأخيرة تجاه السودان بالضبابية نوعًا ما، والعودة لسياسة إفساح الطريق أمام قيادة الرياض الكاملة للملف عبر منصة منبر جدة التي يتوقع الباحث إعادة تنشيطها قريبا.

وبعد رسم صورة وافية عن الأدوار والحراكات الصينية والإيرانية، يرصد الدارس ديناميات التحالف الصيني الإيراني مرجعا تطور التعاون العميق بين بكين وطهران، أو ما تصفه الدوائر الغربية “بالصداقة البراجماتية”، إلى مرحلة الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، والتي جاءت متزامنة، مع ما بات يعرف بالصين ما بعد ماوتسي تونج post- Maoist China، حيث شهدت وضع أسس شراكة، أفادت طهران بتقوية مكانتها الاقتصادية والإقليمية، ومنحت بكين موطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط.

وينتقل البحث من الديناميات إلى الغايات التي اقتربت من نقاط التقاء واضحة، أبرزها الموقف من القضية الفلسطينية.

ماذا عن مصر

ويتوقف بعدها عند الموقف المصري من هذا التقارب واصفا إياه بـ “الترقب والانتظار”، راصدا ملامح الشراكة الاقتصادية بين مصر والصين.

ومن الموقف المصري إلى الاستجابات المتناقضة التي يبديها النظام الأمريكي، من التفاوض غير المباشر مع إيران عبر قنوات متعددة؛ بهدف وقف تصعيد الصراع الإقليمي، إلى التحفظ الأمريكي الإسرائيلي على العودة الصينية القوية لملف القضية الفلسطينية، وربط هذا الملف بالوضع في جنوبي اليمن، وهو الربط الذي عده مراقبون غربيون استفادة صينية مباشرة من الأزمة؛ لمواصلة (بكين) دورها المتصاعد في الشرق الأوسط.